بسم الله الرحمن الرحيم
أيهما أفضل العلم أم النافلة
قال الذهبي - رحمه الله -:
قال أبو أسامة:
سمعت مِسعَراً يقول: إن هذا الحديث يصدكم عن ذكر الله، وعن الصلاة فهل أنتم منتهون؟ !
قلت:
هذه مسألة مختلف فيها، هل طلب العلم أفضل أو صلاة النافلة والتلاوة والذكر؟
فأما من كان مخلصا لله في طلب العلم وذهنه جيد: فالعلم أولى، ولكن مع حظٍّ, مِن صلاةٍ, وتعبدٍ,.
فإن رأيته مجداً في طلب العلم لاحظ له في القربات: فهذا كسلان مَهين، وليس هو بصادق في حسن نيته.
وأما من كان طلبه الحديث والفقه غيَّةً ومحبَّةً نفسانية: فالعبادة في حقه أفضل، بل ما بينهما أفعل تفضيل!
وهذا تقسيم في الجملة.
فقلَّ - والله - مَن رأيتُه مخلصاً في طلب العلم. دعنا من هذا كلهº فليس طلب الحديث اليوم على الوضع المتعارف من حيز طلب العلم بل اصطلاح، وطلب أسانيد عالية، وأخذٍ, عن شيخ لا يعي! وتسميعٍ, لطفلٍ, يلعب، ولا يفهم، أو لرضيعٍ, يبكي، أو لفقيهٍ, يتحدث مع حدَث، أو آخر ينسخ، وفاضلهم مشغول عن الحديث بكتابة الأسماء، أو بالنعاس!
والقارئ إن كان له مشاركة فليس عنده من الفضيلة أكثر من قراءة ما في الجزء سواء تصحف عليه الاسم أو اختبط المتن أو كان من الموضوعات فالعلم عن هؤلاء بمعزل، والعمل لا أكاد أراه، بل أرى أموراً سيئةً. نسأل الله العفو.
\" سير أعلام النبلاء \" 7 / 167
شجاعة ابن النابلسي:
قال الذهبي في ترجمة أبي بكر محمد بن أحمد بن سهل الرملي ويعرف بابن النابلسي:
قال أبو ذر الحافظ: سجنه \" بنو عبيد \" وصلبوه على السنَّة
سمعت الدارقطني يذكره ويبكي ويقول: كان يقول وهو يُسلخ {كان ذلك في الكتاب مسطوراً} (الإسراء 58).
قال أبو الفرج ابن الجوزي: أقام جوهر القائد لأبي تميم صاحب مصر أبا بكر النابلسي وكان ينزل الأكواخ فقال له: بلغنا أنك قلت: إذا كان مع الرجل عشرة أسهم وجب أن يرمي في الروم سهماً وفينا تسعة؟
قال: ما قلت هذا!
بل قلت: إذا كان معه عشرة أسهم وجب أن يرميكم بتسعه، وأن يرمي العاشر فيكم أيضا!!
فإنكم غيرتم الملة وقتلتم الصالحين وادعيتم نور الإلهية
فشهره، ثم ضربه، ثم أمر يهوديا فسلخه!!!
قلت (القائل الذهبي): لا يوصف ما قلب هؤلاء العبيدية الدين ظهراً لبطن واستولوا على المغرب ثم على مصر والشام وسبوا الصحابة.
\" سير أعلام النبلاء \" 16 / 148، 149
فضالة بن عبيد
قال الذهبي في ترجمة \" فضالة بن عبيد \" قاضي دمشق -:
وقعت من رجل مائة دينار، فنادى: مَن وجدها فله عشرون ديناراً
فأقبل الذي وجدها
فقال: هذا مالك فأعطني الذي جعلتَ لي
فقال: كان مالي عشرين ومائة دينار!!
فاختصما إلى فضالة
فقال لصاحب المال: أليس كان مالُك مائة وعشرين ديناراً كما تذكر
قال: بلى
وقال للآخر: أنتَ وجدتَ مائة
قال: نعم
قال: فاحبسها ولا تعطه، فليس هو بماله حتى يجيء صاحبه!
خشية
وعن فضالة قال: لأَن أعلم أنَّ الله تقبَّل مني مثقال حبة أحب إلي من الدنيا وما فيها لأنه - تعالى -يقول
{إنما يتقبل الله من المتقين}
وصية
عن ابن محيريز - سمع فضالة بن عبيد - وقلت له: أوصني
قال: خصال ينفعك الله بهن:
إن استطعت أن تَعرف ولا تُعرف فافعل
وإن استطعت أن تَسمع ولا تكلَّم فافعل
وإن استطعت أن تَجلس ولا يُجلس إليك فافعل
حكمة
عن فضالة بن عبيد قال: ثلاثٌ مِن الفواقر:
إمامٌ إن أحسنتَ لم يَشكر، وإن أسأتَ لم يَغفر
وجارٌ إن رأى حسنةً دفنها، وإن رأى سيئةً أفشاها
وزوجةٌ إن حضرتَ آذتكَ، وإن غبتَ خانتكَ في نفسها وفي مالِكَ.
\" سير أعلام النبلاء \" (3 / 116، 117)
ابن عمر وإسبال الإزار
قال الذهبي - رحمه الله -:
عن قزعة قال: رأيت على ابن عمر ثياباً خشنة - أو جشبة - فقلت له: إني قد أتيتك بثوب ليِّن مما يصنع بخراسان، وتقر عيناي أن أراه عليك.
قال: أرنيه
فلمسه
وقال: أحرير هذا؟
قلت: لا، إنه من قطن
قال: إني أخاف أن ألبسه، أخاف أكون مختالاً فخوراً!! والله لا يحب كلَّ مختالٍ, فخورٍ,.
قلت الذهبي -:
كلٌّ لباسٍ, أوجد في المرء خيلاء وفخراً: فتركه متعين، ولو كان من غير ذهبٍ, ولا حريرٍ, فإنا نرى الشاب يلبس الفرجية (ثوب واسع الأكمام) الصوف بفرو من أثمان أربع مائة درهم ونحوها، والكبر والخيلاء على مشيته ظاهر، فإن نصحتَه ولمتَه برفقٍ,: كابر، وقال: ما فيَّ خيلاء ولا فخر!!!
وهذا السيد ابن عمر يخاف ذلك على نفسه!!
وكذلك ترى الفقيه المترف إذا ليمَ في تفصيل فرجية تحت كعبيه! وقيل له: قد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - \" ما أسفل من الكعبين من الإزار ففي النار \" يقول: إنما قال هذا فيمن جر إزاره خيلاء!! وأنا لا أفعل خيلاء!!
فتراه يكابر ويبرئ نفسه الحمقاء! ويعمد إلى نصٍّ, مستقلٍّ, عامٍّ, فيخصه بحديث آخر مستقل بمعنى الخيلاء.
ويترخص بقول الصدِّيق \" إنَّه يا رسول الله يسترخي إزاري، فقال: لست يا أبا بكر ممن يفعله خيلاء \"
فقلنا: أبو بكر - رضي الله عنه - لم يكن يشد إزاره مسدولاً على كعبيه أولاً!
بل كان يشده فوق الكعب ثم فيما بعد يسترخي، وقد قال - عليه السلام - \" إزرة المؤمن إلى أنصاف ساقيه لا جناح عليه فيما بين ذلك وبين الكعبين \".
ومثل هذا في النهي لمن فصَّل سراويل مغطيًّا لكعابه ومنه طول الأكمام زائداً وتطويل العذبة
وكل هذا مِن خيلاء كامنٍ, في النفوس، وقد يعذر الواحد منهم بالجهل، والعالم لا عذر له في تركه الإنكار على الجهلة!
........... فرضي الله عن ابن عمر وأبيه
وأين مثل ابن عمر في دينه وورعه وعلمه وتألهه وخوفه؟
مِن رجلٍ, تُعرض عليه الخلافة فيأباها
والقضاء مِن مثل عثمان فيرده
ونيابة الشام لعلي فيهرب منه
فالله يجتبي إليه من يشاء ويهدي إليه من ينيب.
\" سير أعلام النبلاء \" (3 / 233 235
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد