من صور الفداء:
كما دافع المسلمون عن عقيدتهم وقيادتهم بألسنتهم حين كانوا لا يملكون غيرها، فقد دافعوا عن عقيدتهم وقيادتهم بأسلحتهم حين أذن لهم في ذلك، فخاضوا أعنف المعارك، واقتحموا أصعب الأهوال، دفاعاً عن الحق الذي اعتنقوه، ودرءاً عن القيادة التي تمثل تلك العقيدة.
لما خلص المشركون إلى رسول الله في غزوة أحد, وكادوا يلتهمونه بسيوفهم ورماحهم، تتّرس حوله رجال من المسلمين حتى لا ينال المشركون منه مأربهم: ( أبو دجانة) - رضي الله عنه - ترّس عنه بظهره، وكان النبل يقع فيه, ولا يتحرك عنه.
وعلى بن أبي طالب - رضي الله عنه - أخذ بيده وأخرجه من الحفرة التي وقع فيها، ودافع بين يديه دفاعاً عظيماً.
وطلحة بن عبيد الله وقاه بنفسه، وحارب عن يمينه وشماله، حتى روى البخاري عن قيس قال: رأيت يد طلحة بن عبيد الله شلاّء، وقى بها النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم أحد.
وفي صحيح (ابن حبان) عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: قال أبو بكر الصديق: لما كان يوم أحد، انصرف الناس عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، فكنت أول من فاء إليه، فرأيت بين يديه رجلاً يدافع عنه ويحميه فقلت: كن طلحة فداك أبي وأمي! فلم أنشب أن أدركني أبو عبيدة بن الجراح، وإذا هو يشتد كالطير، حتى لحقني فدفعنا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فإذا طلحة بين يديه صريعاً، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: \" دونكم أخاكم فقد أوجب \".
قال: فأقبلنا على طلحة نعالجه وقد أصابه بضع عشرة ضربة.
وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت:كان أبو بكر إذا ذكر يوم أحد قال: ذلك يوم كله لطلحة.
وكان لسعد بن أبي وقاص دور مهم وعظيم، فكان - صلى الله عليه وسلم - سلّ له كنانته وقال: \" ارم فداك أبي أمي\".
وقاتل مصعب بن عمير - رضي الله عنه - دون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى قتل، قتله ابن قميئة، يظنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
وفي البخاري: مر أنس بن النضر بقوم قد القوا بأيديهم فقال: يا قوم ما تنتظرون؟
فقالوا: قتل رسول الله!
فقال: ما تصنعون بالحياة بعده؟ فقوموا فموتوا على ما مات عليه، ثم استقبل الناس، ولقي سعد بن معاذ فقال: يا سعد! إني لأجد ريح الجنة من دون أحد. ثم استقبل المشركين وقال: اللهم إني أبرأ إليك مما جاء به هؤلاء - يعني المشركين - وأعتذر إليك مما صنع هؤلاء - يعني المسلمين - ثم قاتل حتى قتل! فما عرفه أحد إلا أخته ببنانه!! ووجدوا به سبعين ضربة!!
وكذلك قاتل عبد الرحمن بن عوف - رضي الله عنه - حتى أثبتته الجراح، ووجدوا به عشرين جراحة: بعضها في رجله ظل يعرج منها حتى مات!
تلك فدائية نادرة لم تعرفها الدنيا من قبل أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ورضي الله عنهم أجمعين -. جادوا بأنفسهم وأرواحهمº لحماية عقيدتهم \" والجود بالنفس أقصى غاية الجود \".
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد