\"شيخ الإسلام حبيب إلينا ولكن الحق أحب إلينا منه، وما أنا من شيخ الإسلام إلا كالهدهد من سليمان إذ قال: أحطت بما لم تحط به، والهدهد هو الهدهد وسليمان هو سليمان\".
بهذا الاعتذار اللطيف والتشبيه الظريف كان جواب عالم من علماء السلف عند اشتهاره بمخالفة رأي من آراء شيخه ومربيه، وهو اعتذارٌ يحفظ المودة والاحترام والولاء والاعتراف بالفضل، ولكنه لا يجعل ذلك على حساب المحاولة الدائبة لمعرفة الحق وبيانه والمساهمة في ترسيخ أركانه.
يذكر الهدهد هذا وتنتقل به الذكرى إلى عهد الشباب وهو وأترابه يتلقون العلم والتوجيه والتشجيع من علماء أفاضل ورواد على طريق ترشيد الصحوة الإسلامية كان لهم أبلغ الأثر في صياغة النفوس وزرع محبة الإطلاع والعلم والتعلم والاختصاص في القلوب جزاهم الله عنا خير الجزاء.
وفي رحلته لتلقّي العلم ورؤية الغرب من الداخل ومجالات نضوجه وضموره ومجالات عالميته وخصوصيات نشأته وثقافته. أحاط الهدهد بما خفي على سليمان في هذا المجال. وفي نفس تلك الرحلة أحاط بكثير من الآفاق التي يجب أن يتم بحث مسائل الأمة على مستواها، دون وقوفٍ, عند الآفاق التقليدية التي وقف عليها الكثيرون.
ومن هؤلاء الكثيرين أولئك الذين تتلمذوا على عطاء الرواد في الخمسينات والستينات، ثم رضوا لأنفسهم أن يكونوا مريدين لذلك العطاء، يظنون أن دنيا العلم والمعرفة قد توقفت عند محاولاتهم وما صدر عنهم... ويتمنى الهدهد لو يتساءل هؤلاء: إذا كان ذلك العطاء هو الصواب الوحيد وآخر مطاف العلم فأين الوفاء لدعوة الرواد لطلب العلم والاختصاص وتوسيع الآفاق دون حدود، وما معنى طلب العلم أصلا إن كنا نتصور أن الجهود مهما بلغت ستنتهي بالدارس إلى حيث بدأ الرواد... أي إلى نفس نتائجهم وأفكارهم...
إن التوقف المعيب الذي أ صاب حركة الفكر بالعقم في شرقنا الإسلامي يجب أن ينتهي، ويجب أن ينتهي كذلك موقف المريدين الذين تنتهي رحلة العلم عندهم بترديد الأقوال وادعاء فضل النسبة إلى حركة الفكر والثقافة. وكذلك فإن من الضرورة بمكان أن يخرج المريدون من دوائر التعميمات المجردة والمبادئ العامة إلى التفاصيل الدقيقة التي تكمن خلف تلك التعميمات والمبادئ، فعسى أن تساعدهم قراءة التفاصيل على رؤية متوازنة أكثر لتلك التعميمات والمبادئ نفسها.
والهدهد وهو يعلن كلمة وفاءٍ, وولاءٍ, لمن دفعوه إلى طريق العلم والتعلم جزاهم الله خيرا، إلا أنه يعلن أيضا أن أمانة العلم الذي شجعوه على طرق أبوابه تأبى أن يكتم عن الأمة ما وصل إليه مهما كان فيه مخالفة لعطاء رواد الصحوة في هذا العصر.
إنه لا خلاص من العقم الذي ضرب حركة الفكر اليوم إلا بفتح الباب واسعا للحوار والنقاش والمداولة بعيدا عن تهويل العناوين وسياط الإرهاب الفكري الذي يتناول من يخرج عن المألوف. وإنه لا سبيل لاستمرار مسيرة الخير والعطاء، ولتكامل الأجيال، إلا بامتلاك أقدارٍ, كبيرة من التجرد الذي يؤمن بقدرة هذه الأمة المباركة على التوليد والتجديد... لاسيما وأن رحلة التطور والبناء ماضيةٌ في طريقها بقدر الله الغالب، وبإرادته التي اقتضت أن لا يبقى في الأرض إلا ما ينفع الناس...
سيظل الهدهد وفيا لسليمان وسينقل له بأمانة وإخلاص وصدق ما أحاط به مما خفي على سليمان لِبُعدِ الشقّة واختلاف البيئة وكثرة التخصصات واختلاف اللغات.وسيبقى شعار التجديد والمحاولة الدائبة لتأصيل ذلك التجديد والتفريع عليه عدة العمل وأملنا جميعا لترشيد العودة إلى أداء دورنا في الأرض والله المستعان.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد