بسم الله الرحمن الرحيم
أقبلت ابنتي تبشرني بانضمامها إلى جماعة «الستار أكاديمي»، وقد ابتهجت كثيرًا لهذا الخبر، وأخذت أتبادل معها الخيال حول السطوع الذي يمكن أن تصل إليه، فبوادر النبوغ لديها، ولله الحمد، متوفرة وترشيحاتي تقول إنها مؤهلة لأن تصبح نجمة ساطعة أو كما يحلو لصاحب تسمية تلك المجموعة (ستارًا ساطعًا في آل سكاي)، وبعد أن استيقظنا من مخملية هذا الخيال قلت لها: وكيف تم اختيارك للانضمام إلى هذه المجموعة المباركة؟
قالت: لقد وزعت رائدة النشاط بالمدرسة بطاقات على الطالبات يحددن من خلالها رغباتهن في الأنشطة التي يمكن أن يبدعن فيها خلال حصة النشاط، وقد دونت ثلاث رغبات، وتمت الموافقة، ولله الحمد، على رغبتي الأولى وهي مجموعة التوعية الإسلامية، فقلت: بارك الله فيك على اختيارك، وسدد الله خطى رائدة النشاط.
فقد وضعتك بحق في المكان المناسب، فأنت ـ ربما ـ مثل كثير من قريناتك من الطالبات، إذ أتممت حفظ بعض من أجزاء القرآن الكريم، ودرست في كتاب تفسير القرآن العظيم للعديد من السور، وبدأت حفظ وفهم الأربعين النووية، وعندك حب اطلاع على سير الصحابة والتابعين وكبار الفقهاء، رغم أنك ما زلت في المرحلة الابتدائية، وهذه وغيرها لعلها مؤهلات لأن تكوني بحق نجمة ساطعة في سماء الدعوة بإذن الله، والتحاقك بهذه الأكاديمية التي تخرج النجوم أمر يتمناه كل عاقل لنفسه ولأبنائه ولأحبائه، فالأمة الإسلامية بحاجة مستمرة إلى هذه النجوم الساطعة، ليهتدي بها الناس حينما يضلون طريقهم في صحراء الحياة المعاصرة، فيعودوا إلى طريق الصواب والنجاة.
ولكن أي بنية!
لماذا هذه التسمية؟
لماذا يرتدي هذا المجال زيًا أظنه غربيًا؟
أليس الأجدر أن تكون التسمية بالعربية؟
مثل (مصنع النجوم) على الأقل.
قالت: لقد قالت لنا رائدة النشاط: إن اسم هذا المجال هو جماعة التوعية الإسلامية. وبعد أن بدأنا في التجمع في مصلى المدرسة، أقبلت مديرة المدرسة، وتحدثت طويلاً مع المشرفة على النشاط، وبدا لي أنهما اختلفتا على تسمية المجال حتى استقرتا على هذه التسمية، إذ قامت المشرفة فكتبتها على ورقة كبيرة ووضعتها في مكان بارز، فعرفت أن التسمية تغيرت إلى هذا الاسم الجديد وهو (الستار أكاديمي).
لم أقتنع بهذه التسمية.
ولم أتدخل في هذا الشأن، لأن الأمر لا يتعدى اسمًا لجماعة نشاط في مدرسة ابتدائية للبنات في منطقة غير متأثرة كثيرًا بحياة المدنية.
إلى أن شاهدت حلقة خاصة عن (الفضائيات في العالم الإسلامي ما لها وما عليها)، وقد تعرض المتحاورون فيه إلى تلك التسمية، فعرفت أن هناك برنامجًا أو ربما قناة فضائية خاصة (للستار أكاديمي) تهدف إلى صناعة نجوم وهمية، آيلة للسقوط، مضللة للماشين على الطريق الصحيح، مهيجة للشياطين.
حينها قلت: يجب التدخل لمعرفة سبب استبدال مسمى (الستار أكاديمي) بـ(التوعية الإسلامية) فأقنعت زوجتي بضرورة زيارة المدرسة لتناقش مديرة المدرسة والمعلمة في ذلك الأمر.
أما المعلمة (المشرفة على المجال) فقالت: لقد طلبت مني مديرة المدرسة توعية الطالبات بالمساوئ المترتبة على مشاهدة مثل هذه القنوات وهذه البرامج، وقد حاولت إقناعها بأن ذلك سوف يبصر الطالبات اللواتي لا يعرفنها بالبحث والسعي إلى مشاهدتها، ولم أنجح في إقناعها، فرأيت أن أكتب الاسم على ورقة وأراقب الطالبات اللاتي يتحدثن عن الاسم فأجلس معهن على انفراد وأناقشهن في ذلك.
فقلت: هذه بصلاحها وحسن تصرفها وافقت الصواب فأرجو لها من الله السداد والثواب الجزيل.
أما مديرة المدرسة فقد أطلعت زوجتي على استبيان وكتابات توضح انصراف كثيرات من الطالبات عن الاستذكار لمشاهدة هذه البرامج، واستغراقهن في معرفة أدق التفاصيل عنها، بل إن بعضهن يشاهدنها بترغيب من أفراد العائلة، وبعضهن يذهبن لبيوت أقاربهن فقط لمشاهدتها.
فقلت: وهذه بصلاحها وحفاظها على بنات المسلمين وغيرتها على الدين أيضًا وافقت الصواب، فأرجو لها من الله السداد والثواب الجزيل، فهي تريد أن تقلب المعادلة، في وجه الضحالة والعفن، وتقول لطالبات المدرسة إن (النجوم) أو (الستار) هو من يتكئ على قاعدة لا تلين أو تميد، تنير العالم إنارة طبيعية وحقيقية لا إنارة اصطناعية هشة.
ولكن عتبي يبقى على أولياء الأمور الذين صرفوا أنفسهم وأبناءهم وبناتهم عن حاجات أنفسهم وأمتهم إلى مثل هذه البرامج.
وأعظهم ونفسي بقول الحق تبارك و- تعالى -: {يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون} (الآية 6 من سورة التحريم).
وأملي يبقى في المشرفين والمشرفات على التوعية الإسلامية في التعليم، وفي المشرفين والمشرفات على الجمعيات الخيرية، وفي المشرفين والمشرفات على اللجان الاجتماعية، وفي الوزارات والإدارات المعنية، بأن نستثمر الوقت والمال والجهد في إنشاء المشايخ أكاديمي، الفقهاء أكاديمي، النوابغ أكاديمي، علماء الطبيعة أكاديمي.
خصوصًا أن لذلك أصلاً في الشريعة الغراء وهو الاعتكاف الذي ينقطع فيه العبد عن الدنيا ويتفرغ للعبادة وقراءة القرآن الكريم فردًا كان أم مع مجموعة، عله يخرج من هذه الأكاديمية المغلقة المفتوحة معًا عابدًا زاهدًا.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد