بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
مما قال فضيلة الأستاذ الدكتور محمد أبو موسى في درس شرح كتاب «دلائل الإعجاز» بالجامع الأزهر الشريف.
يوم الأحد: 18 من المحرم 1447 ه الموافق لـ 13 من يوليو 2025 م:
• يَضيق صدري حين أجد أناسًا يلتقطون الصُّور في الدرس.
• متابعةُ مناقشةِ أهل العلم للأفكار التي يَقبلونها والأفكار التي يرفضونها = من الأهمية بمكان؛ لأنها هي التي تكوِّن عقلَ الباحث، وتكاد تكون أفضلَ من «المعلوماية» العلمية التي ننتفع بها في القراءة.
• أنت في القراءة تنتفع بأمرين جليلين: الأمر الأول هو العلم. الأمر الثاني - لو كنتَ جيِّد السَّماع أو جيِّد القراءة - هو أنها تُعطيك طريقةَ تفكير العالِم الذي يُحدِّثك بهذا العلم.
• إذا كان العالِم يحكي لك علمًا قرأه من كلام الناس فهذا ظاهر؛ لأنه يُحدِّثك به بعد أن أسكنه في قلبه، أما إذا كان العالِم يُحدِّثك بعلمٍ هو الذي أنشأه وهو الذي استخرجه فهذه قضيةٌ جليلةٌ جدًّا جدًّا.
• أنا في الحقيقة لا أشرح «دلائل الإعجاز»، أنا في الحقيقة أقف عند تفكير مَن أنتج لنا «دلائل الإعجاز»، أنا مع عقلِ عالِمٍ أنتج لنا علمًا مِن أفضلِ علومنا وأجلِّها.
• أنا في دروس «دلائل الإعجاز» مع «عبد القاهر» بقلبي وعقلي، وبقلوب طلابي وعقولهم.
• الذين يَحْفظون العلم من غير وَعْيٍ ومن غير تدبُّر يردِّدون كلماتٍ ولا يَتدبَّرونها ولا يَعقلونها، ويَحْفظونها وهي شاهدٌ على ضدِّ ما يَفهمونه منها.
• الخللُ، والخطأُ، وغفلةُ العقل، وغفلةُ النَّفْس عن التدبُّر = تَنتهي بي إلى أن أستشهد بالشيء على الشيء وهو شاهدٌ على ضدِّه.
• لا معنى ل«تمكُّن» اللفظ من حيث هو نُطقُ لسان، ولا معنى ل«قلق» اللفظ من حيث هو نُطقُ لسان؛ لأن التمكُّن يعني أنه مُستقِر، والقلقَ يعني أنه غير مُستقِر، واللفظُ لا يُوصَف بأنه مُستقِرٌّ أو غير مُستقِر؛ لأن اللفظ يَنطقه اللِّسان، إنما الاستقرارُ وعدمُ الاستقرار وصفان له من حيث هو دالٌّ على معنى.
• علماؤنا يُكوِّنون عقلياتٍ علمية، لا يُحفِّظون مادةً علميةً فحسب، إنما هم يَجعلون وَعْيَك للمادة العلمية مصحوبًا بطريقة التفكير العلمية.
• يا سيدنا، إذا أردتَ أن تُنْصِف العلماءَ فأحسن النظرَ فيما يقولون.
• قيمةُ «عبد القاهر» ليست في أنه وضع علمًا من أجلِّ العلوم، وإنما قيمتُه في أنه يُربِّي عقولًا.
• يا سيدنا، قيمةُ العالِم في أنه لم يَصنعْ علمًا فحسب، وإنما في أن يُنشِّئ أجيالًا تَصنعُ علمًا، وهذا هو عُمران البلاد.
• البلاد لا تَعْمُر ب«البَعْبَعة» وب«النِّفاق» وب«الأكاذيب»، إنما تَعْمُرُ بالعقول التي تعلَّمت كيف تَصنعُ العلم.
• هذا هو العِلم وهذا هو فِقْهُ العِلم، وفِقْهُ العِلم أعلى من العِلم.
