وفاة أمير الأندلس عبد الرحمن الأوسط

3 ربيع الآخر 238 هـ ـ 23/9/852م:

عبد الرحمن الأوسط هو رابع أمراء الأسرة الأموية التي حكمت الأندلس منذ سنة 138هـ، وقد تولى الحكم سنة 206هـ بعد وفاة أبيه الحكم بن هشام، وقد ورث مُلكاً ممهداً ثابتاً بعد أن قام أبوه بقمع الثورات الداخلية، ومهد له الأمور، كان عبدالرحمن الملقب بالأوسط تمييزاً له عن جده الأكبر عبد الرحمن الداخل، وعن عبد الرحمن الناصر أول خليفة أندلسيº يجمع بين اللين والعنف، فشخصيته معتدلة، وفي عهده بدأت مظاهر الترف والغنى تظهر، فانصرف الناس لبناء القصور الفاخرة، والمتنزهات الكبيرة، وأقبلوا على الدنيا يرفلون في نعيمها مستغلين ضعف وتفرق العدو الإسباني وقتها، وأصبحت قرطبة أجمل مدن العالم، وعم الرخاء الجميع، وكل ذلك مقدمة للتلف الذي سيحل بالبلاد بعد ذلكº لأن ما من أمة تتنعم هكذا وترفل في ملاذ الدنيا إلا أصبحت عرضة للهلاك أو الاستبدال أو العدوان.

أفاق الناس من غفلتهم على هجوم النورمان أو المجوس كما كان يطلقون عليها على سواحل الأندلس الشرقية، وتوغلهم حتى وصلوا إلى ضواحي قرطبة، ولم يخرجوا من البلاد إلا بعد جهد كبير، وغنائم ضخمة حمولوها معهم، وأنشأ بعدها عبد الرحمن أسطولاً بحرياً كبيراً كان نواة سيطرة بحرية إسلامية تامة على غرب البحر المتوسط لعشرات السنين([1]).

العجيب في أيام عبد الرحمن الأوسط أن المستعربين وهم النصارى الذين ظلوا على دينهم بعد الفتح الإسلامي، ودخلوا في ذمة المسلمين، ولكنهم استعربوا لساناً وثقافة وأسلوب حياة، وكانت أعدادهم كبيرة جداً بالأندلس، هؤلاء المستعربة ثاروا ثورة كبيرة أيام عبد الرحمن رغم ما عرف عن الرجل من تسامح وعدم تشدد معهم إضافة للرخاء والاستقرار في عهده، فكانت ثورتهم غريبة، ولكن ليست بغريبة على من يعرف طبيعة العداوة بين المسلمين وأعدائهم، وما تكن صدورهم تجاه المسلمين.

وقد توفي الأمير عبد الرحمن الأوسط في 3 ربيع الآخر 238هـ ـ 23/9/852م بعد أن حكم نيفاً وثلاثين سنة قضاها الشعب الأندلسي في رخاء وثراء، ودعة متلفة حصدوا ثمارها بعد ذلك.

________________________________

([1]) راجع ما يلي: سير أعلام النبلاء، الكامل في التاريخ، نفح الطيب، تاريخ ابن خلدون، البيان المغرب.