ملل الصيف

بسم الله الرحمن الرحيم

يعاني كثير من الناس من مرض الملل، هذا المرض الذي أصبح من لوازم الحضارة المعاصرة، وهذا الملل ليس في الحقيقة إلا بسبب أن الناس قد غرقوا في الملذات إلى الحد الذي صار كل انقطاع عنا يعد مللاً، وتعلقوا بأسباب اللهو تعلقاً أفضى بهم إلى أن صبغوا حياتهم به، ولم يعودوا يستطيعون الفكاك منه.

ولئن هان على الناس شيئاً قليلاً هذا الأمر طيلة شهور ما اصطلح على تسميته بالسنة الدراسية فقد صعب عليهم جداً تحمل الانقطاع عن أسباب اللهو والملذات في الصيف، فصاروا يتحينون كل الفرص للاستمتاع فيقتنصونها، وأصبح الواحد منهم لا يطيق أمراً جاداً، ولا يكاد يلتفت إليه بدعوى أنه في إجازة، وإن لم يستطع أن يمضي سحابة نهاره في النوم وليله في الملذات والترفيه فإنه سيتوهم أنه قد سقط في بحر الملل، وصار يتوجع من ذلك ويشتكي.

ولعله من الحكمة أن يقبل العقلاء على كل ما يصلح بالهم ويسعدهم لكن بالقدر الذي لا يضيعون معه الواجبات، ولا يغفلون معه عن المهمات، فالأصل أن الإنسان لا يقبل على شيء من اللهو والترفيه المباح إلا بعد عمل وعناء، إذ ينبغي أن يكون الإقبال على العطاء عند العقلاء والاستفادة والإفادة أكثر من الإقبال على اللهو وتضييع الأوقات بدعوى مكافحة الملل.

وينبغي للمرء أن يغير شيئاً ما من نظام حياته ليقاوم الشعور بالملل، فمن هذا أن يستيقظ لأداء صلاة الفجر فيذكر الله - تعالى -، ويوقظ أهله ليصلوا، ثم ليطعم معهم طعام الإفطار الذي أعرض عنه أكثر الناس في الصيف، ثم ليقبل على رياضات روحية وبدنية. وليعتد المرء القراءة النافعة لبعض المجلات والجرائد والكتب فهي من أهم أسباب إزالة الملل، وليقبل المرء على الزيارات للأقارب، وهذا مما افتقده أكثر من يعيش الحياة المعاصرة.

ثم ليحرص المرء على أن ينوع برنامج حياته اليومي فتارة يقبل على شيء من اللهو والترفيه، وأخرى يقبل على قضاء بعض الحقوق، وثالثة يعالج شؤون دينه، وهكذا فليحرص على أن يأخذ من كل شيء مشروع بسبب، وليشارك في كل نافعة بطرق، وليضع كل هذا في دائرة هذه الآية الكريمة: ((وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله وهو خيراً وأعظم أجراً)).