لما استولى الفرس على اليمن، بعد ملك سيف بن ذي يزن الحميري، كان لكسرى عامل على اليمن اسمه (باذام) فلما بعث النبي - صلى الله عليه وسلم - كتب إلى كسرى يدعوه إلى الإسلام، فمزق كسرى كتاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولم تطل الأيام حتى مزق الله ملك كسرى كما مزق كتاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وقام بالملك بعده ابنه يزدجرد، فكتب إلى باذام أن خذ لي البيعة في اليمن، واعمد إلى هذا الرجل - يعني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلا تهنه، وأكرمه، فألقى الله في قلب باذام الإيمان بالنبي محمد - صلى الله عليه وسلم - فأعلن إيمانه هو وذريته، فأقره الرسول - صلى الله عليه وسلم - على ملك اليمن حتى مات، ثم استناب النبي - صلى الله عليه وسلم - ابن باذام (شهر) على صنعاء، واستعمل على مناطق أخرى طائفة من الصحابة، وخلصت بذلك اليمن للإسلام في آخر عام من حياة الرسول - صلى الله عليه وسلم -. ولكن عكر على ذلك أن فتنة نجمت تسبب فيها، رجل ضال، هو عبهلة بن كعب بن غوث الملقب بالأسود العنسي، فقد خرج في سبعمائة مقاتل وكتب إلى نواب النبي - صلى الله عليه وسلم - قائلاً: \"أيها المتمردون علينا... أمسكوا علينا ما أخذتم من أرضنا\"!... ثم انطلق يسلب الأرض قطعة بعد قطعة، وتراجع بعض عمال النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة، وتنقل بعضهم نائياً عن فتنة الأسود الذي استوثقت له اليمن بكاملها، فارتدت فئام عظيمة ممن أسلموا تحت وطأة الفتنة، وعاملته طوائف أخرى بالتقية. وتربع الأسود الدجال على عرش اليمن وقتل شهر بن باذام وتزوج امرأته المسلمة، واسمها (زاذ). وهكذا انقلب الوضع في اليمن رأساً على عقب في وقت قصير... فماذا كان موقف النبي - صلى الله عليه وسلم - من هذا الحدث؟ وماذا كانت نصيحته للمسلمين الذين اجتيحت أراضيهم من داخلها وأرخت الردة الضالة سدولها عليها؟!.
لقد جاء الأمر النبوي الكريم من المدينة المشرفة حازماً حاسماً في كتاب إلى معاذ بن جبل - رضي الله عنه - أن... (صاولوهم وقاتلوهم).
وهكذا أرسى النبي - صلى الله عليه وسلم - قاعدة، أن الأرض التي حازها أهل الإسلام، هي دار إسلام ولو استولى عليها الكفار، فواجب المسلمين أن يصاولوا العدو ويقاتلوه فيها حتى يخرجوه منها.
لقد انتدب معاذ بن جبل إلى المهمة وقام بها أتم قيام، وأبلغ أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى العمال والأمراء الفارين ليلموا شعثهم ويجمعوا صفوفهم... وبالفعل... تعاقد الأمراء على الاجتماع ضد الأسود الكذاب المتنبئ، واتفقوا على ألا يحدث أحدهم شيئاً إلا بعد أن يجري عليه الاتفاق.
واستغل المسلمون اختلافاً طرأ بين الأسود العنسي وأمير جنده: (القيس بن عبد يغوث) فاتصلوا به، فاتفق معهم على ضرورة الفتك به، وظل القيس يداري الأسود العنسي ويخادعه، وكانت له قرابة بالمرأة المسلمة التي تزوجها الأسود العنسي (زاذ) فاستطلع رأيها في الخروج على الأسود ومقاتلته، وكانت المرأة مبغضة له لقتله زوجها وفتكه بقومها، فقالت: بل نقتله.
وكان (فيروز الديلمي) ابن عم لتلك المرأة، وكان مسلماً صالحاً، وتحرك مع الأمراء لقتل الأسود، فشعر الخبيث بتحرك مريب حوله، فهم بالفتك بالقيس وفيروز، ولكنهما دارياه وخادعاه، وادعيا أنهما يؤمنان به رسولاً نبياً، فسكت عنهما، ولكنه عاد إلى العزم على قتل فيروز بعد أن وشى به إليه رجل من أصحابه.
فبلغ فيروز عزم الأسود على قتله، فاجتمع إلى أصحابه وشاورهم في الأمر، فاجتمع رأيهم على مراجعة المرأة في أمر قتله، فذهب إليها فيروز، فأطلعته على مدخل طريق إلى الدار يوصل إلى مدخل لا يقوم عليه الحرس. وقالت له: \"إذا أمسيتم فانقلبوا عليه من دون الحرس، وليس دون قتله شيء، وإني سأضع سراجاً وسلاحاً\" فلما خرج فيروز من عندها تلقاه الأسود، فقال له: ما أدخلك على أهلي؟!.. وتطاير الشرر من عينيه وهم بقتل فيروز، فصاحت به المرأة فأدهشته عنه وقالت: هو ابن عمي جاءني زائراً...! فسكن وقال: قد وهبته لك.
فخرج فيروز واجتمع إلى أصحابه، فبعثت إليهم المرأة تقول: \"لا تنثنوا عما كنتم عازمين عليه\". فجاء فيروز مرة أخرى مع أصحابه ودخل من الناحية الخالية من الحرس، ونقبوا في جدران البيت من داخل ليسهلوا الدخول من الخارج عندما يحين وقت الهجوم. فلما جاء الليل، عاد فيروز، وتسلل من النقب الخارجي، فأخذ سراجاً وتقدم نحو غرفة الأسود الكذاب، فوجده نائماً على فراش من حرير، قد غرق رأسه في جسده وهو سكران يغط، والمرأة جالسة عنده، فلما اقترب فيروز من الباب... تنبه الأسود وجلس والنوم يغالبه... وتكلم شيطانه على لسانه: \"مالي ومالك يا فيروز؟ \" فخشي فيروز إن رجع أن يهلك وتهلك المرأة، فعاجله وتناول رأسه التي كانت كرأس الثور واعتلاه بركبته ثم دق عنقه، فخار كالبقرة المذبوحة وثار كالتنين الجريح...!! فخرج فيروز إلى أصحابه ليخبرهم بقتله ويستعين بهم إلى إنهاء أمره، فدخلوا عليه ليجتزوا رأسه، فحركه الشيطان فاضطرب، فلم يضبطوا أمره، حتى جلس اثنان فوق ظهره، وأخذت المرأة بمجامع شعره فجعل يبربر بلسانه، فاحتز آخر رأسه فخار كأشد خوار ثور سمع قط، فابتدر الحرس إلى المقصورة بعد سماع الصوت لينظروا: هل راب نبيهم شيء مكروه؟! فتلقتهم المرأة مسرعة قبل أن يدخلوا وقالت لهم: اسكتوا... اطمأنوا... النبي يوحى إليه...!!.
فلما طلع الصباح علا المسلمون حصن الكذاب العنسي وأمسك أحدهم برأسه وأذن: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسوله الله، وأشهد أن عبهلة نبي كذاب...!! وألقى برأس الأسود إلى أتباعه الضالين... وعاد اليمن إلى الإسلام...
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد