بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
الكلام قد يكون محموداً، أو مطلوباً، أو واجباً، باختلاف مقاماته، وباختلاف حال المتكلم.
وقد أرشدنا إلى ذلك النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: "إن الرجل ليتكلم بالكلمة من رضوان الله لا يظن أنها تبلغ ما بلغت يكتب الله له بها رضوانه إلى يوم يلقاه".
وليس هناك أفضل من كلمة الحق في وجه السلطان الجائر، فالكلام قد يكون فرض كفاية كما في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إذا وُجد أكثر من واحد قد استوفوا الشروط، وقد يكون الكلام فرض عين إذا لم يوجد إلا واحد في مكان المنكر. وقد يكون مستحباً في مواضع كثيرة قد تصل في بعض الأحوال إلى الوجوب، وقد يفوت بترك الكلام مصالح كثيرة فاللسان أداة يظهرها البيان، وشاهد يخبر عن الضمير، وحاكم يفصل به القضاء، وناطق يرد به الجواب، وشافع تُقضى به الحاجات، ومُعز تسكن به الأحزان، ومُلاطف تُذهب به الضغينة. فلا يُسلَّم قول من قال: السكوت سلامة، والكلام بالخير غنيمة، ومن سلم أفضل ممن غنم.
ومثله قول من قال: إن كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب.
شاهد الحال يشهد أنه في أحايين كثيرة يمدح المتكلم ويُلام الساكت، فلا يكون السكوت دائماً سلامة، وقد قال عبدالملك رحمه الله: الصمت نوم، والنطق يقظة.
لذا ينبغي لمن تحمل هم الإسلام أن تكتب وتتكلم وتُعبر عن رأيها في ضوء الإسلام حتى يعود الإسلام عزيزاً كما كان. وألا تكون سلبية بحجة أن الصمت أفضل، ترى محارم الله تنتهك، وترى كلٍّ, يتكلم بفكره، بل يتكلم بلسان نساء المسلمين مطالباً بحقوقهن؟!! وتسكت وكأن الأمر لا يعنيها، وقد قال حسان بن ثابت رضي الله عنه:
لساني وسيفي صارمان كلاهما
ويبلغ ما لا يبلغ السيف مزودي
والمرء بأصغريه لسانه وقلبه. ولكن ينبغي وزن الكلام والتأني وعدم العجلة ليجد الكلام قبولاً إذا كان مبنياً على نهج علمي لا على عاطفة وجهل.
ألم تـــر أن مفتـاح الفــؤاد لسانـه
إذا هو أبدى ما يقـول من الفــم
وكائن ترى من صاحب لك مُعجب
زيادته أو نقصه في التكلــــــم
لسان الفتى نصف ونصف فــؤاده
لـم يبق إلا صورة اللحم والدم
وكما أن الكلام يكون ممدوحاً، والساكت مذموماً، فإن الكلام قد يكون فضولاً وحشواً، وقد يكون المتكلم واقع فيما لا تُحمد عقباه في الدنيا والآخرة.
وقد يكون الكلام حشواً وهو فضول الكلام الذي ليس فيما ينفع من أمر الدين أو الدنيا.
والصمت عنه أفضل لأن من كثر كلامه كثر سقطه، ومن كثر سقطه كثرت خطاياه.
قال عطاء رحمه الله تعالى: "أما يستحي أحدكم أنه لو نشرت عليه صحيفته التي أملاها صدر نهاره أن يرى أكثر ما فيها ليس من أمر دينه، ولا دنياه؟ ثم تلا قوله تعالى: {وإن عليكم لحافظين كراماً كاتبين} وقوله سبحانه: {عن اليمين وعن الشمال قعيد. ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد}.
وقال أبو الدرداء: حق فقه الرجل: قلة كلامه فيما لا يعينه.
وما أحسن قول أبي العتاهية:
الصمت أليـــق بالفتــــى
ما لم يكن عي يشينــــه
والقـــــول ذو خطـــــــل
ما لم يكن لبّ يعينـــــــه
وإن من الكلام الذي ينبغي اجتنابه ـ وهو في نظري كثير في مجتمعنا نحن النساء ـ: كثرة إلقاء اللائمة على الناس، وإيذائهم باللسان، فتجدين كثيرات تُسدي معروفاً إلى الناس بالصلة أو الزيارة أو الكلام الحسن والتهنئة والهدية وإكرام الضيف واستضافته، ثم تنتظر مكافأة من هؤلاء الناس على هذا المعروف، فإن لم يكن آذتهم بلسانها، إما بغيبتهم، وهي الكبيرة التي سيأتي الحديث عنها، وإما في حضورهم بالعتب عليهم.
إذا كنت في كل الأمور معاتباً
صديقاً لم تجد من لا تعاتبه
فتجد بعض هؤلاء يوصل ويُزار ويهدي إليه اتقاء لسانه. وقد ورد: أن من شرار الناس: الذين يُكرمون اتقاء ألسنتهم. أو نحو ذلك.
وإن من الكلام الذي ينبغي اجتنابه، وقد يجب، حسب تفاصيله: ما تقع فيه كثير من النساء من الحديث عن حالها وحال بيتها وأهلها وزوجها وأهله.
فإن كان الحديث عن أمور الفراش التي تقع بين الزوج وزوجته، فإن هذا لا يجوز، وقد مثل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ من يقع في ذلك من الرجال والنساء بشيطان لقي شيطانة.
أو تحكي ما تقع فيه من الذنوب والمعاصي وقد ستر الله عليها، وهي بذلك تجمع إلى الذنب المجاهرة به، وقد قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ: "كل أمتي معافى إلا المجاهرين".
ومن الأحاديث التي لا تنبغي: كثرة الإفضاء إلى الصديق لأن من أشد الناس أذى الصديق المنقلب عدواً لأنه أطلع على خفي السر.
احذر عــدوك مـــــــرة
واحذر صديقك ألف مرة
فلربما انقلب الصديـــق
فكان أعلم بالمضــــــــرة
وهذا غالباً في الصديق الذي تجمعك معه مصالح غير الحب في الله والبغض في الله.
وقد ذكر ابن الجوزي في "صيد الخاطر"(ص165) أن من الأمر الموضوع في النفوس: الحسد على النعم أو الغبطة وحب الرفعة، فإذا رآك من يعتقدك مثلاً له وقد ارتقيت عليه فلا بد أن يتأثر وربما حسد، فإن إخوة يوسف عليه السلام من هذا الجنس، وقد جرى له معهم ما جرى.
ومن الأحاديث التي لا تنبغي: كثرة الشكوى, وقد تكلم أهل العلم في حكم الشكوى من الحال والمرض ونحو ذلك، واختلفت أقوالهم.
وأصل الشكوى لا بأس بها إذا حمد قبل ذكرها، قال أبو العباس: سمعت عبدالرحمن المتطبب (يعرف بـ "طبيب السنة") يقول: دخلت على أحمد بن حنبل أعوده فقلت: كيف تجدك؟ قال: أحمد الله إليك، أجد كذا، أجد كذا، فقلت: أما تخشى أن يكون هذا شكوى؟ فقال: حدثنا المعافى بن عمران عن سفيان عن منصور عن إبراهيم عن علقمة والأسود قالا: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: "إذا كان الشكر قبل الشكوى فليس بشاك".
قال الشيخ مجدالدين: لا بأس أن يخبر عما يجده من ألم ووجع لغرض صحيح لا لقصد الشكوى.
والأدلة على جواز الشكوى كثيرة، منها الحديث الصحيح عن ابن مسعود رضي الله عنه، أنه قيل للنبي صلى الله عليه وسلم: إنك لتوعك وعكاً شديداً. قال: "أجل إني أوعك كما يوعك رجلان منكم"(متفق عليه).
قال ابن الأنباري: والحزن ونفور النفوس من المكروه والبلاء لا عيب فيه ولا مأثم، إذا لم ينطق اللسان بكلام مؤثم ولم يشك من ربه.
إذا عرتك بليــة فاصبر لهــــا
صبر الكريــــم فإنه بك أعلــــم
وإذا شكوت إلى ابن آدم إنمــــا
تشكو الرحيم إلى الذي لا يرحم
هذا بعض ما يجري على اللسان من الكلام، والمكلفة يجب أن تكون وقّافة عند حدود الله ترعى الحكم الشرعي في أقوالها، وتنظر فيما تقع فيه.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد