بسم الله الرحمن الرحيم
نظمت اللجنة الثقافية التابعة لجمعية إحياء التراث الإسلامي محاضرة عامة حول: - العلامة المفسر محمد الأمين الشنقيطي.. نشأته وطلبه للعلم- ألقاها أ.د.محمد المختار بن محمد الأمين الشنقيطي - عضو هيئة التدريس في جامعة طيبة بالمدينة النبوية - والذي أوضح في بدايتها بأن دراسة أحوال العلماء وحياتهم وكيف نشأوا، وكيف تعلموا، ودراسة بيئاتهم هو من دراسة العلم، وفائدته أن يتأسى بهم، فإنهم ورثة الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.
وقد اعتنى السلف الصالح بالعلماء حملة هذه الشريعة كما أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه يختار لحملة الشريعة من هم أحسن هذه الأمة، ويذكر بعض العلماء أن معرفة رواة كل فن جزء من معرفة ذلك الفن، ولذلك سبق المسلمون الغرب في الاعتناء بالعلماء، لأن الغرب من أراد منهم أن يدرس الهندسة أو الطب أو أي علم يتخصص فيه فإن أول ما يبدأ فيه دراسة الذين ألفوا في هذا العلم واكتشفوا فيه الاكتشافات، وهذا في الحقيقة سبقهم المسلمون إليه، فإن المسلمين هم أول من وضع السند، وهذه الأمة تختص بالسند من بين جميع الأمم، لذلك كانت شريعتها محفوظة، والله- تبارك وتعالى -تكفل بحفظ القرآن الذي هو مدار الشريعة، ومع ذلك من حفظ الله - عز وجل - لهذه الشريعة أن قيض لها علماء في كل جزئية من جزئيات الفنون الشرعية واللغوية، فخدموا هذا العلم وهذه الشريعة، سواء كانوا يعلمون أن الله - تعالى -سخرهم أم لا، فإنه لا شك أن الله - تعالى -قد سخرهم لخدمة هذا الدين.
- ثم تطرق الشيخ المحاضر إلى نشأة الشيخ محمد الأمين الشنقيطي - رحمه الله تعالى - موضحاً بأن اسمه الشيخ محمد الأمين بن محمد المختار اليعقوبي الجكني من قبيلة تنتسب إلى حمير في اليمن، وهو وحيد أبويه، وتربى في بيت أمه، والبيئة التي تربى فيها هي بيئة علم، لأنه درس أنساب العرب والسيرة النبوية على زوجة خاله، ودرس القرآن وأخذ فيه السند.
- وتوفي عنه والده وهو صغير لم يبلغ السنة الثانية، ثم كان في بيت أخواله حيث درس القرآن وحفظه، ودرس السيرة النبوية وألف كتاباً في أنساب العرب، ويقول أنه أتلفه لأنه ألفه لغير غرض حسن، حيث يقول إنه ألفه بغرض التفوق على أقرانه، ثم بعد ذلك قال أنه ندم على ذلكº لأن الإنسان يستطيع أن يصلح نيته.
- ثم تحدث الشيخ المحاضر بعد ذلك حول ولادته وبيئته، فقال: ولد سنة -1325هـ- في موريتانيا في ولاية كيفا، وهذا مقيد في الكتب التي ترجمت للشيخ - رحمه الله - مثل كتاب الشيخ السديس وفقه الله والشيخ عطية - رحمه الله -.
والبيئة التي تربى فيها الشيخ هي بيئة علم كما ذكرت، والشاب فيها إذا لم يكن متعلماً لو خطب فإنه لا يزوج أبداً، فهذه البيئة بيئة تعليم والنساء فيها متعلمات، وذلك إذا رأينا أنه أول ما درس الأنساب والسيرة درسها على زوجة خاله، وكانت متعلمة في النحو وتبعتها بعد ذلك أبنتها في تعليم الناس النحو، فالنساء هناك بارعات وخاصة فيما يتعلق بالسيرة والفقه واللغة وأنساب العرب.
- وقد امتن الله - عز وجل - عليه بملكة الفهم والحفظ وحب القراءة وفرغ للتعليم، فلذلك أخذ جميع العلوم عن شيوخه، حيث ذكر لي - رحمه الله - أن شيوخه كلهم من جماعته من الجكنيين، ولكن بعض العلوم مثل المنطق لم يدرسها على شيخ.
وطريقة التعليم هناك أن الشخص يبدأ بفن حتى يتقنه ثم ينتقل إلى فن آخر، وهو عارف للقراءات وحافظ للقرآن وعنده معرفة بأنساب العرب، وعنده ملكة شعرية كبيرة، ولكنه كان يقول - رحمه الله - عندما يسأل حول الشعر بأنه في القريحة والطبيعة شاعر أما فيما يتعلق بالتكسب ومدح الناس وذمهم فلست بشاعر.
- وشيوخه كثيرون جداً منهم: الشيخ أحمد الأفرم والشيخ أحمد بن آدو والشيخ محمد النعمه وشيوخ كثيرون جداً، وأما تلامذته فمنهم: د. عبدالله التركي - وزير الأوقاف ومدير جامعة الأمام محمد بن سعود سابقاً، والشيخ/ عبدالله بن غديان والشيخ صالح اللحيدان والشيخ العباد حفظ الله الجميع، وممن سمع عليه كما ذكره هو بنفسه الشيخ ابن باز - رحمه الله - فإنه سمع عليه آداب البحث والمناظرة وهو علم المنطق، ولما توفى الشيخ الشنقيطي قال الشيخ بن باز في محاضرة: أنا ممن أفدت من الشيخ وممن قرأت عليه، وقد كان بينهما التصافي والود، ولم أر الشيخ يذهب إلى أحد يزوره في بيته غير الشيخ ابن باز وكان كل منهما يثني على الآخر.
ولم أذهب إلى بلد من الأقطار الإسلامية إلا ووجدت فيه مدير جامعة أو وزيراً أو مسئولاً كبيراً من تلامذة الشيخ، سواء في باكستان أم الهند أم بنغلاديش أم إندونيسيا.
- بعد ذلك تحدث الشيخ المحاضر حول مكانة الشيخ الشنقيطي وأخلاقه ومناصبه موضحاً أنه سافر من موريتانيا عام -1367هـ-، وكان يعتقد اعتقاد السلف قبل أن يأتي إلى المملكة العربية السعودية، وهذا مسجل في رحلته.
وكان يتولى القضاء في موريتانيا، والقضاء هناك ليس لحكومة، لأن سبب خروج الشيخ من موريتانيا هو وجود المستعمر الفرنسي، حيث يقول: إذا رأيت العلم الفرنسي يرفرف في الهواء أظلمت الدنيا في عيني، فكان ذلك سبباً في خروجه إلى الحج، وكان قاضياً متبرعاً وطريقة قضائه بين الخصوم إذا جاءه اثنان يستكتبهما، أي أن كل واحد يكتبه ويوقعه، ويقول إذا حكمت بينكم في شيء فأنتم راضون، فإذا وقعوا على هذا حكم بينهم، وكان يقول أنا أضيفهم وأحكم بينهم ثم يذهبون، فلما جاء إلى السعودية وعرض عليه المفتي محمد بن إبراهيم - رحمه الله - بواسطة ابن زاحم في المدينة المنورة أن يذهب إلى الرياض قال له: أنا أتيت وتركت والدتي وأطفالي وأريد أن أرجع، فأجابه اجلس معنا فأنت تعطي العلم، وبحمد الله الآن تلامذته لا يحصون - منهم القضاة والعلماء والأساتذة في الجامعات.
- وأما مناصبه في المملكة العربية السعوديةº فإنه كان يدرس في الكليات والمعاهد سابقاً والتي أصبحت نواة لجامعة الإمام الآن، ثم بعد ذلك لما تأسست الجامعة الإسلامية عام -1381هـ- انتقل إلى المدينة المنورة، وكان عضواً مؤسساً في رابطة العالم الإسلامي، كما كان عضواً في هيئة كبار العلماء، حيث رأس بعض الجلسات فيها.
- أما أخلاقه فقد كان مربياً وعلى خلق عظيم إلا إذا أراد شخص أن يتناول من شخص آخر في مجلسه، فإنه لا يساوم على أحد يتكلم في أعراض الناس، وكان في محاضراته لا يتعرض لشخص في عينه وإنما يتكلم في المنهج، ويكشف الشخص بمنهجه، ولم أسمعه يتكلم على شخص معين حتى ولو كان من أهل البدع، فإنه كان يتكلم في منهجه مع كرهه للبدع.
- والجدير بالذكر أن اللجنة الثقافية بجمعية إحياء التراث الإسلامي نظمت العديد من المحاضرات والندوات الشرعية التي تتناول العديد من الجوانب الشرعية، والتي تدعو لها العديد من المشايخ من داخل الكويت وخارجها.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد