بسم الله الرحمن الرحيم
قال الحافظ أبو زرعة ابن الحافظ العراقي في كتابه الذّيل على العبر 2-511 وفيات سنة 783:
\"وماتت بظاهر القاهرة يوم الجمعة الحادي والعشرين من صفر والدتي أمّ أحمد عائشة بنت طُغاي العلائي تغمّدها الله برحمته، وجمعنا وإيّاها في دار كرامته، مطعونةً حاملاً أي ماتت بالطّاعون والحمل، فحصلت لها الشّهادةُ من وجهين، ولقّنها والدي يعني زوجها الحافظ العراقي - رحمه الله - سيّد الاستغفار، فقالته ثمّ ماتت عقبه. ودفنت قبل صلاة الجمعة ... وهي شابّةٌ جاوزت الثّلاثين بيسير، ومكثت في صحبة والدي أكثر من عشرين سنةً، وكانت سليمةَ الصّدر، حسنةَ العِشرَة، حسنةَ الأخلاق، كثيرةَ الإحسان، وذهبت مع والدي إلى الشّام في رحلته الأخيرة إليها سنة 765، وسمعت بدمشق على محمّد بن موسى ابن الشّيرجي جزء الأنصاري وعلى غيره، ولم تُحَدِّث، وحجّت أربعَ حجّاتٍ,، وجاورت بالحرمين غير مرّة \".
فهذا نموذج صالح للأمّهات الخيّرات، والزّوجات الفاضلات، أمّ أحمد زوجة الحافظ العراقي صاحب الألفيّة والتّقييد والإيضاح وغيرهما، ووالدة الحافظ أبي زرعة العراقي صاحب التّقريب وذيل العبر، فارقته والدتُه وقد جاوز العشرين عاماً بقليل، ولم يمتّع بوالدته كثيراً، وكأنّنا به اشتاق إلى أمّه الحنون، ونراه مبتهلاً إلى ربّه قائلاً: \" جمعنا وإيّاها في دار كرامته \"، وتأمّل حسن عشرتها لزوجها الحافظ العراقي حيث مكثت معه أزيد من عشرين عاماً، رأى منها سلامة صدر فلا تحمل غلاً للمسلمات، وحسن عشرة بالمعروف لزوجها الإمام صاحب المصنّفات، وجمال أخلاق وأعظم بها مرتبة تنال بها الدّرجات، وكثرة إحسان تقرّباً إلى ربّ البريّات، واشتغال بالحديث وسماعه على الأعلام بالأسانيد العاليات، وتكرار لحجّ بيت الله الحرام أربع حجّات، وتأمّل ذاك المشهد الرّهيب وأمّ أحمد تفارق الزّوج والذّريّات، مقبلةً على الله باريء النّسمات، ويذكّرها زوجها العالم الصّالح بالشّهادة والاستغفار من الزّلاّت، فتستجيب الزّوجة الصّالحة وتوفّق إلى النّطق بتلك الكلمات النّيّرات. فرحم الله هذا الرّعيل الطّيّب من الأمّهات، وجمعها مع زوجها وولدها أبي زرعة في أعلى الجنّات، وجعلها نموذجاً صالحاً يقتدي به الأمّهات والزّوجات والأخوات.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد