سوبر ستار و درب الانتحار

بسم الله الرحمن الرحيم

إن المتتبع لتفاهات ما يعرض على الشاشات العربية يدرك عمق الإدراك مقدار الانحدار الفكري العميق الذي أحدثته حركات التغريب في أفكار وتوجهات الأفراد في العالم الشرقي، فما أن نستيقظ من محاولة هدم ونقاومها حتى نفاجأ بهجمة أكثر شراسة من سابقتها أعد لها أكبر العتاد.

وبنظرة خاطفة لمعظم الشاشات العربية ندرك حجم المأساة التي نحن بصدد الحديث عنها، فجل البرامج المعروضة عليها ما هي إلا محاولات مستميتة لمخاطبة الغرائز بلغة الجسد، هذه اللغة التي أصبحت اليوم من أبرز اللغات التي يتم التخاطب بها فلا عزاء ولا رثاء لأمة استبدلت بلغة القرآن لغة الحيوان.

برنامج سوبر ستار الذي بثته بعد أن اشترت حقوقه من موطنه الأم قناة المستقبل اللبنانية ما هو سوى تجسيد واقعي لفكرة انتحار القيم والمثل، وفكرة مجسدة تماماً لفكرة الانتحار الفكري والذوقي، فآخر ما يمكن الحكم عليه لهذه النعاج التي تسابقت في الاشتراك فيه هو الصوت والقدرة على الإطراب، هو برنامج أبعد ما يكون عن برامج تبني المواهب على حد القول، فما من موهبة ظهرت فيه سوى موهبة مباضع جراحي التجميل وجراحي التعري وانعدام الخلق.

سوبر ستار أثبت وبجدارة لا نضير لها أنه مهما بلغت من القبح في جانب فإن أمور كثيرة أهمها انحطاطك الأخلاقي قد ترفعك، كقول إخواننا في بلاد الشام: (لبس المكنسة تصبح ست النسا)، فهم ولا فخر كان جهدهم الجهيد منصباً على المقومات الجسدية التي لم يركزوا عليها هنا فقط على الـ ((فنانات)) بل تعدوها إلى أجساد الــ ((الفنانين)) وكأنه كان ينقصنا دعاة جدد لمبدأ العري، ولو تتبعنا مجموعة من الصور التي توضح المراحل الانتقالية السريعة جداً لصورة كل مشترك من مشتركي هذا البرنامج لوجدنا الإجابة الشافية تقول ها أنا ذا.

إذن سوبر ستار لم يكن برنامج انتخاب لنجم في الغناء بل فرصة لانتخاب نجم في العري وكشف المستور وصورة مشرفة جداً لمظاهر الانحلال.

سوبر ستار قدم لنا رؤية جديدة ومنفردة جداً لمفهوم التفوق والنجاح، رؤية تقول لعقولنا التافهة: لا يهم إن كنت تملك خامة صوتية جديرة بأن تسمع، المهم أن نكونك نحن ونشكلك ونصنع منك (شاكيرا) أخرى، فتاة كنتِ أم فتىً.

وقد وفق هذا البرنامج السخيف بفضل تفاهات البشر القائمين عليه، واستغلالهم البشع لعقول المشاهدين، والعزف على أوتار قلوبهم ووطنيتهم المزعومة، والتي لا تظهر إلا في مثل هذه البرامج، فتجد المتسابق منهم صبَّ جل اهتمامه على استثارة عواطفك واستنفار نخوتك ووطنيتك فهو ابن بلدك الذي يجب ألا تخذله لأن فوزه يعتبر فوزك أنت بالمقام الأول وفوز الوطن، ومرحى للوطن بازدياد هذه الشرذمة من (الفنانين)، وبعد هذا كله هل ترفض أن تصوت له؟ لا، لأنك وقتها ستكون غير وطني، ومصلحتك لا تصب في جيوب ابن الوطن، عفواً أقصد مصلحة الوطن.

سياسة أخرى قد نكون التفتنا إليها أو لم نلتفت، ولكنها وبجدارة علمتنا كيف تكون ملامح الطريق نحو انتحارٍ, بطيء ومدروس جداً لذوق المشاهد العربي، لذلك حق لي ولكم أن نقول أن سوبر ستار رمزُ للانتحار.