سافرت إلى القدس فزرت في طريقي إليه تربة يونس - عليه السلام - وعليها بنية كبيرة، ومسجد، وزرت أيضـًا بيت لحم موضع ميلاد عيسى - عليه السلام - وبه أثر جذع النخلة، وعليه عمارة كثيرة والنصارى يعظمونه أشد التعظيم، ويضيفون من نزل به.
ثم وصلنا إلى بيت المقدس شرفه الله ثالث المسجدين الشريفين في رتبة الفضل، ومصعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومعرجه إلى السماء، والبلدة كبيرة منيفة بالصخر المنحوت، وكان الملك الصالح الفاضل صلاح الدين بن أيوب، جزاه الله عن الإسلام خيرًا، لما فتح هذه المدينة هدم بعض سورها، ثم استنقض الملك الظاهر هدمه خوفـًا من أن يقصدها الروم فيتمنعوا بها، ولم يكن بهذه المدينة نهر فيما تقدم وجلب لها الماء في هذا العهد الأمير سيف الدين تنكيز أمير دمشق.
المسجد الأقصى:
وهو من المساجد العجيبة الرائقة الفائقة الحسن، يقال: إنه ليس على وجه الأرض مسجد أكبر منه، وأن طوله من شرق إلى غرب سبعمائة واثنتان وخمسون ذراعـًا بالذارع المالكية، وعرضه من القبلة إلى الجوف أربعمائة ذراع وخمس وثلاثون ذراعـًا، وله أبواب كثيرة في جهاته الثلاث، وأما الجهة القبلية منه فلا أعلم بها إلا بابـًا واحدًا، وهو الذي يدخل منه الإمام، والمكان كله فضاء وغير مسقف إلا المسجد الأقصى، فهو مسقف في النهاية من إحكام العمل وإتقان الصنعة، مموه بالذهب والأصبغة الرائقة، وفي المسجد مواضع سواه مسقفة.
قبة الصخرة:
وهي من أعجب المباني وأتقنها وأغربها شكلاً، قد توفر حظها من المحاسن، وأخذت من كل بديعة بطرف، وهي قائمة على نشز في وسط المسجد، يصعد إليها من درج رخام، ولها أربعة أبواب والدائر بها مفروش بالرخام أيضـًا محكم الصنعة، وكذلك داخلها، وفي ظاهرها وباطنها من أنواع الزواقة ورائق الصنعة ما يُعجز الواصف، وأكثر ذلك مغشي بالذهب، فهي تتلألأ نورًا وتلمع لمعان البرق، يحار بصر متأملها في محاسنها، ويقصر لسان رائيها عن تمثيلها.
وفي وسط القبة الصخرة الكريمة التي جاء ذكرها في الآثار، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - عرج منها إلى السماء، وهي صخرة صماء ارتفاعها نحو قامة، وتحتها مغارة في مقدار بيت صغير ارتفاعها نحو قامة أيضـًا ينزل إليها على درج، وهنالك شكل محراب، وعلى الصخرة شباكّان اثنان محكما العمل يغلقان عليها، أحدهما هو الذي يلي الصخرة، من حديد بديع الصنعة، والثاني من خشب، وفي القبة درقة كبيرة من حديد معلقة هنالك، والناس يزعمون أنها درقة حمزة بن عبد المطلب - رضي الله عنه -.
بعض المشاهد المباركة في القدس الشريف:
فمنها بعدوة الوادي المعروف بوادي جهنم في شرقي البلد على تل مرتفع هنالك بنية يقال أنها مصعد عيسى - عليه السلام - إلى السماء، ومنها أيضـًا قبر رابعة البدوية منسوبة إلى البادية، وهي خلاف رابعة العدوية الشهيرة.
وفي بطن الوادي المذكور كنيسة يعظمها النصارى، ويقولون: إن قبر مريم - عليها السلام - بها وهنالك أيضـًا كنيسة أخرى معظمة يحجها النصارى، وهي التي يكذبون عليها، ويعتقدون أن قبر عيسى - عليه السلام - بها، وعلى كل من يحجها ضريبة معلومة للمسلمين، وضروب من الإهانة يتحملها على رغم أنفه، وهنالك موضع مهد عيسى - عليه السلام - يتبرك به.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد