بسم الله الرحمن الرحيم
مدينة الدرعية إحدى مدن المملكة العربية السعودية التي لها مكانتها التاريخية، لما أدته من أدوار، ولما تختزنه ذاكرتها من أحداث غيرت مجرى الحياة في الجزيرة العربية، ومن أشخاص تركوا بصمات واضحة في حياة أمتهم.
ويكفي أن نذكر أن الدرعية كانت منطلق الدعوة الإصلاحية التي تعاهد على نشرها الإمام محمد بن سعود، والشيخ محمد بن عبد الوهاب، والتي كان لها أثرها لا في حدود الجزيرة العربية فحسب، وإنما في كل أنحاء العالم الإسلامي.
ويرجع إنشاء مدينة الدرعية إلى أكثر من 500 عام، وبالتحديد إلى سنة 850هـ -1446م- حين استقرت فيها أسرة مانع المريدي جد آل سعود، قادمة من بلدة الدرعية الواقعة بين القطيف وإبقيق، وقد أطلق على المنطقة التي قطنوها من وادي حنيفة اسم الدرعية، ويرجح أن يكون سكنها الأول في حيي غصيبة والمليبيد، وإن كان حي طريف هو الذي يضم معظم مبانيها وقصورها.
وتمثل الدعوة الإصلاحية نقطة التحول الرئيسة في تاريخ المدينةº إذ أعلنت عن ميلاد الدولة السعودية الأولى، بعد فترة طويلة من عدم الاستقرار السياسي، الذي انعكس سلباً على الأوضاع الاقتصادية إلى جانب فترات جفاف شهدتها المنطقة.
وحمل الميثاق الذي عقد بين الإمامين محمد ابن سعود، ومحمد بن عبد الوهاب - رحمهما الله - اسم الدرعية، وكان محور الدعوة العودة إلى أسس الإسلام الأولى، ونبذ البدع الدينية، وترسيخ عقيدة التوحيد في النفوس.
ونشرت الدولة السعودية الأولى العدل، وعززت النظام العام، ووطدت أركانها بعد كفاح طويل لقيت خلاله الدعوة كثيراً من المقاومة، وأنواعاً من الحرب، حتى كان غزو إبراهيم باشا للدرعية في سنة 1233هـ/ عام 1818م، ودكه حصونها وتدميره الكامل للمدينة حسب شهادة الرحالة سادلير، حتى إن كل أشجار النخيل والعنب والمشمش والتين والليمون والرمان كانت قد اجتثت وتركت على الأرض، وبعد أن نهب جيش إبراهيم باشا كل ما يستطيع من أموال السكان، أصدر الباشا أوامره بتدمير المدينة، فأشعل رجاله النار في المباني، بادئين بقصر الإمام عبد الله والمساجد، بل أجبروا أحياناً السكان أنفسهم على المشاركة في عمليات التدمير والتخريب.
ومع ما شهدته المدينة من دمار إلا أن الإصرار بقي على أن تعاود الحياة، فكان أن عاشت المدينة محاولات الإمامين تركي بن عبد الله، ومشاري بن سعود لاستعادة حكم الآباء، وذلك في الفترة من 1234هـ/ 1819م، 1239هـ/ 1824م، حتى كان تدمير المدينة مرة أخرى على يد حسن بك طاهر الذي أمر المنادي أن ينادي في أهل الدرعية من أراد بلداً من البلدان فليحضر من أجل أن يكتب له كتاب بذلك، فلما أصبحوا كلهم لديه أمر الترك أن يقتلوهم جميعاً، فأعلمت البنادق والسيوف والخناجر فقتلوهم جميعاً، وأخذ الترك أموالهم وبعض أطفالهم وتركوا نساءهم.
وبعد تدمير الدرعية انتقلت الراية إلى الرياض، التي شهدت قيام الدولة السعودية الثانية على يد الإمام تركي بن عبد الله، ثم قيام الدولة السعودية الثالثة على يد الملك المؤسس عبد العزيز بن عبد الرحمن بن سعود - رحمه الله - التي واصل مشوار العطاء الحضاري، والقيام بمقتضيات أمانة التبليغ، وحمل رسالة التوحيد إلى العالمين، بوصفها دعوة محبة وإخاء وخير للإنسانية جمعاء.
- جغرافية المدينة
تقع مدينة الدرعية في الجنوب الشرقي لمحافظة الدرعية، ويحدها من الشرق مدينة الرياض، ومن الغرب وادي حنيفة والمناطق الجبلية، ومن الشمال طريق العمارية، ومن الجنوب حي عرقة، ويصل بينها وبين المحافظات الشمالية طريق صلبوخ الذي يفصلها عن مدينة الرياض.
وقد تلاشت المساحة التي كانت تفصلها عن مدينة الرياض، بعد الزحف العمراني الذي شهدته الرياض، حتى أصبحت الدرعية أحد أحيائها إلى أن تقرر في سنة 1412هـ أن تكون عاصمة لمحافظة الدرعية.
تتمركز المناطق السكنية في المناطق المرتفعة في غرب الوادي وشرقه، الذين يضمان أيضاً أسوار الدرعية التاريخية، وتوجد منطقة الصناعات الحرفية والمستودعات في غرب الوادي، أما الأراضي الزراعية فتتمركز في المناطق المنخفضة في بطن وادي حنيفة والشعاب الرافدة له.
واستواء المنطقة الواقعة في شمال الدرعية والممتدة حتى طريق العمارية يؤهلها لاستيعاب التنمية العمرانية المستقبلية، بينما تتسم المنطقة الواقعة في غرب وادي حنيفة بالوعورة، ووجود أودية فرعية رافدة ومغذية للوادي، مما يجعلها مهيأة لإقامة مرافق ذات طابع ترفيهي، إلى جانب أنها تمثل رئة تتنفس من خلالها المدينة هواء نقياً غير ملوث.
وتتناثر المزارع والاستراحات الزراعية على جانبي الوادي الذي يخترقه طريق زراعي يمتد من جوار سد العلب شمال الدرعية إلى منطقة عرقة وحي السفارات.
- عمارة المدينة
يقول وليام فيسي: يتميز الطراز المعماري وأساليب البناء الفنية في طريق المدينة الرئيسة بالدرعية وقلعتها الحصينة عن بقية المدن النجدية، فما من مستوطنة أخرى معاصرة لطريف في وسط شبه الجزيرة العربية، ربما باستثناء عنيزة، ضمنت مباني بمثل روعة الطريف.
وكانت قصور طريف قوية البنيان، وترتفع حول فناء مركزي، وكان منها ماهو من طابق واحد أو طابقين، ومن هذه القصور قصر ناصر، وقصر سعد بن سعود، وقصر عمر بن سعود، وقصور سلوى، وقصر ثنيان.
وكانت الجدران الخارجية للقصور سميكة، وتخلو من الملامح، وكانت مادة البناء لبنات الطين المجففة، كما استخدم الحجر لبناء الأساسيات والمداميك السفلية، ولصنع الأروقة المقنطرة في المساجد.
ولعل روعة البناء تبدو في أن بيوت الطين لا تزال تقف شاهدة على دقة المعماري، وتمكنه من صنعته، والمكون الأساسي في طوب اللبن هو الطين الصلصال التي تشكل نمطاً بيئياً خاصة بالدرعية.
- برنامج التطوير الثقافي والتراثي:
يتركز هذا البرنامج حول مسجد الشيخ محمد بن عبد الوهاب، وحي طريف مقر آل سعود، ويعتمد على الآتي:
- ترميم المناطق التراثية بما يحافظ على قيمتها التاريخية والأثرية.
- إدماج المناطق التراثية والأثرية في البيئة المحيطة، وعدم عزلها، وذلك بواسطة احتضانها مجموعة من الأنشطة الثقافية والترويحية.
- إيجاد بدائل مناسبة لتأهيل المباني التقليدية للاستخدامات العصرية.
- تكوين مجموعة من المؤسسات العلمية والبحثية التي تشكل رافداً لتنمية جوانب ثقافية وتراثية معينة، مثل معهد العمارة الطينية، والمجمع الحرفي وغيرهما.
كما أكدت الرؤية المستقبلية للمدينة أهمية أن يكون لها نشاط اقتصادي قوي.
- ملامح التصميم العمراني الحديث
وقد شرعت الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض في تنفيذ مشروع إعمار الدرعية التاريخية، بهدف بث الحياة في هذه المدينة، التي لها مكانتها التاريخية، وإسهامها الحضاري، وروعي أن يعكس التصميم العمراني هذا البعد المميز للمدينة، لتتحول بأكملها إلى مركز ثقافي وسياحي بإعادة توظيف مبانيها وآثارها بما يتناسب مع أهميتها السياسية والتاريخية، وبما يجعلها حاضرة في الحياة اليومية للمدينة.
ويركز التصميم العمراني في إعادة الخصائص العمرانية والبيئية للدرعية، مع توفير الاحتياجات والمتطلبات المعاصرة، وإعادة تشكيل الكتل العمرانية في المدينة، وربط أجزائها.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد