الحمد لله، والصلاة على رسول الله، وبعد:
أي بنيتي في لحظات الفراق والبعد المؤقت يتذكر الإنسان لحظات البعد الذي لا عودة فيه, ويتذكر الرحلة الأخيرة والسفر الأخير، وهنا تراوده أسئلة كثيرة: ماذا لو فارقت الدنيا الآن؟
ماذا تركت لأولادي من بعدي؟
سألت نفسي هذا السؤال، وجاشت عيناي بالدموع، وتذكرت صغيرتاي (هـداية ) التي لم تبلغ الثالثة من عمرها، و( تسـنـيم ) التي لم تبلغ عامها الأولº فعزمت على كتابة وصية لهما يتخذانها دليلاً ومنهجاً فكتبت لهما قائلاً:
في أي لحظة من لحظات قد أودع الدنيا، وأترك هذا العالم إلى عالم أشد أمناً لأنه مع الله وحده, ومتى كان الإنسان مع الله وحده كان في مأمن من كل شيء، فهو الملجأ وإليه المصير.
أي بنيتي: فكرت لو تركتك على حين غفلة وأختك التي لم تتجاوز عامها الأول ماذا سيكون منهجكما، وكيف ستسيران في هذه الحياة، فأحببت أن أكتب لكما هذه الكلمات لتكون لكما ولكل فتيات المسلمين منهجاً ودليلاً.
أي بنيتي: كلمة واحدة في القرآن لو عرفها الإنسان لعرف كل شيء, ولو فهمها الإنسان لفهم كل شيء, ولو تمسك بها الإنسان ما فاته شيء, وإن أضاعها ضاع منه كل شيءº ألا وهي \"الله\".
ومن غفلة ابن آدم أنه يدور حول كل شيء، وحول كل معنى، وينسى أن يدور حول هذه الكلمة، كمن يطوف حول نفسه فيعجب بها، وينسى أنها خلق الله في الأرض، فيطوف جسده ولا تسمو روحه.
أي بنيتي: القرآن مائدة الله، ومن ذا الذي يجوع إذا جلس إلى مائدة الله!!
والقرآن حبل الله، ومن ذا الذي ينقطع إذا تمسك بحبل الله!!
ومائدة الله غذاء, وحبله طريق مستقيم, والمسلم في سفره لا يحتاج إلا إلى غذاء في طريقه الصحيح ليصل إلى هدفه ومبتغاه، فاجلسي إلى مائدة الله, وتمسكي بحبله المتين يكن لك خير جليس، وخير معين.
أي بنيتي: أول معرفة الله الطاعة والامتثال، ومن لا يمتثل لا يعرف، ومن لا يعرف لا يغرف، ومن لا يغرف لا يتصف، فكوني مع الله بالطاعة والامتثال, تـتحققي بمعرفته، وتغرفي من هدايته, فتنار لك البصيرة, وتخلص لك السرية، وتكوني ربانية كما أراد الله - سبحانه -، وأول إصلاح العلاقة مع الأرحام اللهفة والحنان, فكوني ملهوفة القلب عليهم، شديدة القرب منهم، غريبة عما يزعجهم، وضاءة فيما يسعدهم، فإنك إن فعلت كانوا لزلاتك دثاراً، ولهفواتك جباراً، وأول السرور مع الزوج الحب والجمال، فبالحب يكمل البنيان، وبالجمال يتم العمران، ولتكن علاقتك معه كلها جميلة، فاصبري عليه صبراً جميلاً، وتقربي منه تقرباً جميلاً، واعذريه عذراً جميلاً، وأول إصلاح العلاقة مع الأصدقاء عدم طلب ثمن محبتك لهم, فليس كل إنسان يملك رصيداً ليدفع ثمن محبة الناس له, فإنك إن فعلت كشفت أرصدة الناس، والناس لا يحبون أن تكشف أرصدتهم، وأول النجاح في الحياة هدف واضح, وسير أكيد إليه بلا كلل ولا ملل، وأول النجاح في الآخرة أن يكون ذلك الهدف هو رضا الله - سبحانه -.
أي بنيتي الحياة مجموعة تجارب، والتجربة لا تكون إلا بامتحان، فإذا كثرت عليك الامتحانات في الدنيا فاعلمي أنها سلم للارتقاء إلى العلياء, فلا تجزعي منها، واستقبليها برحابة صدر، وابتسامة أمل، واحتساب عند الله - سبحانه -، واعلمي بنيتي أن قلب الفتاة أشد شبها بالكبريت الأحمر, سريع الاشتعال، وصعب المنال, فلا تزهدي به وتعطيه لمن لا يستحقه, فيذهب به ويترك خلفه دخاناً أسوداً، يسود عليك حياتك ومعيشتك، واعلمي أن خير نساء العالمين مريم وخديجة وفاطمة وعائشة فاجعلي من سيرتهم قرطاً في أذنكº كلما هب النسيم اهتز فأسمعك من سيرتهم ما تقومي به سلوكك، وتتقربي به من ربك، وتنفعي به أمتك، واعلمي أني خارج من الدنيا عاجلاً أم آجلاً، وأنكما عملي بعد مماتي, وسبباً في زيادة حسناتي، وسبباً في تثقيل موازيني إن هي خفت, وحجاباً من النار إن هي لفحت, فاجعلا لي من دعائكما نصيباً, ولا تفرطا به، وتذكروا أني ربيتكما على الكتاب والسنة فإنه أوثق ما عملت، وأرجى ما فعلت.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد