عندما أريد أن أعاقبه أقول له: لا تذهب إلى المسجد


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 لعل الكلمة أدهشتك أيها المربي الفاضل..

وطارت بعقلك وخيالك...

وجعلت علامات الاستفهام تردَّد في كل نقطة من نقاط تفكيرك..

فعلًا عنوان عجيب غريب.. عندما تريد أن تعاقبه تقول له: \' لا تذهب إلى المسجد\'.. ؟؟!!

وهل هناك أحد يعاقب بهذه الطريقة.. وهل من الممكن أن تكون هذه وسيلة جيدة للعقاب؟!!

قصة من أرض الواقع:

هذه هي قصة حقيقية لأحد الأمهات.. التي قد أحب طفلها المسجد، وارتبط حب المسجد بشغاف قلبه، وملك عليه عقله ولبه.. فهو ينزل إليه كل صلاة.. ويحفظ فيه القرآن.. ويصاحب فيه الأبرار.. إنه يمكث في المسجد أكثر مما يمكث مع أهله.. أو حتى أقاربه.. بل وحتى لعبه وترفيهه، فهو مع أصدقائه في المسجد..

ومن فرط هذا الحب.. ومن شدة هذا التعلق.. قالت الأم: \'معبرة عن حب طفلها للمسجد وارتباط طفلها به\' لإمام هذا المسجد \'إذا أردت أن أعاقبه أقول: له لا تذهب إلى المسجد\'؟!

ولكن كيف وصل الطفل إلى هذه الدرجة من الحب..

أم كيف تعلق قلبه بالمسجد كل هذا التعلق؟!!

نجاح مسجد؟!!

عزيزي المربي..

نحن لن نقف حول فحو هذه الكلمة \'عندما أريد أن أعاقبه... \' اللغوي ومعناها التربوي..

ولن نقف حول صحتها أو خطئها كأسلوب تربوي.. ولكننا سنقف حول المعنى الإيجابي الذي يبرز من ثنايا هذه الكلمة، التي عبرت بها الأم عن حب طفلها للمسجد..

إن هذه الكلمة تدل بكل قوة على نجاح مسجد..

نعم لقد نجح هذا المسجد ونجح أفراده في أن يغرسوا حب المسجد في الطفل، وهذا بالتوازي مع البيت، وإن كان الدور الأول والأكبر لهذا المسجد العظيم..

ضرورة المسجد للطفل:

إننا ونحن نتكلم عن الطفل والمسجد لن نقول بحاجة الطفل للمسجد، بل إننا سنقول وبلا تردد أو تلعثم: إن المسجد ضرورة بالنسبة للطفل.

فالطفل في هذا العصر، الذي كثرت فيه الفواحش والمنكرات، وقل الصاحب والصديق الصدوق وكثرت صحبة السوء،... وباختصار أصبح الطفل الصغير يعرف ما لم يكن يعرفه فيما مضى الشيخ الكبير، وانتشر استخدام التلفاز الاستخدام السيئ، ناهيك عن الاستخدام الغير مضبوط للإنترنت، وأصبح الخطأ سهل التعلم متاح المنال، وفي ظل هذه الظروف الصعبة كان المسجد بالنسبة للطفل ضرورة من الضرورات التي لا غنى له عنها، بل إني أؤكد أن الطفل الذي لا يذهب إلى المسجد يعيش مأساة، ويعيش أهله نفس هذه المأساة، ولا يعرف الهدف من الحياة، وربما سلك طريق الأشرار وما عرف لله حقًا، وتاه في ظلمات الجهل والضلال، فالمسجد بالنسبة للطفل في كل وقت وزمان خاصة في هذا الزمان روحه التي لا يستطيع أن يتنفس الخير إلا من خلاله، قد يبذل الوالدين جهدًا عظيمًا في تربية الطفل، ولكن لن يستطيعان أبدًا أن يستغنيا عن جهد المسجدº ذلك لأنه النور الذي لن يشرق إيمان الطفل إلا من خلاله.

ولذلك مدح الله المؤمنين الصادقين، الذين قلوبهم معلقة في بيوت الله وبشَّرهم بالنور والسرور، فقال - تعالى -: [فِي بُيُوتٍ, أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرفَعَ وَيُذكَرَ فِيهَا اسمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالغُدُوِّ وَالآصَالِ [36] رِجَالٌ لَّا تُلهِيهِم تِجَارَةٌ وَلَا بَيعٌ عَن ذِكرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَومًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ القُلُوبُ وَالأَبصَارُ [37] لِيَجزِيَهُمُ اللَّهُ أَحسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُم مِّن فَضلِهِ وَاللَّهُ يَرزُقُ مَن يَشَاء بِغَيرِ حِسَابٍ, [38]]] [النــور: 36-38]

بل ومدح النبي - صلى الله عليه وسلم - الشاب الذي نشأ في طاعة الله وتعلق قلبه بالمساجد ووصفه بأنه الناجي يوم القيامة ويظله الله تحت ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله، فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: [[سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله..... والشاب نشأ في عبادة الله - عز وجل -، ورجل قلبه معلق بالمساجد... ]]. صححه الألباني في صحيح الترهيب والترغيب.

 

إن منكم لمنفرين..

إننا كثيرًا ما نهتم في أن نغرس في قلب أبنائنا احترام المسجد...

ولكننا قليلًا ما نغرس فيهم هذا الاحترام دون أن نؤثر على حب أبنائنا للمسجد، بوضوح أكثر: إن كثيرًا من الآباء ينفرون أبنائهم من المسجد، سواء كان آباء الأطفال أنفسهم، أو الآباء بصورة عامة.

كثيرًا ما نجد الكثير من الآباء يذهبون بأبنائهم إلى المسجد، ثم بعد ذلك يبدأ الأبناء في اللعب والضحك ورفع الصوت في المسجد أو أثناء الصلاة، ثم بعد انتهاء الصلاة تجد هذا الأب يشد طفله من يده، أو يضربه على وجهه، أو على أي جزء من جسده لرد ماء وجهه، وليظهر للآخرين أنه حريص على تربية أبنائه على احترام المسجد..

وهذه الطريقة في حقيقة الأمر طريقة خاطئة، لا تعلم الطفل حب المسجد، بل تنفره منه خاصة إذا كان الأب الذي سلك هذا السلوك العنيف معه هو أب آخر ليس أبوه.

فكثيرًا ما يواجه الأبناء في المساجد بالزجر والنهي والضرب في بعض الأحيان، وكثيرًا ما يستخدم المحفظون في المساجد أسلوب العقاب بالعصا، كأسلوب أساسي في تربية الأولاد على حفظ القرآن، والحقيقة أنه ربما يحفظ الأبناء القرآن بهذه الطريقة، ولكن ما دخل حب القرآن قلوبهم، وما تعلقت بالمساجد أرواحهم، بل ربما تجد من الأطفال من يحفظ القرآن أو أجزاء كثيرة من القرآن، ولكنهم مع ذلك لا يحبون المسجد.

والحل أيها المربي الفاضل في أن نعرف كيف نعلم أبنائنا احترام المسجد وحبه في وقت واحد، ودون أن يؤثر أي جانب من الجانبين على الآخر.

فنحن لا نريد أطفالًا يحترمون المسجد من غير حب..

وكذا لا نريد أطفالًا يحبون المسجد من غير احترام..

الطريقة العملية لتعليم الأطفال حب المسجد واحترامه:

 

دور الوالدين:

سيكون عليك - أيها المربي الفاضل - دورًا كبيرًا كي تحبب المسجد إلى طفلك..

1. لا بد أن تكون قدوة.

فالطفل ورقة شفافة أنت - يا عزيزي المربي - تنقش خطها بيدك... فلا بد أن تكون أنت مقتنعًا بأهمية المسجد للطفل، ولك بالمقام الأول.. فإن لم تكن أنت قدوة لطفلك بالذهاب إلى المسجد فكيف له أن يقتدي؟

2. لا بد أن تجتهد.

فلا تنشغل عنه وعن الذهاب به إلى المسجد وتوصية من بالمسجد عليه، بل اجعل له أولوية، فالوقت الذي تبذله لطفل في هذا الأمر لن يضيع أبدًا سدى، بل ستظل تحمد عقباه إلى يوم تلقى الله.

3. استخدم أسلوب التحفيز.

وذلك من خلال:

· استخدام جدول الصلوات:

الصلوات

الأيام

 الفجر

 الظهر

 العصر

 المغرب

 العشاء

السبت

الأحد

 الاثنين

 الثلاثاء

الأربعاء

الخميس

الجمعة

مجموع النقاط

 2

 4

 3

 5

 6

 حيث تقوم أيها المربي الفاضل بتشجيع أبناءك على الصلاة في المسجد عن طريق هذا الجدول، والطفل المثالي هو الذي يحرز أكبر عدد من النقاطº فبهذه الطريقة يتحمس طفلك للصلاة في المسجد، خاصة إذا حددت جائزة عينية للطفل الفائز يحصل عليها الطفل أمام أقرانه.

· عن طريق تحديد جائزة كبيرة لطفلك بعد الانتهاء من حفظ كل جزء.

فتقول له على سبيل المثال: عندما تحفظ جزء عمّ لك عندي جائزة 100جنيه.

دور المسجد:

يعتبر دور المسجد كبير جدًا في التأثير على حب الطفل للمسجد. فقد يكون الأب لا يبذل أي جهد. ورغم ذلك بتعلق الطفل بالمسجد. بل ربما كان هذا التعلق سببًا في أن يغير أسرة بأكملها، ويغرس فيها حبها للمسجد من خلال القدوة المتمثلة في ابنهم.

1. الارتباط بالمربي الناجح.

إن ارتباط طفلك بالمربي الناجح الذي يحببه في المسجد له أعظم تأثير على الطفل، حيث يرى الطفل في هذا المربي القدوة السامقة التي يسعى حثيثًا إلى محاكاتها وتقليدها حذو القذة بالقذة، ولا بد أن يجمع هذا المربي بين روح الالتزام بدين الله - تعالى -والقدوة والتقوى والصدق والأخلاق الحميدة والشيم الرفيعة، كذا لا بد أن يكون ودودًا حليمًا يتميز بروح المداعبة من غير إفراط وحسن المعاملة من غير تدليل.

2. الجمع بين التعليم والترفيه.

فلا بد أن يستخدم هذا المربي الناجح أسلوب الترفيه، بل قد يكون هذا الأسلوب هو أول شيء يجذب الطفل إلى المسجد، ومن أمثلة ذلك:

· المسابقات.

· الرحلات.

· الحفلات.

· ألعاب الرياضة.

فلا يقتصر دور المربي على مجرد التحفيظ والعليم، بل لابد أن يشاركهم أفراحهم، ويكون سهلًا لينًا بينهم يلاعبهم ويلاطفهم، كما كان النبي - صلى الله عليه وسلم -.

 

3. أن يجعل المسجد للطفل دور فعال.

فعندما يشارك الطفل في أدوار المسجد من الأذان والإقامة والقيام بمكتبة أو تنظيف المسجد، هذه الفاعلية تعلم الطفل أن هذا المسجد هو مكانه الأول قبل أن يكون مكان لأي أحد، فهو يعيش فيه كأنه يعيش في بيته بل وأكثر من بيته، ويقضي فيه أسعد أيامه ويترعرع فيه على معاني التقوى والإيمان.

في هذه اللحظة وقد انتهينا من مقالنا، نود أن نوجه لهذه الأم الفاضلة التي أحب طفلها المسجد.. نقول لها بكلم احترام وتقدير: من الآن لا تعاقبي طفلك بحرمانه من المسجد، بل شجعيه على الذهاب إليه، واجعلي أسلوبكِ أكثر إيجابية فقولي: عندما أريد أن أكافئه أذهب به إلى المسجد.

فهي حقًا نعم المكافأة لكِ وله في الدنيا والآخرة.

وختامًا عزيزي المربي نلقاك على خير إن شاء الله...

وإلى لقاء قريب ومستقبل راقٍ, لأبنائنا..

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته..

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply