بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، أما بعد:
فإن الموضوع الذي أرغب في الحديث عنه، موضوعٌ مهم، وتتجلى أهميته في أن المسلم الصالح يا إخواني وأخواتي، تكون له وقفات دائمة مع نفسه ليحاسبها ويصحح مسيرته ويتدارك خطأه، لاسيما عند انقضاء مرحلة من مراحل عمره.
والناظرُ في حالِ الناسِ اليوم، يرى هوان النفوسِ عند أهلِها، ويرى الخسارةَ في حياتِها لعدمِ مُحاسبتِها، والذين فقدوا أو تركوا محاسبةَ نفوسِهم سيتحسرون في وقتٍ, لا ينفعُ فيه التحسر، يقول جل شأنه: {أن تَقولَ نَفسٌ يا حَسرتى عَلى ما فَرطتُ في جَنبِ اللهِ وإن كُنتُ لَمِنَ الساخِرين} [سورة الزمر: 56].
والنفس سريعة التقلب، ميالة في كثير من الأحيان إلى الشر، كما قال الله - تعالى -عنها: {إِنَّ ?لنَّفسَ لامَّارَةٌ بالسٌّوء إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبّى} [يوسف: 53].
ومـن هنــا كـان لزاماً على كل عبدٍ, يرجو لقاء ربّه أن يطيل محاسبة نفسه، وأن يجلس معها جلسات مطولةº فينظر في كل صفحة من عمره مضت: ماذا أودع فيها.
ما هي حقيقة المحاسبة؟
أيها الإخوة والإخوات:
إن للمحاسبة حقيقةً ومعنى، لابد لنا من التعرف على هذه الحقيقة والمعنى، قال الماوردي عن المحاسبة: «أن يتصفّح الإنسان في ليله ما صدر من أفعال نهاره، فإن كان محموداً أمضـاه وأتبعه بما شاكله وضاهاه، وإن كان مذموماً استدركه إن أمكن، وانتهى عن مثله في الـمستقبل».
وقال ابن القيم: «المحاسبة أن يميز العبد بين ما له وما عليه فيستصحب ما له ويؤدي ما عليهº لأنه مسافرٌ سَفَرَ من لا يعود».
هل المحاسبة مهمه؟
نعم، المحاسبة من أهم المهمات التي يجب على العبد المداومة عليهاº لأن غياب محاسبة النفس نذير غرق النفس في لجج من بحار الفساد والتيه المنتهية بنار وقودها الناس والحجارة، وأن الفساد في الدنيا إنما يكون ظاهراً جلياً حينما لا يتوقع المجتمع أو الفرد حساباً، لا يتوقع حساباً من رب قاهر أو من ولي حاكم أو من مجتمع محكوم أو من نفس لوامة، وحينما لا يتوقع المجتمع و الفرد حساباً على تصرفاتهم فإنهم ينطلقون في حركاتهم كما يحبون ويموجون كما يشتهون وكما تهوى أنفسهم فيتقلبون على الحياة ودروبها بلا زمام ولا خطام فيتشبهون بأهل النار من حيث يشعرون أو لا يشعرون {إِنَّهُم كَانُوا لاَ يَرجُونَ حِسَاباً وَكَذَّبُوا بِـئَايَـ?تِنَا كِذَّاباً} [النبأ: 27-28].
من أين نبدأ في محاسبة النفس؟
بعد أن تضحت لنا حقيقة وأهمية المحاسبة، كان لزاماً علينا أن نعرف كيف نحاسب أنفسنا؟ ومن أين نبدأ في محاسبة النفس؟ وعلى العبد عند محاسبة نفسه:
أولاً: البدءُ بالفرائض، فإذا رأى فيها نقصٌ تداركهُ.
ثانياً: النظرُ في المناهي، فإذا عرَف أنه ارتكب منها شيئاً تداركه بالتوبةِ والاستغفارِ والحسناتِ الماحية.
ثالثاً: محاسبةُ النفس على الغفلةِ، ويَتَدَاركُ ذلِك بالذكرِ والإقبالِ على ربِ السماوات ورب الأرض رب العرش العظيم.
رابعاً: محاسبةُ النفس على حركاتِ الجوارح، وكلامِ اللسان، ومشيِ الرجلين، وبطشِ اليدين، ونظرِ العينين، وسماعِ الأذنين، ماذا أردتُ بهذا؟ ولمن فعلته؟ وعلى أي وجه فعلته؟.
