15 شعبان 791هـ:
واجهت الدولة العثمانية في بداية تكوينها صعوبات جمة من جهات عديدة داخلية وخارجية، وكانت مسألة توحيد منطقة الأناضول أو آسيا الصغرى من الصعوبات الكبيرة، ذلك لأن الأناضول كان به العديد من الإمارات المستقلة والمنفصلة عن بعضها البعض، وهذا التفرق جعل دول الإسلام هناك ضعيفة وعاجزة عن مواجهة الدولة البيزنطية، وكانت أشد الإمارات رفضاً لفكرة توحيد الأناضول إمارة «القرمان» وأميرها «علاء الدين» أشد الناس عداوة للعثمانيين، والثائر عليهم عدة مرات.
دخل «مراد الأول» ثالث سلاطين الدولة العثمانية في حروب طويلة من أجل توحيد الأناضول، واستطاع إخضاع «علاء الدين» بعد أن انتصر عليه عدة مرات، ثم صاهره ليأمن غائلته، وبعدها تفرغ «مراد الأول» للجهاد على الجبهة الأوروبية، ففتح مدينة «أدرنة» وكانت ذات موقع استراتيجي فجعلها «مراد الأول» عاصمة الدولة العثمانية لينقل الوجود الإسلامي إلى قلب القارة الأوروبية.
شعرت الدول الأوروبية بالخطر المحدق بها من جانب العثمانيين فتداعى الجميع لحرب صليبية ضد العثمانيين، واتحد ملوك المجر والصرب، والبوسنة والأفلاق، والبغدان لشن حرب خاطفة على العثمانيين، مستغلين انشغال «مراد الأول» في حروب داخلية بالأناضول، وهجم الحلف الصليبي على مدينة «تشيرمن» عند نهر «مارتيزا»، ولكن القائد العثماني «لالا شاهين» نجح في هزيمة الحلف الصليبي هزيمة منكرة على الرغم من الفارق الكبير بين الطرفين.
ترك «مراد الأول» الأناضول بعد أن رتب أوضاعه الداخلية، واستدار لتأديب ملوك البلقان الذين تحالفوا ضده، واحتل أجزاءً من الصرب في جنوبي يوغوسلافيا اليوم، وفتح مدينة «صوفيا» و«سالونيك»، وأدخل الرعب في قلوب الجميع، فخنسوا حيناً من الدهر، ولكن حدث ما لم يكن في حسبان «مراد الأول»، إذ عاد الأمير «علاء الدين» لغدره وتآمره، واستغل انشغال «مراد الأول» بالقتال في البلقان، وشن هجمات قوية بالاشتراك مع أمراء مقاطعات «منتشا - آيدين - صاروخان» وحقق مكاسب عديدة مما جعل السلطان «مراد الأول» يرتد سريعاً للأناضول للقضاء على هذه الفتنة.
استغل الصليبيون في البلقان بدورهم هذا القتال مرة أخرى، واتفق «لازار» ملك الصرب مع «سيسمان» أمير البلغار وهاجموا الحامية العثمانية الموجودة في جنوب يوغوسلافيا، وحققوا عدة انتصارات، فعاد «مراد الأول» إلى البلقان مرة أخرى وهو يتحرق غيظاً من الصرب والبلغار، فبدأ أولاً بالبلغار فانتصر عليهم، وأخذ نصف بلادهم، فلما رأى «لازار» كلب الصرب هزيمة البلغار انسحب بجيوشه ناحية الغرب محاولاً دخول بلاده، والاحتماء بحصونه.
يسير «مراد الأول» مسرعاً بجيوشه حتى يدرك الصرب قبل دخول بلادهم، وفي يوم 15 شعبان سنة 791هـ تدرك الجيوش العثمانية «لازار» وجيوشه عند سهل «قوص أوه» أو كوسوفا، ودارت حرب طاحنة بين الفريقين على غيظ وحنق من كليهما، وصبر الفريقان في القتال صبراً بليغاً، حتى أنزل الله - عز وجل - نصره على المسلمين، وقتل الخبيث «لازار».
ولكن مما عكر صفو هذا الانتصار الكبير هو أن السلطان «مراد الأول» استشهد بعد المعركة أثناء تفقده لشهداء المسلمين، حيث طعنه جندي صليبي تظاهر برغبته في الإسلام، وتقبيل يد السلطان، ثم طعنه طعنة قاتلة.
الجدير بالذكر أن دولة صربيا الصليبية التي قامت بعد تفتت ما كان يعرف سابقاً باتحاد «يوغوسلافيا» أعلنت ضم إقليم كوسوفا ذي الأغلبية الألبانية المسلمة وذلك سنة 1409هـ - 1989م، وفي حفل إعلان للضم قال الزعيم الصربي المجرم الحاقد «سلوبدان ميلوسوفيتش» - والذي توفي أثناء محاكمته كمجرم حرب في «لاهاي» -: «الآن انتهت معركة كوسوفا» أي أن الصرب كانوا ما زالوا متذكرين لهزيمتهم الكبيرة في كوسوفا على الرغم من مرور أكثر من ستمائة سنة على المعركة ([1]).
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد