الآثار الإيجابية المترتبة على الترويح *
* الآثار السلبية المترتبة على الترويح
* عوامل التباين في ممارسة الترويح
يدور معنى كلمة الترويح في أصلها اللغوي على السعة والانبساط، وإزالة التعب، ورجوع النشاط إلى الإنسان، وإدخال السرور على النفس بعد العناء، ويقال: رجل أريحي، أي واسع الخلق نشيط.. وأراح الرجل، أي: رجعت له نفسه بعد الإعياء(1). وفي الحديث أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (يا بلال أقم الصلاة أرحنا بها)(2).
وتتعدد تعريفات المختصين للترويح وتتبابن باختلاف نظرة من يقوم بتعريفه.. ومن هذه التعاريف أن الترويح هو:
- إعادة إنعاش الروح وإحياء القوة بعد تعب.
- إدخال السرور على النفس.
- نشاط ذو فائدة ما، يمارس اختياريًا أثناء وقت الفراغ، بدافع ذاتي من الرضا الشخصي الذي ينتج عنه.
- النشاط الذي يختاره الفرد ليمارسه في وقت فراغه.
- مزاولة أي نشاط في وقت الفراغ، بهدف إدخال السرور على النفس، دون انتظار أي مكافأة(3).
ويمكننا تحديد مفهوم أدق لمصطلح الترويح من المنظور الشرعي بأنه: (نشاط هادف وممتع للإنسان، يمارسه اختياريًا وبرغبة ذاتية، وبوسائل وأشكال عديدة مباحة شرعًا، ويتم في أوقات الفراغ).
من آثار الترويح:
يكتسب الترويح أهميته من الآثار المترتبة عليه، فمن الآثار التي ينتجــها الترويــح تكــون الدوافــع لدراسته والاهتمام به، ومما يلاحظ في معظم الدراسات أنها تربط دائمًا بين الانحراف والترويح، وكأن الترويح لا يولّد إلا انحرافًا، أو كأنما الانحراف نتيجة لازمة من نتائج الترويح، وخاصية أساس من خصائصه، وليس ذلك بصحيح، فبقدر ما يحمل الترويح من آثار سلبية، فهو في الوقت نفسه ينتج لنا آثارًا إيجابية، بل إن إيجابياته أكبر وأسهل تحصيلاً لمن يوفقه الله إلى ذلك، وبخاصة إذا تعاملنا معه وفق النظرة الشرعية بضوابطها وأهدافها التي سترد لاحقًا.
أولاً: الآثار الإيجابية المترتبة على الترويح:
هناك العديد من الآثار الإيجابية المصاحبة للعملية الترويحية بشتى صورها وأشكالها، إلا أننا نجد أن لكل شكل من الأشكال، ولكل منشط من المناشط الترويحية المختلفة التي يمارسها الإنسان فوائد محددة، ومن ذلك:
1) إشباع الحاجات الجسمية للفرد: ويتم ذلك بممارسة الرياضة البدنية وليس بمشاهدتها فقط، كما يحدث بين نسبة كبيرة من أفراد المجتمع، حيث تؤدى ممارسة الرياضة البدنية بشتى أنواعها غالبًا إلى إزالة التوترات العضلية وتنشيط الدورة الدموية، وتحسين أداء الأجهزة الرئيسة بالجسم، كالجهاز التنفسي والهضمي، إضافة إلى اكتساب قوام معتدل.
2) إشباع الحاجات الاجتماعية للفرد: فمن المعلوم أن معظم الأنشطة الترويحية تتم بشكل جماعي، وهذا يساعد الفرد حين ممارستها على اكتساب الروح الجماعية والتعاون والانسجام والقدرة على التكيف مع الآخرين، وهذا يؤدي إلى تكون علاقات اجتماعية ناجحة مع الآخرين وإلى نمو اجتماعي متوازن.
3) إشباع الحاجات العلمية والعقلية للفرد: وهذا يتأتى من خلال الأنشطة الترويحية الابتكارية التي يمارسها الفرد في حياته اليومية، فهذه الأنشطة تؤدي في الغالب إلى تنمية القدرات العقــلية والتفاعل الإيجابي مع المواقف المختلفة، كما تساعد هذه الأنشطة الترويحية الابتكارية على تطوير القدرة الإدراكية والاستيعابية للمواقف المختلفة.
4) قد تكون الأنشطة الترويحية عاملاً مساعدًا في رسم مهنة المستقبل للفرد، من خلال تنمية مهاراته وقدراته التي غالبًا ما تبدأ بهواية يمارسها الفرد في حياته اليومية، ثم ينميها ويطورها، حتى تنتهي بمهنة يحترفها في المستقبل.
5) تساعد الأنشطة الترويحية على اكتشاف العديد من السجايا والأخلاق والطباع التي يحملها الأفراد، إذ غالبًا ما يكون الفرد على سجيته ودون تصنع أو تكلف في أثناء ممارسته للترويح.
6) الأنشطة الترويحية قد تكون منشطة للحركة الاقتصادية في المجتمع، من خلال جعل الأنشطة والبرامج الترويحية موارد استثمارية، وبخاصة إذا تم التعامل معها وفقًا للنظرة الشرعية للترويح، وإلا أصبحت ذات آثار سلبية.
7) تساعد الأنشطة الترويحية على إحداث مزيد من الترابط الأسري بين أفراد الأسرة الواحدة حين ممارستها بشكل جماعي، وبشرط أن تكون تلك الأنشطة ذات صبغة إيجابية تفاعلية، أما إذا كانت البرامج الترويحية سلبية أو استقبالية محضة، مثل: مشاهدة التلفزيون فقط، فهذه الممارسات الترويحية قد تؤدي إلى عكس النتائج الإيجابية المتوقعة، فكلما ارتفعت نسبة المشاركة بين أفراد الأسرة في الأنشطة الترويحية أدى ذلك إلى مزيد من التماسك الأسري(4).
8) تؤدي الأنشطة الترويحية -إذا أحسن الإنسان استثمارها وممارستـها بشكــل إيجــابي- إلى زيــادة الإنتاجيـة لديــه، إذ تعد هذه الأوقات فرصة لالتقاط الأنفاس، والترويح فيها، مما ينعكس بأثره الإيجابي على فعاليات الفرد ونشاطه وحيويته حال عودته للعمل.
ثانيًا: الآثار السلبية المترتبة على الترويح:
1) يرى كثير من الباحثين أن الترويح عامل رئيس في انحراف الأحداث، ويؤدي دورًا لا يستهان به في حياتهم، ويستندون في ذلك إلى العديد من الدراسات والأبحاث التي تربط بين الانحراف من جانب ومتغيرات الترويح، وهذه المتغيرات يقصد بها مكان الترويح، وزمانه، والمشاركين فيه(5).
2) يؤدي الترويح إذا تم استغلاله بشكل سلبي إلى وجود حالة من الملل في حياة الفرد، إذ لا يُتصور حياة لا يمارس فيها عمل، لا للدنيا ولا للآخرة، وهذا الملل ينقل الفرد إلى حالة من القلق.
3) ممــارسـة الأفــراد أو المجتمـعات للتــرويح بشكل كبـيـر قد يدفع بالمجتمع إلى وضع استهلاكي ضار، إذ تنصرف نسبة كبيرة من موارده إلى جوانب كمالية زائدة عن حاجته، إذ ممارسه الترويح في الغالب تنصبغ بالصفة الاستهلاكية غير المنضبطة ماديًا.
4) بعض الأنشطة الترويحية تؤدي إلى تغيرات اجتماعية ذات صبغة سالبة، فمنها على سبيل المثال ما أحدثه التلفاز في أنماط الاجتماعات العائلية والأسرية، فلم تعد تجمعات الناس مع وجود التلفاز ذات طبيعة جماعية كما كانت ســابقًا، فهو يوحدهم شكليًا ولكنه من الناحية السيكولوجية يفرق ويقــطـع الصـلات بينـــهم، وهذا التجــمع المــادي الجســدي لا يكفي لتحقيق التقارب الاجتماعي.
وتلـك الآثار المتــرتــبة على التــرويــح، سـواء الإيجابي منها أو السلبي، تتضافر عدة جهات في صنعها في حياة الأفراد، فلكل من الأسرة، والمدرسة، والمجتمع بشكل عام دور في هذه الآثار، فنجد أن من مهام الأسرة التربوية لأفرادها تعليم أبنائها كيفية الاستفادة من الترويح، والعمل على استثماره الاستثمار الصحيح، واستغلاله في ممارسة الأنشطة الإيجابية الابتكارية، بالإضافة إلى تهيئة الوسائل الترويحية المناسبة لهم من الناحية العمرية والشرعية والتربوية، ومشاركة الأبوين للأبناء في الترويح. وبذلك نستطيع أن نضمن وجود الآثار الإيجابية له وتجاوز آثاره السلبية، وبخاصة أن العديد من الدراسات تؤكد أنه كلما زادت ممارسات أفراد الأسرة الواحدة مع بعضهم البعض للأنشطة الترويحية كان ذلك محدثًا لمزيد من الترابط الأسري بين أفرادها(6).
أما المدرسة فدورها لا يمكن إغفاله في تربية الطلاب على حسن التعامل الأمثل مع الترويح وتحقيق الآثار الإيجابية من خلال ممارسة الأنشطة الترويحية الإيجابية والابتكارية، وتهيئة الظروف المكانية والزمانية المناسبة لتحقيق ذلك للطلاب.
أما المجتمع بشكل عام، فدوره في صنع تلك الآثار الإيجابية للترويح يتحقق من خلال إيجاد المناخ الترويحي السليم، بتهيئة وسائل الترويح الإيجابية المتمشية مع نظم المجتمع وقواعده، وإيجاد الأماكن الترويحية المأمونة التي تعمل على جذب أفراد المجتمع لها، وكل ذلك يتأتى بمراعاة الضوابط الشرعية عند تهيئة تلك الوسائل الترويحية والأماكن الخاصة بها، أو حين استجلاب أي نوع مستحدث من الممارسات الترويحية.
العوامل المؤدية إلى التباين في ممارسة الترويح:
تختلف الأنشطة الترويحية التي يمارسها الأفراد بتأثير من متغيرات عدة، كما أن دوافع ممارسة الترويح وأسبابه تختلف من فرد إلى آخر، وأبرز تلك العوامل المسببة لذلك التباين ما يلي:
أ- الجنس: تختلف الأنشطة الترويحية باختلاف الجنس، فالذكر له أنشطة ترويحية تناسبه، كما أن للأنثى، أنشطة أخرى تناسبها، فالذكور يميلون إلى الأنشطة ذات الطابع البدني التنافسي، في حين تقبل الإناث على النشاطات الترويحية الهادئة التي تمارس غالبًا في المنزل أو مع الصديقات. ومنشأ هذا التباين في الأنشطة الترويحية طبيعة كل منهما، ويظهر هذا الاختلاف بشكل جلي وواضح في المجتمعات المسلمة التي تراعي ذلك الأمر.
ب- العمر: يؤثر العمر في تحديد نوع النشاط الترويحي، فالأطفال لهم أنشطتهم الخاصة، وفي الغالب أنها ذات طابع حركي مستمر ومتواصل، في حين تكثر الأنشطة الثقافية والقراءة والرحلات بين البالغين، بينما تمتاز أنشطة فئة الشباب بالتنوع، إلا أن الجانب الرياضي والرحلات البرية تطغى عليها.
جـ- المستوى التعليمي: يتدخل المستوى التعليمي بشكل كبير في تحديد النشاط الترويحي الذي يمارسه الأفراد خلال أوقات فراغهم، فالقرءاة مثلاً سنجدها تكثر بين ذوي المستويات التعليمية المرتفعة.
د- المستوى الاقتصادي للأفراد: يؤثر هذا العامل من خلال القدرة على تهيئة وتوفير الوسائل والأدوات التي من خلالها يمارس الفرد الأنشطة الترويحية، فالرحلات الخارجية والسفر والسياحة قد لا تتحقق لأصحاب الدخول المنخفضة.
هـ- مقدار وقت الفراغ: وهذا العامل يؤثر بشكل كبير وأساس في تحديد نوعية النشاط الترويحي، إذ هناك من الناس من ينصرف عن ممارسة نشاط معين لأنه يحتاج إلى وقت فراغ كبير قد لا يتوفر له.
و- مكان الترويح ونوعية المشاركين: إذ غالبًا ما يتأثر الفرد بمن حوله ويندمج معهم في ممارسة النشاط الترويحي لمجرد أنه يشاهد غيره يمارسه.
ز- المستوى الاقتصادي والمادي للمجتمع: لكل مرحلة من مراحل نمو المجتمع الاقتصادية ما يناسبها من الأنشطة الترويحية، فإن كان المجتمع يمر بمرحلة تدهور اقتصادي فهذا الوضع الاقتصادي المتردي سيجعله يمارس أنشطة ترويحية تختلف عن الأنشطة الترويحية التي سيمارسها حين ظهور تحسن اقتصادي ورخاء مادي، فمقدار الدخل السنوي للأفراد، ومستوى المعيشة للمجتمع بشكل عام، له أثره في بروز أنشطة ترويحية والتركيز عليها دون غيرها.
حـ- خصوصية المجتمع العقدية والثقافية: إن طبيعة المجتمع وخصائصه العقدية والثقافية التي تميزه عن المجتمعات الأخرى، لها دور كبير ومهم في تحديد نوعية الأنشطة الترويحية التي يمارسها أفراده، ولا يمكن إغفال دورها في ظهـور أنشطـة ترويحية تتـناسب وطبيـعة ذلك المجتــمع، كما تؤدي هذه الخصوصية للمجتمع إلى اختفاء أنشطة ترويحية أخرى، وسيرد الحديث مفصلاً عن هذا الجانب المهم في مبحث مستقل بإذن الله - تعالى -.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد