بسم الله الرحمن الرحيم
فتحت مدينة الموصل في عهد الخليفة الراشد عمر بن الخطاب على يد (عتبة بن فرقد الباهلي) وقد ولى عليها سيدنا عمر (عرفجة البارقي) كما ذكر ابن الأثير. ويعود إلى عرفجة فضل تأسيس أول مسجد جامع في الموصل والمعروف ب(الجامع الأموي). وكانت القاعدة في صدر الإسلام ألا يقام أكثر من مسجد جامع واحد في كل مدينة إلا أن التوسع العمراني وازدياد عدد سكان مدينة الموصل..استدعى بناء مسجد جامع أكبر حجماً وأكثر سعة فتم ذلك عام 566هـ الموافق 1170م، حيث شيد (الجامع النوري) بأمر السلطان نور الدين محمود بن عماد الدين زنكي، في منطقة توسع المدينة حيث تحيط به الأسوار من كل جانب.
بدأ العمل ببناء الجامع عام 566 هـ وتم الفراغ من بنائه عام568هـ والتي توافق عام 1172م، وبعد أن أمر نور الدين زنكي ببناء الجامع عام 566هـ عاد إلى الموصل عام568هـ وصلى في الجامع .. وتصدق بمال عظيم حسب ما ذكر ابن الأثير.
وقد ذكر المؤرخ والباحث الموصلي (سعيد الديوه جي) أنه تم تشييد مدرسة في الجامع، إلا أنه لم يتبق أي أثر لهذه المدرسة على أثر التوسعات والترميمات التي شهدها الجامع.
وقد كلف بناء الجامع ميزانية الدولة حوالي (60) ألف دينار ذهبي حسب ما ذكره ابن الجوزي ... وإذا احتسبنا وزن الدينار المرواني البالغ 4. 8 جم من الذهب، تكون الكلفة مقدرة بحوالي 245 كجم من الذهب.
والجامع بمخططه الأصلي الذي شيد في عصر نور الدين زنكي قد طرأت عليه تغيرات كبيرة، خصوصاً عام 1939م، حيث هدم المسجد وأعيد بناؤه وتوسعته.
وامتاز تخطيط الجامع في العصر(الأتابكي) بامتداده على طول جدار القبلة حيث يبلغ 65 متراً وعرضه 17متراً.
وقد قسم حرم الجامع إلى مربعات تفصل بينها أعمدة بشكل صفوف متعامدة مع اتجاه القبلة ... ومن هذه المربعات، المربعة التي تتقدم المحراب والمغطاة بقبة.
يحتوي الجامع على أعمدة رخامية شيدت بأسلوب خاص تميزت به العمارة الموصلية خلال العهد (الأتابكي)، وتشغل تيجانها كتابات وزخارف التوريق.
ومن أبرز العناصر الزخرفية التي بقيت في الجامع الواجهة الجبسية لمحرابه، تتضمن أطراً كتابية وزخارف نباتية لم تقتصر على الواجهة العليا للمحراب، بل هي جزء من مجموعة زخارف تزين بقية جوانب المحراب.
ومن العناصر المعمارية البارزة والأصيلة في عمارة الجامع النوري القبة التي تغطي مربع المحراب، وهي أسلوب معماري فريد تميزت به عمارة الموصل، ففكرة إقامة قبة على مربع المحراب لم تكن معروفة في جوامع العراق آنذاك.
المنارة الحدباء: ومن أهم معالم الجامع النوري الكبير(المنارة) أو(المئذنة) المعروفة بمنارة (الحدباء) وبها تعرف مدينة الموصل وتسمى ب(نينوى الحدباء).
وتقع المنارة في الركن الشمالي الغربي من الجامع وهي متصلة بجدرانه، وتعد هذه المئذنة من المآذن النفيسة في العالم الإسلامي، من حيث الضخامة والارتفاع البالغ 49. 45 متراً، تغطيها بالكامل وحدات زخرفية بديعة.
وتتكون المئذنة من قاعدة مكعبة منشورية طول ضلعها 5. 7 أمتار، وارتفاعها19متراً، يعلوها بدن أسطواني طوله حتى الحوض 24متراً ومحيط قاعدته 16. 45متراً، وقطره من الأسفل5. 20 أمتار، ومن الأعلى 3. 35 أمتار.
والمتفحص للميزات المعمارية والفنية للمئذنة تتجلى له عبقرية المعماري الذي بناها، وإلمامه بأساليب البناء، ومعرفته بالنواحي الهندسية، وخصائص المواد الإنشائية ومدى تأثير العوامل المناخية عليها.
حيث تنبه المعماري إلى ضرورة تخفيف ثقلها على القاعدة الناتج من ارتفاعها الشاهق وضخامتها، لذلك عالج هذا الأمر باستحداث سلّمين يحيطان ببدنها الأسطواني.
ولم يقتصر إبداع المعمار على الجانب المعماري بل تعداه إلى الجانب الفني، حيث زخرف البدن الأسطواني بسبعة أنطقة عريضة من الزخارف الهندسية.
وقد راعى المعماري أن تكون الزخارف الخشنة من الأعلى والناعمة من الأسفل، بحيث إن الناظر إليها لا يمل من رؤيتها.
وقاعدة المئذنة محلاة من جوانبها الأربعة بزخارف متنوعة العناصر، والتنفيذ يختلف في كل جانب عن الآخر.
ومن مميزات هذه المنارة ظاهرة انحنائها نحو الشرق ولذلك سميت ب(الحدباء)، وقد قيلت عدة آراء في تفسير هذه الظاهرة، وليس من المعروف ما إذا كان هذا الانحناء حصل عند البناء الأول أم نتج عن عوامل معينة بعد ذلك، وقد يعود السبب في الانحناء إلى خصائص مادة الآجر والجص الرابطة بينهما والتي تختلف من حيث التقلص والتمدد والجفاف والتصلب، مع وجود عامل تفاوت وتغير درجات الحرارة.
المحراب
محراب الجامع النوري الكبير محراب أثري قديم مؤرخ بعام 543ه 1148م، نقل إليه من مسجد أثري قديم في الموصل، ويدل التاريخ على أن المحراب منقول من جامع آخر سبق تشييد الجامع النوري، ويعتقد البعض أنه منقول من الجامع الأموي في الموصل.
يتميز المحراب بزخارفه الجميلة، وشريط كتابي بخط كوفي مزهر نقش على مهاد من الزخارف النباتية القديمة، وقوام الزخرفة فيه ثلاثة صفوف شاقولية من عقود صماء غير نافذة، يضم الصف الأوسط منها أربعة عقود متراكبة، ترفعها أعمدة مندمجة مزخرفة.
وقد شهد الجامع مؤخراً حملة صيانة وإعادة إعمار، قامت بها الشعبة الهندسية في محافظة نينوى، بعد أن أصاب الجامع الإهمال، وعمرت مآذنه الأربع الصغيرة المثبتة إلى جانب قبة مربعة المحراب، وكانت هذه المآذن مهددة بالسقوط، حيث تم هدمها وشيدت أربع مآذن جديدة على نفس النمط والطراز، وقد تكلفت هذه الحملة مبلغ (375) مليون دينار عراقي.
إلا أن هذه الحملة لم تشمل المنارة (الحدباء) التي تعاني من الإهمال وتراكم مياه الأمطار، مما جعل العديد من الصدوع والشقوق تظهر في قاعدتها المكعبة.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد