طرد الاستعمار في تربية الأطفال الصغار


 

بسم الله الرحمن الرحيم

يحكى أن شيخاً عجوزاً بات ليلة واحدة مع الأولاد فأصبح ميتاً. وإذا كان لابد من تفصيل في الخبر، فإن الواجب القول أن الشيخ نصح وقد ألح عليه أحفاده أن يناموا معه في غرفته، لكنه لم يقدر العواقب جيداً، ولم يأخذ بنصائح الناصحين وهم أخبر وأعرف بخطر مخالطة الصبيان، ولأن صحة الشيخ ليست على ما يرام فإنه لم يتحمل، وبدأ برنامج السهرة بين الأطفال وجدهم وما كادت الساعة تعلن منتصف الليل حتى صعد السكر، وعلا الضغط، وظهرت علامات الانهيار، والصداع النصفي، وبرزت عيون المخلوق، وتورمت ركبتاه، وبح صوته، ورشح أنفه، ويبست شفتاه، وارتجفت يداه، وانتفخ أنفه، وتشنجت عضلات وجهه، واحمرت أذنه اليمنى واخضرت اليسرى، وفار الدم، وعلا الصراخ، ولما أدركته سحابات الإغماء قال آمنت بالذي آمن به غيري.

كان الأولاد يقفزون على جدهم يجرونه، يتخطونه، بقرصونه، يداعبون شواربه التي تناثرت وتساقطت بعد ساعة واحدة من السهر، كان يعرفهم يهرب إليه من الآخر، ويرتمي بقوة في حضنه، فتسقط داخل بطنه وصدره الأشياء، يسقط جزء من الكبد، ونصف البنكرياس، والحويصل الصفراوي، و.. و أشياء أخرى أعلن التشريح فيما بعد وقوعها.

في الأول كان الشيخ يبتسم لتلك الحركات، بعد ربع ساعة انكمشت بسمته، بعدها بربع ساعة أخرى علا صوته ينهرهم، بعد ربع ساعة أدرك أنه وقع ضحية آلة رهيبة لا ترحم، وداسته عجلة الأحداث، التعامل مع الأولاد ليس أمراً هيناً، اليوم هناك مئات النظريات حول كيفية تربية الأولاد.

غير أن تلك النظريات كلها فشلت في الواقع، لأنها تنبني على أفكار فرويد وغيره من علماء النفس الذين لا يعرفون النفس البشرية، كونهم يجهلون مفاتيحها الموجودة في القرآن والسنة.

من آخر ما توصلت إليه نظريات تربية الأولاد أن الكبار لا يجب عليهم وضع الطريقة التي يربون عليه الصغار، بل عليهم أن يدعوا الأولاد يعطونهم تلك الطريقة، إن طريقة تربية الطفل موجودة عند الطفل، كذلك لابد من مساءلة الأطفال ومخالطتهم لاستخراج ما يحبون وما يكرهون، ومن ثم الوصول إلى الطريقة التي يجتذبونها هم في التربية، ولابد أن نشير هنا إلى أن الطفل يتعلم وهو يلعب لذلك يأخذ الطفل عن أصحابه وأصدقائه الصغار في اللعب من العادات والألفاظ والأفكار ما لا يأخذه عن أبيه وأمه في البيت، التلقي متعب للطفل، إنه يحشو جمجمته بالمعلومات، لكنه لا يؤثر في نفسيته إن الطفل لا يفهم البديهيات، لذلك وجب مخاطبة نفسه لا عقله، والتأثير في النفس لا يكون بالتلقين، إن الطفل لا يجب أن يكتشف أنك تريد أن توجهه إلى شيء أو منهاه عن أمرٍ,، يجب أن تصل إلى الهدف دون أن يشعر الطفل أنك كنت تريد تحقيق ذلك الهدف.

وبدل أن تقول للطفل وأنت تعلمه الحساب: واحد، اثنان ثلاثة أعد معي، واحد اثنان ثلاثة بدل هذه الجفاف التلقيني خذ كريات ملونة في يدك، والعب مع الطفل، اطلب منه أن يأخذ من يدك كرية واحدة، اطلب منه بعدها أن يأخذ كريتين اثنتين، ثم اطلب منه أخذ ثلاث كريات، دعه يتعلم الحساب وهو يلعب.

هناك مسألة أخرى يجب أن تنتبه إليها في تعاملك مع الطفل. إنه يكسر لعبته دائماً، وفي كيس لعبه هناك ركام وأجزاء متناثرة للعب كثيرة، الأمر يزعج الوالدين، وربما يدفعها إلى تأنيب الصغير أو حتى ضربه وقد يلجأ إلى سؤال اختصاصي عن هذه المشكلة، وقد تكتب بعض الأمهات إلى إحدى المجلات، وطفلي يكسر لعبه.

وقد يجيبها محرر الركن أو الصفحة، إن هذا العقل عدواني، وأن تحطيم لعبة يعني تدمير مدينة مستقبلاً الأمر ليس مشكلة، بل هو طبيعي، بل أكبر من ذلك هو دليل على نبوغ الولد وذكائه، والولد الذي لا يكسر لعبته ولد فاشل.

هل يبدو هذا عجيب؟!! ليكن، لكنه الحقيقة، إن اللعبة تمر مع الطفل بأربعة مراحل. المرحلة الأولى هي مرحلة التأمل والاستكشاف وفيها ترى الطفل يقلب لعبته بين يديه يتأمل جوانبها وأجزاءها، وأزرارها مندهشاً، ثم تأتي المرحلة الثانية التي هي مرحلة اللعب، والذي قد يدوم يوماً، وقد يدوم شهراً، وحينما يستنفذ الطفل غرض اللعب بلعبته، وتصبح عنده مستهلكة، يلجأ إلى المرحلة الثالثة وهي التفكيك، فيفكك أجزاءها، والطفل لا يعرف عادة ما هو كامل للفك، وما هو قابل مما يعد فكه تلفاً وكسراً، لذلك يحدث أن يكسر لعبته ظناً منه أنه يفككها، إن الذكاء هو الذي يدفع الطفل إلى تفكيك اللعبة، إنه يبحث عن سرها، سر حركتها؟ ما الذي تحمله داخلها؟ وهكذا.. أسئلة كثيرة تدعوه إلى الإجابة عنها عبر عملية تفكيك الأجزاء أو فتح اللعبة للإطلاع على ما بداخلها. بعد هذه المرحلة تأتي المرحلة الرابعة، وهي مرحلة التركيب، إذ يحاول الطفل إعادة تركيب اللعبة، وهو عادة ما يفشل، لذلك يلجأ إلى البكاء، واتهام الآخرين بأنهم هم الذين كسروا لعبته وأتلفوها، وقد يلجأ إلى الابتزاز فيطالب بلعبة أخرى بدلاً عنها.

إن تربية الأطفال ليست مهمة صعبة، وتبدأ صعوبتها من وجوب فهم نفسية الطفل وماذا يريد.

ومن لم يفهم الطفل كان مصيره مصير الشيخ العجوز، والله يضع قوته في أضعف خلقه فيقتل ذبابة النمرود ويقتل الأطفال جدهم.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply