بسم الله الرحمن الرحيم
يعرف ما هدفه من الحياة، ويعرف ما له وما عليه، فيبدأ في أول الخطوات لتحقيق هذا الهدف المنشود، ويبدأ بالقيام بالواجبات المكلف بها، ويتجنب المحذورات التي حُذر من التقرب منها ولو بمقدار أنمله، وتكون أول هذه الأيام من أحلى الأيام التي مرت على كل شاب وشابة استقاموا على طريق الإيمان والهداية، أيام فيها النشاط والحيوية في طاعة الله، من صلاة وصيام، وصدقة وبر للوالدين، وصلة للأرحام، وإحسان للناس كافةº إلا أن هذه الشعلة من النشاط والحماس - في بعض الأحيان - ما يلبث نورها أن يخفت، وقد تنطفئ هذه الشعلة لسبب من الأسباب، فيا ترى ما هي هذه الأسباب؟!، ولماذا ترك بعض المستقيمين الاستقامة؟!، وهل يوجد اهتمام بمن انتكس من الشباب وترك الاستقامة؟! وما سبب تحول بعضهم من مستقيم يحب الملتزمين والاستقامة والمستقيمين إلى إنسان يكره المستقيمين ويحاربهم بكل وسيلة، وفي كل محفل؟
كل هذه الأسئلة في الحقيقة عولجت من قبل الكثير من العلماء والدعاة والتربويين، وكل منهم بذل ما بوسعه لحل هذه المشكلة، وسأحاول أن أساهم في هذا المقال مع من سبقني من العلماء والدعاة في طرح بعض المسائل التي أرجو من الله أن تكون سبباً في تثبيتنا على الالتزام [على الاستقامة]، وعودة إخواننا إلى طريق الإيمان والهداية، وهي أسباب عايشتها ورأيتها رأي العين، وإن أسباب ترك الالتزام تتمثل - من وجهة نظري - في الآتي:
السبب الأول: عدم التدرج في تعلم أحكام الدين الإسلامي، فما أن يلتزم الشاب على دين الله إلا وتجده اتجه إلى طلب العلم، وهذا الأمر ممدوح وليس بمذموم، وطلب العلم من خير الأمور في الدنيا والآخرة، ولكن المسألة ليست كما يظنها البعض بهذه السهولة، بل طلب العلم يحتاج إلى صبر وجهد ومثابرة، وأن يبدأ بصغار الكتب قبل كبارهاº إلا أن الخطأ يكمن في هذا المستقيم الجديد فهو لا ينتقي الدروس التي تناسبه، فتجده في أول الطريق يحاول دراسة العلل للدارقطني أو التدمرية أو غير ذلك من الكتب الكبيرة، وكذلك نرى بعض المشايخ عندما يدرس طلبة العلم لا يلاحظ أن هناك طالباً جديداً قد انضم إلى درسه، فالشيخ يحضر لمجرد إلقاء الدرس ومن ثم الإجابة على الأسئلة، وبعدها الانصراف، كما أن طلبة العلم الآخرين لا ينبهون الشيخ على أن هناك طالباً جديداً يحتاج لرعاية واهتمام، ليبدأ بتوجيه الطالب إلى أساسيات طلب العلم، وماذا يبدأ به؟ ولا أقصد في هذا الكلام كل المشايخ وإنما البعض منهم مقصر في هذه الناحية، وهذا كلام موجه للبعض، ولذا أتمنى من بعض المشايخ أن يهتموا بطلبتهم، ويجلسوا معهم ويناقشوهم في أمورهم، ويوجهوهم لما فيه الخيرº فيعم الخير على الجميع، ويكون الشيخ قدوة لهؤلاء الطلبة، فيمشون على خطى شيخهم في الخلق والتعامل مع الآخرين.
أما السبب الثاني: فيتمثل في الرفقة الصالحة، وبعض الشباب الملتزم لا يجد في منطقة سكنه ملتزمين يكونون رفقة صالحة له تعينه على طاعة الله وعلى طلب العلم، أو قد يجد ولكن لهم اهتمامات قد تخالف اهتماماته، مما يضطره للبحث عن رفقة صالحة في مناطق أخرى قد تكون بعيده بالنسبة لسكنه، وفي البداية يكون لديه الحماس للذهاب إليهم، والجلوس معهم، وبعد مرور فترة من التزامه يبدأ الفتور والخمول يدب في عروقه، فتجده يقلل الذهاب إليهم، والجلوس معهم، وقد يضطر إذا أحس بالملل للجلوس مع بعض رفاقه القدماء - ما قبل الالتزام -، وقد يكون منهم رفقاء سوء، وهنا تبدأ الإشكالية، وقد لا يحس بهذا التغير في البداية، ولكن كما قيل: \"الصاحب ساحب\"º فيبدأ الإيمان بالتدرج في النزول، وتبدأ شخصية الملتزم في الذوبان، ومن ثم يبدأ بالتقليل من نصيحة من يجلس معهم إذا وقعوا في غيبة أو مخالفة شرعية أياً كانت، ويبدأ الملتزم يتغير تدريجياً، ولا يجد من رفاقه الصالحين من يلاحظ عليه هذا التغير، ويبدأ في الاهتمام به، ومحاولة تذكيره بالالتزام، وخطورة العودة إلى طريق الظلام.
والسبب الثالث: هي الزوجة، فيا له من محظوظ من يتزوج من زوجة تعينه على طاعة الله، وتذكره بدخول وقت الصلاة، وتنبهه على الزلل إذا وقع منه، وتأخذ بيديه وتضعه على طريق الهدى والنور، وقد تكون الزوجة صالحة ومطيعة لربها، وتسعى لإرضاء زوجها بكل الطرق والوسائلº إلا أنها تخاف أن تنصح زوجها خشية أن يغضب عليها، وترى نور إيمانه بدأ يخفت ولكنها لا تتحرك لإشعال هذه الشمعة مرة أخرى حتى لا تنطفئ، وتقول: يا ليتني فعلت شيئاً قبل أن يحدث هذا، وتتغير حياتنا، ولهذا لابد على الزوجة من الاهتمام بزوجها، وأن تتعلم كيف ومتى وأين تنصح؟ وإلا فقد يضيع عليها زوجها، وتندم على ما فات، فلتبدئي من الآن أيتها الزوجة الصالحة المطيعة لربها.
السبب الرابع: التقصير في نوافل العبادات وخاصة عبادة الدعاء، فإهمال الشاب لعبادة الدعاء، والحرص على أوقات الإجابة، والدعاء له تأثير كبير في ثبات العبد على دين الله، والاستمرار في طريق الاستقامة، وخاصة إذا تحين العبد أوقات الإجابة، فهاهو رسولنا الكريم - عليه الصلاة والسلام - الذي غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، والمؤيد بوحي من الله، والذي لا ينطق عن الهوىº كان يدعو الله بأن يثبت قلبه على دينه وطاعته، فما أحوجنا للدعاء الذي كان يدعو به نبينا - صلى الله عليه وسلم - حيث كان يقول: (اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك، اللهم يا مصرف القلوب صرف قلبي على طاعتك)، وهيا بنا نلتزم بهذا الدعاء، ولا نتركه في كل صلاة نصليها، وفي كل لحظة فتور نحس بها، وفي كل دمعة تنزل من أعيننا.
أما عن السبب الخامس والذي يتمثل في انتكاسة بعض الملتزمين من الالتزام إلى محاربة الملتزمين، بل وصل البعض منهم إلى انتقاد الدين، ومهاجمة العلماء والدعاةº فمن وجهة نظري أن سبب هذا التحول أمران، هما:
الأول: التشدد في الدين، وهو ما يعبر عنه عند البعض بأقصى اليمين، فبعد مرور فترة من الزمن والعقل والجسم منهكان بسبب هذا التشدد في الدين، فيبدأ في التوجه إلى ترك الدين بالتدرج، فيتحول من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، كما إن التشدد مبناه على الجهل فلو طبق هذا المستقيم ما ورد في الكتاب والسنة على وفق الكتاب والسنة لوجد سهولة ويسراً.
أما الأمر الثاني: فهو صدمة يتعرض لها الملتزم من الشخص الذي اتخذه قدوة له، والذي يصل ببعض الأشخاص إلى تقديس هذه القدوة، فما أن يصدر من هذه القدوة أي خطأ سواء كان مقصوداً أو غير مقصود فإنه سرعان ما يكون هذا الخطأ صادماً للشخص الملتزم الذي اتخذ من هذا الشخص قدوة له تضيء له الطريق، وبعد هذه الصدمة يعتقد هذا الشخص أنه اكتشف أن الالتزام أمر غير صحيح، وأنه كان في الطريق المظلم، وهذه الصدمة أنارت له الطريق من جديد، فيبدأ بمحاربة الملتزمين ظاناً أنه يكشف حقيقة كانت مختفية على المجتمع حتى ينقذ المجتمع من خطورة هؤلاء، وبهذا يتضح لنا أن الإشكالية في هذا السبب تتمثل في تقديس القدوة، وعدم التماس الأعذار لهذه القدوة، وللأسف أن هؤلاء لا يعرفون أن الملتزمين بشر مثلهم، فمنهم الصادق ومنهم الكاذب، ومنهم من ظهرت أثار التزامه على ظاهره وباطنه، ومنهم من ظهرت على ظاهره فقط، ومنهم من اتخذ من الالتزام وسيلة للكسب، وعدم معرفتهم بهذا التفاوت جعلهم يعتقدون بأن الملتزمين معصومين، وما أن يقعوا في الخطأ عن قصد أو بغير قصد إلا وتجده ينصدم صدمة تغير حاله من شخص ملتزم إلى شخص غير ملتزمº يحارب الدين والعلماء.
هذه الأسباب التي ظهرت لي من خلال معايشتي لواقع الكثير من الشباب الذين تركوا الالتزام، سائلاً المولى - عز وجل - أن يهدينا إلى الطريق المستقيم، ويثبتنا عليه في حياتنا ومماتنا، والله ولي التوفيق.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد