كان أبو عبد الله المعتمِد محمد بن عبَّاد أعظم ملوك الأندلس من المسلمين وكان يملك أكثر البلاد مثل قرطبة وإشبيلية، وكان يؤدي إلى (الأذفونش) ضريبة كل سنة، فلما ملك الأذفونش طليطلة لم يقبل ضريبة المعتمد وأرسل إليه يتهدده ويقول له: تنزل عن الحصون التي بيدك ويكون لك السهل، وكان رسول الأذفونش في جمع كثير كانوا خمسمائة فارس وأحضر ابن عباد الرسول وصفعه حتى خرجت عيناه وقتل كل مَن كان معه ولم يسلم منهم إلا ثلاثة نفرº فعادوا إلى الأذفونش فأخبروه الخبر، فبدأ بالاستعداد للقتال.
وسمع مشايخ قرطبة وفقهاؤها بما جرى ورأوا قوة الفرنج وضعف المسلمين واستعانة بعض ملوكهم بالفرنج على بعض، اجتمعوا وقالوا: هذه بلاد الأندلس قد غلب عليها الفرنج ولم يبقَ منها إلا القليل، وإن استمرت الأحوال على ما نرى عادت نصرانية كما كانت.
وساروا إلى القاضي عبد الله بن محمد بن أدهم فقالوا له: ألا تنظر إلى ما فيه المسلمون من الصَّغار والذلة، وعطائهم الجزية بعد أن كانوا يأخذونها، وقد رأينا رأياً نعرضه عليك، قال: وما هو؟، قالوا: نكتب إلى عرب إفريقية ونبذل لهم، فإذا وصلوا إلينا قاسمناهم أموالنا، وخرجنا معهم مجاهدين في سبيل الله، فقال: المرابطون أصلح منهم وأقرب إلينا.
قالوا له: فكاتب أمير المسلمين وارغب إليه ليعبر إلينا.
وقدِم عليهم المعتمد بن عباد وهم في ذلك فعرض عليه القاضي ابن أدهم ما كانوا فيه، فقال له ابن عباد: أنت رسولي إليه في ذلك.
فسار إلى أمير المسلمين يوسف بن تاشفين فأبلغه الرسالة، وأعلمه ما فيه المسلمون من الخوف من الأذفونش.
وكان أمير المسلمين بمدينة سبتة، ففي الحال أمر بعبور العسكر إلى الأندلس وأرسل إلى مَرَّاكُش في طلب مَن بقي من عساكره، فأقبلت إليه تتلو بعضها بعضاً، فلما تكاملت عنده عبر البحر وسار، فاجتمع بالمعتمد بن عباد بإشبيلية، وتسامع المسلمون بذلك فخرجوا من كل البلاد طلباً للجهاد.
ووصلت الأخبار إلى الأذفونش فجمع فرسانه وسار من طليطلة، وكتب إلى أمير المسلمين كتاباً يغلظ له القول ويصف ما عنده من القوة والعدد، فكتب يوسف الجواب في ظهره: (الذي يكون ستراه!) وردّه إليه فلما وقف عليه ارتاع لذلك وعلم أنه بلي برجل له عزم وحزم ثم سار الجيشان والتقيا في مكان يقال له (الزلاَّقة) من بلد (بطليوس) وتصافّا، وانتصر المسلمون وهرب الأذفونش بعد استئصال عساكره، ولم يسلم معه سوى نفر يسير وذلك يوم الجمعة في العشر الأُول من شهر رمضان سنة تسع وسبعين وأربعمائة، وأصاب المعتمد جراحات في وجهه وظهرت ذلك اليوم شجاعته وغنم المسلمون كل ما لهم من مال وسلاح وغير ذلك، ورجع الأمير يوسف إلى بلاده، والمعتمد إلى بلاده.
الصيد الثمين عند الباطنية:
في قلعة (آلموت) بالقرب من بحر قزوين كان رئيس الباطنية حسن الصباح يرسل رجاله المجرمين الذين أغواهم بفردوسه وغفرانه - يرسلهم وفي يد كل واحد منهم مُدية حادة لاغتيال شخصية سنية مهمةº لأن أقصى أمانيه هو القضاء على أهل السنة، وقد ربى رجاله على الطاعة العمياء، فما إن يأمر بتنفيذ مهمة حتى يبادر إليها من يظن أنه يقوم بعمل صالح.
وأول صيد ثمين نفذ فيه حسن الصباح إجرامه هو الوزير القدير نظام الملك الحسن بن علي وزير الملك السلجوقي ألب أرسلان، وكان من عقلاء الرجال وأفاضلهم وهو الذي تنسب إليه المدرسة النظامية في بغداد، وكان على علم بأباطيل الباطنية وخطرهم على الإسلام وقد بدأ بإعداد العدة لمهاجمتهم والقضاء عليهم، وقد قتل أحد رؤساء حلقاتهمº ولذلك قرروا قتله وهذه رواية كتبهم -لعنهم الله-: (نصب سيدنا (حسن الصباح) فخاخه وأحابيله لتمسك في شباك الموت الفناء قبل كل شيء بصيد ثمين مثل نظام الملك وبهذا الصنيع أصبحت شهرته وسمعته عظيمة وقال: مَن منكم سيخلص هذه الدولة من شر نظام الملك الطوسي، فوضع رجل يدعى أبو طاهر الأراني يد القبول على صدره، وفي ليلة الجمعة في الثاني عشر من رمضان لسنة 485هـ وفي منطقة نهاوند جاء بزي صوفي إلى نظام الملك الذي كان محمولاً من مكان العامة إلى خيمة نسائه وضربه بسكين، ونظام الملك هو أول رجل قتله الفدائيون..
وقال سيدنا: إن مقتل هذا الشيطان هو بداية الغفران) [1].
كانت هذه بداية سلسلة طويلة من الإجرام الباطني طال زعماء أهل السنة من علماء وملوك حتى إنه ما من أمير أو قائد من قواد الدولة السنية إلا وخشي على نفسه وأخذ الاحتياطيات اللازمة.
الكامل لابن الأثير 10/151 وفيات الأعيان 5/28
ــــــــــــــــــــــ
(1) برنارد لويس:الحشيشية نقلاً عن المؤرخ رشيد الدين، 62.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد