بسم الله الرحمن الرحيم
تعيش عدد من الدول العربية هذه الأيام موضوع خطير يطغى على الاهتمام الشعبي والإعلامي، ويسرق الضوء من القضايا المصيرية (ربما لم يعد البعض يعتبرها مصيرية!)، فالزائر إلى الأردن وسوريا ولبنان، وعدد كبير من الدول العربية، والمتابع لوسائل الإعلام وخطابات المؤسسات الرسمية يجد أن الكل منشغل إلى درجة كبيرة ببرنامج سوبر ستار العرب!، هذا البرنامج الذي كرست له عدة دول كل خطابها الإعلامي دعماً لمرشحيها فيه، وأصبحت القضية الوطنية الكبرى التي يتم عليها مبدأ المفاصلة الاجتماعية والسياسية: الولاء والبراء، وخاصة مع المرشحين الثلاثة الذين وصلوا إلى المرحلة الأخيرة من المنافسة من لبنان وسوريا والأردن.
في لبنان عندما خرج أحد المتسابقين اللبنانيين في المراحل الأخيرة قامت الدنيا ولم تقعد، وهاجمت الجماهير الغاضبة مبنى التلفزيون اللبناني [ المستقبل]، وأخذوا بالهتاف: بالروح بالدم نفديك يا ملحم، كما قرأنا في اليوم التالي عدة مقالات في صحف لبنانية عريقة كالنهار تتحدث عن مؤامرة إخراج البطل اللبناني ملحم من المسابقة، بما يذكرنا بمؤامرة سقوط بغداد، وخروج العرب من التاريخ!. الأمر الذي دعا أحد أبرز كتاب الحياة ومعلقيها حازم صاغية إلى كتابة مقال بعنوان\" بالروح بالدم نفدي من؟! (صحيفة الحياة 13/8/2003)، يقول فيه متهكماً: \" مع هذا: يمكن أن نستمع بعد حين، إلى حسن نصر الله يلقي خـطبة نارية أخرى، يمكن أن نسمعه يهدد ويتوعد ويتصبب عرقاً، ويمكن أن نسمع أصواتاً تهتف له \"بالروح بالدم نفديك يا...\". لكن آخر \"بالروح بالدم...\" سمعناها كانت لملحم زين بطل برنامج \"سوبر ستار\" التلفزيوني، الذي صار لديه \"مؤيدون\" يهاجمون مبنى التلفزيون! \".
أما في الأردن فالمسألة وصلت إلى درجة الأمن الوطني والمصالح الوطنية، وحتى لا يظن القارئ أنني أبالغ فليقرأ معي افتتاحية صحيفة الرأي الأردنية الرسمية الحكومية (الأولى من حيث التوزيع) (17/ 8/2003) والتي كانت بعنوان \" ديانا كرزون نجمة الإجماع\" وكرزون هي المرشحة الأردنية التي وصلت إلى المرحلة الأخيرة من المنافسة، تقول الافتتاحية: \" قد يكون غريباً ولافتاً للانتباه أن تخصص الرأي افتتاحيتها للحديث عن ظاهرة فنية فرضت نفسها على الأجندة الوطنية المثقلة بالعناوين والملفات والبرامج..\"، وتقول الافتتاحية \" أن نصوت اليوم لصالح ديانا كزون هو واجب وطني..\" \" وهذا ما نحسب أنه إجماع وطني..\"، ولم يقف الأمر عند الصحف التي نجدها مليئة بالإعلانات والمؤيدين إلاّ بعض المارقين الذين يخرقون الإجماع الوطني كالكاتب المتمرد موفق محادين والذي كتب مقالاً في العرب اليوم (17/8/2003) بعنوان \"صوتوا لكرزون\" إذ يقول: \" فإذا ما نجحنا في هذه الواقعة العرمرمية بإذن الله!، فإنّ مطار الملكة علياء الدولي لن يشهد عرساً ديمقراطياً من أعراسنا الأردنية كما سيشهد يوم العودة الميمونة لصاحبة الصوت الذهبي\"، فقد تعدى الأمر إلى المسؤولين والتلفاز الذي قطع برامجه ليخصص الجزء الأكبر منها لدعم كرازون، بينما فهم عدد من الوزراء والمعنيين الاهتمام الكبير من رأس الهرم بالمسابقة فبدأوا يتسارعون إلى تأييد الرمز الوطني الجديد، وقد تبرعت لها شركة أوبل بسيارة جديدة، وانهالت عليها التبرعات السخية من كبار المسؤولين، وعدد من الشركات.
في حين نصبت الشاشات العملاقة في أنحاء العاصمة الأردنية لبث حلقة السوبر ستار على الهواء لمئات الشباب والفتيات الذين تجمعوا في هذه الساحات للوقوف صفاً واحداً (راقصاً) خلف المطربة الأردنية، في نفس الوقت الذي أعلن فيه أن المكالمات الهاتفية لدعم كرازون مجانية لأن القضية ترتبط بمصالح وطنية عليا!.
ديانا كرازون ليست فقط محط اهتمام المسؤولين والذين أرادوا استثمارها في الأردن سياسياً – كما يرى محادين - بل محط اهتمام وحديث الشارع (كما هو الحال مع المرشحين في سوريا ولبنان)، الأمر الذي يسلط الضوء على طبيعة وحالة هذه الجماهير وغياب دور النخب المثقفة، أو موضوع سيكولوجيا الجماهير المبنية كما يرى \" جوستاف لوبون \" على سرعة التأثر والسذاجة وتصديق أي شيء، هذه الملاحظة التي ألمح لها بذكاء إبراهيم غرايبة في صحيفة الرأي (17/8/2003) متحدثاً عن مناورات بعض نواب الحركة الإسلامية لجذب الأضواء مقارناً ذلك ببرنامج سوبر ستار والظواهر الإعلامية الأخرى، إذ يقول: \" ولكنها عبقرية الفشل والإفشال التي تمارس بوعي مسبق، وخبرة عظيمة في اجتذاب الأضواء، وإجهاض أي عمل حقيقي منتج، وستبقى منتشرة بنجاح، مثلها مثل ظاهرة الفيديو كليب، وبرنامج سوبر ستار، وأغنيات شاكيرا، وأعمال السحر والشعوذة، ومداواة السرطان، وإخراج الجن بالضرب بالأحذية \". وهذا يدفع إلى مناقشة الحالة الثقافية للشعوب العربية، ودور المثقفين، بعيداً عن المعركة حامية الوطيس التي اشتعلت بين عمان ودمشق على الفوز بلقب السوبر ستار العظيم!!
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد