الدولة العثمانية في محكمة التاريخ


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 من المفارقات العجيبة حقاً في عالمنا العربي الإسلامي اليوم من يوجه إصبع الاتهام إلى الدولة العثمانية وسلاطينها، لما لحق بالعالم العربي والإسلامي من رزايا وتسلط وانحطاط، ولعل من أخطر هذه الاتهامات وأشنعها على التاريخ فضلاً عن الإسلام أن هذه الدولة لم تكن في يوم من الأيام تمثل الخلافة الإسلامية بشكل أو بآخر، إضافة إلى ذلك أنها جهاز استعماري استبدادي، وأن سلاطين آل عثمان ظلمة مستبدون كانوا يلقون خصومهم بالعشرات وإن شئت بالآلاف في البوسفور، كما كانت لها قوة ضخمة تشتغل بالتجسس وتصادر الحريات العامة في جميع الأقاليم التي كانت خاضعة لصولجانه.

 والحقيقة أن هذه الافتراءات فات أوانها وأصبح بطلانها من نافلة القول، وإن كانت من النظريات الدخيلة التي يحاول الغزو الفكري والتبشير إذاعتها في الأوساط العلمية، ولكن لا بأس أن نوضح ثم نصحح تلك المفاهيم متوخين في ذلك القدر الكافي في استنطاق أحداث التاريخ.

 ومن الآراء التي تفند هذه المزاعم مقال طويل كتبه عبد الله النديم في مجلة « الأستاذ » عام 1893 هـ جاء فيه: « لو كانت الدولة العثمانية مسيحية الدين لبقيت بقاء الدهر بين تلك الدول الكبرى، ولكن مغايرة الدين وسعي أوربا الحثيث في تلاشي الدين الإسلامي أوجب هذا التحامل ».

أما محمد عبده الذي قال أثناء إقامته في بيروت عام 1889: « إن الدولة العثمانية وحدها المحافظة على سلطان الدين الكافلة لبقاء حوزته وليس للدين سلطان في سواها ».

 أما مسألة ما يقال عن الدولة بأنها كانت تمارس الاستعمار فإنها فكرة مردودة بحكم التاريخ ذلك أنّ الدولة العثمانية عملت على توحيد الشعوب الإسلامية تحت سلطة واحدة محاولة الالتقاء والتكامل بين عناصر الأمة الواحدة من عرب وترك على إثر ضعف المماليك وتعرض بلاد الشام للغزو الصليبي في القرن السادس عشر, ويؤكد العديد من المؤرخين والباحثين المنصفين أن هذه الدولة قد حمت أكثر من خمسة قرون ظهر العالم الإسلامي من الغزو الصليبي الاستعماري, فما إن سقط أسطولها البحري عام 1837 حتى دخلت فرنسا الجزائر بحملة عسكرية بعد ثلاثة سنوات (1840) ثم تونس (1881) ثم انعقاد مؤتمر برلين الاستعماري عام 1878 الذي يرمي إلى تقسيم ممتلكات الدولة التي كانت تعرف « برجل أوربا المريض » حسب زعم تلك الدول.

 ويعتبر تاريخ القرن السادس عشر والسابع عشر بداية التآكل على المستويين الداخلي والخارجي بعد مدٍ, وجزر...

وتقدمٍ, وتأخر...

وإشراق ونكوص...

انتصار وخيبة...

فتح واسترداد..

وقد حكمها خلال القرون المتعاقبة العديد من السلاطين، منهم من امتاز بعظمته كالسلطان مراد الرابع الذي حكم للفترة 1633 - 1640 م والذي استطاع أن يخلص بغداد قبل موته بسنة واحدة من سيطرة الفرس الصفويين الثانية على العراق وذلك سنة 1638 م.

فاقترن اسمه بعد ذلك بـ (فاتح بغداد).

ومن السلاطين الآخرين - من امتاز - بقله تجربته، وضعف شكيمته كالسلطان مصطفى الأول الذي حكم للفترة (1622 - 1623) فقد تدخل الجيش في شؤون الدولة.

كما يحتفظ التاريخ للشعب التركي المسلم بمزايا عديدة منها أنه شعب مناهض متحمس طموح فيه روح الجهاد وكان سليماً بحكم نشأته وقرب عهده بالفطرة والبساطة في الحياة.

 لقد لعبت الطائفة اليهودية المعروفة بـ (يهود الدونمة) دوراً خطيراً في تأليب الوضع السياسي داخل الدولة بحيث كانت صاحبة اليد الطولى في إنشاء حزب الاتحاد والترقي المتشبع بالعصبية الطورانية المعادية للعروبة و الإسلام حتى يومنا هذا.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply

التعليقات ( 1 )

القاعدة 06 مدغوسة تيارت

-

ليلى عامر

18:13:42 2015-03-26

الدّولة العثمانيّة هذه القوّة الّتي شاء أم أبى الغرب أن يعترف بقدرتها على لمّ شمل المسلمين في تلك الحقبة ..سيذكرها التّاريخ بعين الفخر و الاعتزاز ....و نذكر هنا موقف السلطان عبد الحميد الثاني الذي رفض عرض تيودور هرتزل وردَّ علىه قائلاً: "انصحوا الدكتور هرتزل بألاّ يتخذ خطوات جدية في هذا الموضوع؛ إني لا أستطيع أن أتخلَّى عن شبر واحد من الأرض، فهي ليست مِلْك يميني، بل مِلْك الأمة الإسلامية التي جاهدت في سبيلها، وروتها بدمائها، فليحتفظ اليهود بملاينيهم، وإذا مزقت دولة الخلافة يومًا فإنهم يستطيعون آنذاك أن يأخذوا فلسطين بلا ثمن. أما وأنا حيٌّ فإنّ عمل المِبْضَع في بدني لأهون علىّ من أن أرى فلسطين قد بُتِرت من الدولة الإسلامية، وهذا أمر لا يكون؛ إني لا أستطيع الموافقة على تشريح أجسادنا ونحن على قيد الحياة". كان هذا الموقف المشرّف من السلطان عبد الحميد و نحن نعرف جيّدا مواقف ملوك العرب المسلمين في ذاك العهد .... مقال رائع شكرا لك أستاذنا