• اجعلْ لك ذائقةً تَذوق العلم، وإذا نَمَتْ هذه الذائقةُ أحببتَ العلم، وإذا أحببتَ العلمَ انقطعتَ له، وإذا انقطعتَ له بلغتَ به الذِّرْوة، ولن تكون شيئًا في بابٍ من أبواب العلم إلا إذا بلغتَ فيه الذِّرْوة.
• لن تكون طبيبًا تُذكَرُ في علم الطبِّ إلا إذا بلغتَ الذِّرْوةَ في علم الطب، لن تكون رياضيًّا تُذكَرُ في علم الرِّياضة إلا إذا بلغتَ الذِّرْوةَ في علم الرِّياضة.
• دَعُونا من «البَعْبَعة»، خَرَبَتْنا «البَعْبَعة»، دمَّرتْنا «البَعْبَعة»، واعملوا وأنجزوا لتكونوا خير أمَّة أُخرجتْ للناس.
• لستم خيرَ أمَّة أُخرجتْ للناس ب«البَعْبَعة» ونفاقِ «زيد» و«عمرو». يا سيدنا، «زيد» و«عمرو» ليس لهما حساب، الذي له حسابٌ هو هذا الوطن، الذي له حسابٌ هو هذه الدِّيار، الذي له حسابٌ هو هذه الأجيال.
• عليَّ ألا أدخل قبري وفي صدري كلمةٌ تنفعُ أمَّةً هي خيرُ أمَّةٍ أُخرجتْ للناس إلا وقلتُها.
• تعليقًا على كلامٍ للإمام عبد القاهر في الفقرة رقم (540)، قال شيخُنا: «عبد القاهر» طَوَى صفحةَ العلم وفتح صفحةَ العقل؛ فلا تَفتحْ صفحةَ العلم إلا إذا بدأتَ وفتحتَ صفحةَ العقل.
• أريد أن أسْرِعَ قليلًا؛ لأن الكتابَ في آخره أشياءُ لم تَدْرُسْها البلاغة، وهي غائبةٌ عن العقول، وهي مهمةٌ جدًّا جدًّا في فَهْم الشِّعر والأدب والكلام العالي، وكأن - سبحان الله - هذا الرَّجلَ لمَّا عاش حول هذا العِلْم، بعدما أنهى الكتابَ وحَمِد الله وأثنى عليه، بدأتْ تُراوده مسائلُ كَتب فيها خُلاصاتٍ هي مِن أفضل ما يُقرأ؛ لأنها كلُّ موضوعها: كيف أفهمُ البيان؟ كيف أفهمُ الشعر؟
• العَجبُ أن الله – سبحانه وتعالى – أيَّد كلَّ نبيٍّ بما برز فيه قومُه؛ بَرع الفراعنةُ في السِّحْر فأيَّد «موسى» بالسِّحْر، بَرع قومُ عيسى في الطبِّ فأيَّد «عيسى» بإبراء الأكْمَه والأبرص، ثم جاء «محمَّد» وأمَّةُ «محمَّد» بَرعتْ في أفضلَ من السِّحْر، وأفضلَ من الطِّب، وأفضلَ مِن كلِّ أفضل، وهو البيانُ الذي هو فحوى الإنسان.
• أُمَّتُنا هي خيرُ أمَّة أُخرجتْ للناس، فإذا سقطتَ أنت من هذه الخيرية ف«في ستين داهية»!
• ادعُ الله أن يَرزقك حلاوةَ العِلم حتى تستريحَ وأنت تقرأ، ولا تَستريحَ إذا تركتَ القراءة.
• يا عزيزي، المبتدئُ يَقرأ ويَسكتُ ليَستريح، أما الذي قرأ وقرأ وقرأ فهو الذي لا يَسكتُ ليَستريح، وإنَّما هو الذي يقرأ ليَستريح.
• ذِكرُ الله لا تَشبع منه القلوب، وقراءةُ العلم لا تَشبع منها القلوب؛ لأن قراءة العلم مِن ذِكْر الله.
• قلتُ لكم كثيرًا: أنا قرأتُ في كتب العلماء الأجلَّاء أن القراءة في أي كتابٍ أفضلُ من صلاة النَّافلة، ولو كانت القراءةُ في روايةٍ أو قصَّةٍ أو في قصيدةِ غَزَل؛ لأنني لا أقرأ لأتغزَّل؛ لأن الذي تَغزَّل مات، والتي تَغزَّل فيها ماتت، وبقيت الرُّوحُ الإنسانيةُ المَشوقةُ للحُسْن؛ فأنا مع شَوْق الرُّوح الإنسانية للحُسْن.
• حين أقرأ الشعرَ العاليَ الرَّفيعَ أسأل نفسي: يا ربِّي، الذي قال هذا انتهى! والذي قِيل فيه هذا انتهى!، إنما بَقِي الشِّعرُ كأنه وُلِدَ اليوم.
• العلماءُ من أوَّل الأمر قالوا لنا: لا تُطيلوا النظرَ في البيان الفاسد؛ لأن وصول الفساد إلى السَّليقة وإلى الذَّائقة البيانية أسرعُ مِن وصول الحُسْن إليها.
• «عبد القاهر» قال في النهاية إن إعجاز القرآن – وهذه كلمةٌ حَفِظْتُها وأتعبَّد بها – هو أن تَجد كلماتٍ محدودةً نُسِقَتْ نَسَقًا خاصًّا فأفادت معانيَ لا يَدخل فيها الحَصرُ والعَدُّ ويَعجِز الإنسانُ عن تحصيلها.
• خُذْ سطرًا من المصحف وانظر كلماتِه كيف نُسِقَتْ، وكيف تعلَّق بعضُها ببعض، وادخلْ في آفاق معانيها: {الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِين}: لا حُدودَ لمعنى «الحَمْد» الذي لا حَمْدَ فوقَه، لله الذي لا إله إلا هو.. وهكذا، تَجِدُ عطاءَ القرآن عطاءً لا حدودَ له.
• «الباقلاني» العجيبُ سَبَق «عبد القاهر» وقال في «السَّبْك» كلامًا مِن أرفع وأعلى أنواع الكلام؛ لأنه قال كلمةً في نِصْف سَطْر مُحيِّرةً إلى الآن؛ هي: «تَمييز سَبْك أبي تمام مِن سَبْك مُسْلم»، أي إن السَّبك، الذي هو تأليفُ الكلام، يَحمِلُ الرُّوحَ الإنسانيةَ التي ألَّفَتْه، ويُنْبِئ عنها، ويَدلُّ عليها، فصار سَبْكُ البحتريِّ دالًّا على البحتريِّ، وصار سَبْكُ أبي تمَّامٍ دالًّا على أبي تمَّام.. وهذا كلامٌ جليلٌ جدًّا جدًّا.
• «عبد القاهر» لم يُوجَدْ شيئًا عاليًا نبيلًا في فراغ؛ «عبد القاهر» سُبِقَ بمَن هم في قامته وبمَن هم فوق قامته، ولُحِقَ بمَن هم في قامته وبمَن هم فوق قامته.
• أرضُنا كانت لا تُنجِب إلا الكرام؛ لأن الذين كانوا على أرضها كرامٌ، فلما آل أمرُها إلى صغارٍ لم تَعدْ تُنجِب إلا الصِّغار.
• إلى هذه اللحظة وأنا أحاول أن أقرأ سَبْكَ امرئ القيس، وأبحثَ في سَبْك امرئ القيس عن امرئ القيس، وأبحثَ في سَبْك النَّابغة عن النَّابغة؛ لأن «الباقلاني» قال لي: ستجد النَّابغةَ في سَبْك النَّابغة، وستجد زُهيرًا في سَبْك زُهير.. أحاول وأبحث، فإن لم أجدْ لم يُخْطِئ «الباقلاني» وإنما عَجِزْتُ أنا.
• سيدُنا رسولُ الله ﷺ قال: "ما أَنزلَ الله داءً إلا أَنزلَ له دواءً"؛ يقول لصيادلة الأمَّة وأطباء الأمَّة: هذه حقيقةٌ أزلية، وعليكم أنتم أن تبحثوا وأنتم واثقون أنكم ستجدون لكلِّ داءٍ دواءً.
• الأمَّةُ التي قال لها نَبيُّها: "ما أَنزلَ الله داءً إلا أَنزلَ له دواءً" تَنتظر أن يقول لها غيرُها: الدَّواءُ الفُلاني للدَّاء الفُلاني!
• كما لا يَجوز لي تَركُ الصَّلاة لا يَجوز لي تَركُ البحث عن كلِّ دواءٍ لكلِّ داء.
• نحن خِبْنَا واعتقدْنا أن الجنةَ صلاةٌ وصوم، مع أن سيدَنا رسولَ الله ﷺ قال لنا: "لن يُدخِلَ أحدًا عملُه الجنةَ"، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟، قال: "لا، ولا أنا، إلا أن يَتغمَّدنِيَ الله بفضلٍ ورحمة"؛ فكلمة: "إلا أن يَتغمَّدنِيَ الله بفضلٍ ورحمة" أشارتْ إلى أن الجنةَ أعلى من كلِّ ثمن، وأن عملَ سيِّد الخلق لا يَعْدِلُه الجنة، وأن سيِّد الخلق لن يَدخُلَ الجنةَ إلا بمَحْضِ الفَضْل، مع أنه لم يَعملْ على هذه الأرض مِن يومِ أن قال الله لها: «كُوني فكانت» إلا هو عليه الصَّلاة والسَّلام.
• أشعر أحيانًا أن البيئة التي يتكلَّم فيها «عبد القاهر» كانت بيئةً تَجهلُ «العربية» جهلًا كاملًا؛ لأنهم لم يُفرِّقوا بين ما يُقال في «الكلام» وما يُقال في «الكلمة»، لكن «عبد القاهر»؛ نفسَه وضخامتَه وسَعةَ علمِه، يَجعلني أقول إنه يستحيل أن يوجَد هذا العالِمُ البارعُ الجليلُ إلا في بيئة فيها عِلم.
• كلمة «الباقلاني»: «تَمييز سَبْك أبي تمام مِن سَبْك مُسْلم» تَضربنا على أدمغتنا، وتقول لنا: لماذا لم تَدْرُسوا لغةَ كلِّ أديب، ولغةَ كلِّ شاعر، وتُحاولوا أن تستخرجوا كلَّ أديب من كلامه؛ استخرِجوا «الجاحظ» من رسائل الجاحظ، واستخرِجوا «الصَّاحب» من رسائل الصَّاحب، وسيدُنا رسول الله ﷺ قال هذا؛ قال: الفرقُ بين كلام الله وكلام النَّاس هو الفرقُ بين الله والناس.
• يا شيخَنا عبد القاهر، ما دمتَ عَرفتَ أن عقلية الذين تُهاجمهم هذه صفتُها فلِمَ شَغلْتنا بهم؟! ثم إنك تُحدِّثنا عن عقلياتٍ لا ينبغي لأهل العلم أن يقفوا عندها، وكأنك تَزيدنا حسرة! ونحن لا نملك أن نترك كتابَك؛ لأنك وأنت تناقش أجهلَ خَلْق الله بالبيان قلتَ أفضلَ ما يُقال في البيان، وهذه عَظمتُك!
• «عبد القاهر» الرَّائع وهو يُكلِّم أجهلَ خَلْق الله يقول علمًا هو أفضلُ ما قاله العلماء، وأنا أحبُّ أن يكون فينا هذا الصِّنْفُ من الناس، أحبُّ أن يكون فينا من إذا تكلَّم في التفاهات أفاد.
• العقليات مِن طُول ما قَبِلَت التَّفاهات صارت لا تميِّز بين التفاهة وغير التفاهة، ثم إنها لم تَقبل التَّفاهات، وإنما قِيلَ لها إن هذه التَّفاهاتِ هي خيرُ ما يُقال.