ما هي أنواع محاسبة النفس؟
ولمحاسبةِ النفس نوعـان: نوعٌ قَبلَ العمل، ونوعٌ بعدَه:
النوعُ الأول: محاسبة النفس قبل العمل:
وهو أن ينظرَ العبدُ في هذا العمل، هل هوَ مقدورٌ عليهِ فيعملَه، مثل الصيام والقيام. أو غيرَ مقدورٍ, عليهِ فيتركَه. ثم ينظر هل في فعله خيرٌ في الدنيا والآخرة فيعملَه، أو في عملِه شرٌ في الدنيا والآخرة فيتركَه. ثم ينظر هل هذا العمل للهِ - تعالى -أم هو للبشر؟ فإن كان سيعملُه لله فعلَه، وإن كانت نيتَهُ لغيرهِ ترَكه.
النوع الثاني: محاسبة النفس بعد العمل:
وهو ثلاثة أقسام:
القسم الأول: محاسبة النفس على طاعاتٍ, قصَّرت فيها، كتركها للإخلاصِ أو للمتابعة، أو تركِ العمل المطلوب كترك الذكر اليومي، أو تركِ قراءةِ القرآن، أو تركِ الدعوة أو ترك صلاةِ الجماعة أو ترك السننِ الرواتب.
ومحاسبة النفس في هذا النوعِ يكون بإكمالِ النقص وإصلاح الخطأ، والمسارعةِ في الخيرات وترك النواهي والمنكرات، والتوبةِ منها، والإكثارُ من الاستغفار، ومراقبةُ اللهِ - عز وجل - ومحاسبة القلب والعمل على سلامتِه ومحاسبةُ اللسان فيمـا قالَه، وإشغالِه إما بالخيرِ أو بالصمت، وكذلك يكونُ بمحاسبة العين فيما نظرت، فيطلقها في الحلالِ ويَغُضٌّها عن الحرام، وبمحاسبة الأُذن ما الذي سَمِعته، وهكذا جميعِ الجوارح.
القسم الثاني: أن يحاسبَ نفسَهُ على كلِّ عملٍ, كانَ تركُهُ خيراً من فعلهº لأنهُ أطاعَ فيه الهوى والنفس، وهو نافذةٌ على المعاصي، ولأنهُ من المتشابه، يقولُ - صلى الله عليه وسلم -: «إن الحلال بَيِّن، وإن الحرام بَيِّن، وبينهما أمور مشتبهات، لا يعلمهن كثيرٌ من الناس، فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقعَ في الشبهات وقع في الحرام». ويقولُ - عليه الصلاة والسلام -: «دع ما يَريبُك إلى ما لا يَريبُك».
القسم الثالث: أن يُحاسبَ الإنسانُ نفسَه على أمرٍ, مباح أو معتاد: لـمَ فعله؟ وهل أرادَ به الله والدارَ الآخرة فيربح، أم أرادَ به الناسَ والدنيا فيخسر ذلك الربح ويفوتَهُ الظَفَرُ به.
ما هي الأسباب المعينة على المحاسبة؟
هناك بعض الأسباب التي تعين الإنسان على محاسبة نفسه وتسهل عليه ذلك، منها:
1 - معرفته أنه كلما اجتهد في محاسبة نفسه اليوم استراح من ذلك غداً، وكلما أهملها اليوم اشتد عليه الحساب غداً.
2 - معرفته أن ربح محاسبة النفس ومراقبتها هو سكنى الفردوس، والنظر إلى وجه الرب - سبحانه -، ومجاورة الأنبياء والصالحين وأهل الفضل.
3 - النظر فيما يؤول إليه ترك محاسبة النفس من الهلاك والدمار، ودخول النار والحجاب عن الرب - تعالى -ومجاورة أهل الكفر والضلال والخبث.
4 - صحبة الأخيار الذين يحاسبون أنفسهم ويطلعونه على عيوب نفسه، وترك صحبة من عداهم.
5 - النظر في أخبار أهل المحاسبة والمراقبة من سلفنا الصالح.
6 - زيارة القبور والتأمل في أحوال الموتى الذين لا يستطيعون محاسبة أنفسهم أو تدارك ما فاتهم.
7 - حضور مجالس العلم والوعظ والتذكير فإنها تدعو إلى محاسبة النفس.
8 - قيام الليل وقراءة القرآن والتقرب إلى الله - تعالى -بأنواع الطاعات.
9 - البُعد عن أماكن اللهو والغفلة فإنها تنسي الإنسان محاسبة نفسه.
10 - ذكر الله - تعالى -ودعاؤه بأن يجعله من أهل المحاسبة والمراقبة، وأن يوفقه لكل خير.
11 - عدم حسن الظن الكامل بالنفسº لأن ذلك ينسي محاسبة النفس ويجعل الإنسان يرى عيوبه ومساوئه كمالاً.
ما هي فائدة المداومة على محاسبة النفس؟
إن العبد إذا داوم على محاسبة النفس، يخرج بفوائد كثيرة، تفيده في الدنيا والأخرة، وهي كالتالي:
1- بالمحاسبة يطلع العبد على عيوب النفس ونقائصها ومثالبها، ومن اطلع على عيوب نفسه، أنزل نفسه المنزلة الحقيقة لا سيما إن جنحت إلى الكبر والتغطـرس. وما من شك أنّ معرفـة العبد قدر نفسه يورثه تذلّلاً لله وعبودية عظيمة لله - عز وجل -، فلا يمنّ بعمله مهمـا عظم، ولا يحتقر ذنبه مهما صغر. قال أبو الدرداء - رضي الله عنه -: «لا يفقه الرجل كلّ الفقه حتى يمقت الناس في جنب الله، ثم يرجع إلى نفسه فيكون لها أشدَّ مقتاً».
2- بالمحاسبة يتعرّف العبد على حق الله - تعالى -عليه وعظيم فضله ومنّهº وذلك عندما يقارن نعمة الله عليه وتفريطه في جنب الله، فيكـون ذلك رادعاً له عـن فعل كل مشين وقبيحº وعنـد ذلك يعلـم أن النجـاة لا تحصل إلا بعفو الله ومغفرته ورحمته، ويتيقّن أنه من حقّه - سبحانه - أن يطاع فلا يعصى، وأن يُذكر فلا يُنسى، وأن يُشكر فلا يُكفر.
3- بالمحاسبة تزكي النفس وتطهرها وتلزمها أمر الله - تعالى -. قال - تعالى -: {قَد أَفلَحَ مَن زَكَّـ?هَا وَقَد خَابَ مَن دَسَّـ?هَا} [الشمس: 9-10]. وقال مالك بن دينار: «رحم الله عبداً قال لنفسه: ألستِ صاحبة كذا؟ ألستِ صاحبة كذا؟ ثم ذمّها، ثم خطمها، ثم ألزمها كتاب الله - عز وجل - فكان لها قائداً».
4- بالمحاسبة يتربّي عند الإنسان الضمير الحي داخل النفس، وتنمّي في الذات الشعور بالمسؤولية ووزن الأعمال والتصرّفات بميزان دقيق هـو ميزان الـشرع.
5- بالمحاسبة يعرف العبد الحقوق التي عليه اتجاه الناس، فيردُ الحقوقِ إلى أهلِـها.
وهناك فوائد كثيرة يجني ثمارها العبد الذي ربى نفسه على المحاسبة، واستمر على ذلك.
أكمل وجوه المحاسبة
ومن المفيد في هذا الموضع أن يُعلم أن المحاسبة لا تكون إلا إذا قايس العبد بين نعمة الله عليه وبين جنايته، وبهذه المقايسة يعلم أن الرب ربٌ والعبد عبد، ويتبين حقيقة النفس وصفاتها، وعظمة جلال الربوبية وتفرد الرب بالكمال والإفضال، وأن كل نعمة منه فضل، وكل نقمة منه عدل.
وهذه المقايسة تشق على من ليس له ثلاثة أشياء:
الأول: نور الحكمة:
وهو: العلم الشرعي الذي نور الله به قلوب أتباع الرسل فبقدره ترى التفاوت، وتتمكن المحاسبة، يقول ابن قيم الجوزية في مدارج السالكين:
\"ونور الحكمة هاهنا: هو العلم الذي يميز به العبد بين الحق والباطل، والهدى والضلال، والضار والنافع، والكامل والناقص، والخير والشر، وينصر به مراتب الأعمال: راجحها ومرجوحها، ومقبولها ومردودها. وكلما كان حظه من هذا النور أقوى كان حظه من المحاسبة أكمل وأتم\".
الثاني: سوء الظن بالنفس:
فإنما احتاج إليه العبد، لأن حسن الظن بالنفس يمنع من كمال التفتيش، ويُلبس عليه فيرى المساوئ محاسن، والعيوب كمالاً، فإن المحب يرى مساوئ محبوبه وعيوبه سواء لا فرق بينها.
ولا يسيء الظن بنفسه إلا من عرفها، ومن أحسن ظنه بنفسه، فهو من أجهل الناس بها.
الثالث: التمييز بين المنن والمحن - بين النعمة والنقمة - بين الكرامة والاستدراج:
فالعبد يطالب بالتفريق بين النعمة التي يعان بها على تحصيل سعادته الأبدية، وبين النعمة التي هي من قبيل الاستدراج، فكم من مستدرج بالنعم وهي نقم - وهو لا يشعر-، مفتون بثناء الجهال عليه، مغرور بقضاء الله حوائجه وستره عليه، وأكثر الخلق عندهم: أن هذه الثلاثة علامة السعادة والنجاح، ذلك مبلغهم من العلم.
فإذا أبصر العبد حقائق الأشياء بنور الكتاب والسنة وبفهم سلف الأمة، وقدح في حظ نفسه، وفرق وميز بين النعمة والمحنة، فقد أوفى بشرائط المقايسة الموجبة لتحصيل تمام المحاسبة، والموفق من وفقه الله - تعالى -.
نماذج من محاسبة السلف لأنفسهم
إن سلفنا الصالح ضربوا لنا أروع الأمثلة في محاسبة النفس، مما لو حاولنا أن نستقصيه لطال بنا المقام، ولعجزنا عن ذلك، لأن أولئك القوم ارتبطت قلوبهم باللهº فكانوا أجساداً في الأرض وقلوباً في السماء، وما إن يحصل من أحدهم تقصير أو زلّة إلا ويسارع في معالجة خطئه، ومعاقبة نفسه على ذلكº حتى لا تكاد تأمره نفسه إلا بخير.
عن أنس بن مالك ـ - رضي الله عنه - ـ قال: سمعتُ عمر بن الخطاب ـ - رضي الله عنه - ـ يوماً وخرجت معه حتى دخل حائطاً فسمعتُه يقول ـ وبيني وبينه جدار ـ: «عمر!! أمير المؤمنين!! بخٍ, بخٍ,، واللهِ بُنَيّ الخطاب لتتقينّ الله أو ليعذبنّك».
وجاء رجل يشكو إلى عمر وهو مشغول فقال له: أَتَتركون الخليفة حين يكون فارغاً حتى إذا شُغِل بأمر المسلمين أتيتموه؟ وضربه بالدرّة، فانصرف الرجل حزيناً، فتذكّر عمر أنه ظلمه، فدعا به وأعطاه الدرّة، وقال له: «اضربني كما ضربتُك» فأبى الرجل وقال: تركت حقي لله ولك. فقال عمر: «إما أن تتركه لله فقط، وإما أن تأخذ حقّك» فقال الرجل: تركته لله. فانصرف عمر إلى منزله فصلّى ركعتين ثم جلس يقول لنفسه: «يا ابن الخطاب: كنتَ وضيعاً فرفعك الله، وضالاً فهداك الله، وضعيفاً فأعزّك الله، وجعلك خليفةً فأتى رجلٌ يستعين بك على دفع الظلم فظلمتَه؟!! ما تقول لربّك غداً إذا أتيتَه؟ وظلّ يحاسب نفسَه حتى أشفق الناس عليه».
وقال إبراهيم التيمي: «مثّلتُ نفسي في الجنة آكل من ثمارها وأشرب من أنهارها وأعانق أبكارها، ثم مثّلتُ نفسي في النار آكل من زقومها وأشرب من صديدها وأعالج سلاسلها وأغلالها، فقلت لنفسي: يا نفس أيّ شيء تريدين؟ فقالت: أريد أن أُردّ إلى الدنيا فأعمل صالحاً! قلتُ: فأنتِ في الأمنية فاعملي».
وحكى صاحب للأحنف بن قيس قال: كنتُ أصحبُه فكان عامةُ صلاته بالليل، وكان يجيء إلى المصباح فيضع إصبعه فيه حتى يحسّ بالنّار ثم يقول لنفسه: «يا حنيف! ما حملك على ما صنعت يوم كذا؟ ما حملك على ما صنعتَ يومَ كذا؟ ».
ونُقِل عن توبة بن الصّمة: «أنه جلس يوماً ليحاسب نفسَه فعدّ عمره فإذا هو ابن ستين سنة، فحسب أيّامها فإذا هي واحدٌ وعشرون ألفاً وخمسمائة يومº فصرخ وقال: يا ويلتي! ألقى الملك بواحدٍ, وعشرين ألف ذنب! فكيف وفي كل يوم عشرة آلاف ذنب؟!! ».
تطبيقات عملية للمحاسبة
ونختم هذه المحاضرة بتطبيقات عملية تفيدنا في محاسبة أنفسنا، ولكن هذه التطبيقات تتفاوت وتختلف من شخص إلى شخص، وهذه التطبيقات في البداية قد تكون صعبة على من لم يتعود عليها، ولكن لابد أن يكون لنا مشروع، وهدف، وهو المداومة على محاسبة أنفسنا، حتى تعلوا همتنا في طاعة الله، ولن أطيل عليكم، فإليكم هذه التطبيقات:
تطبيقات عملية في الصلاة
إذا كنت من المحافظين على الصلاة، فاجلس مع نفسك بعد كل صلاة، وبعد الأذكار، ولو دقائق قليلة، أسأل فيها نفسك، هل أديت الصلاة بالشكل الصحيح، بأركانها وواجباتها، هل كنت مطمئن في صلاتك؟ هل هذه الصلاة أثرت فيك وغيرت شيء من حياتك؟ حاول أن تتعرف على الخلل أو الخطأ الذي ارتكبته في صلاتك، وستكتشف هذا الأمر، وستجتهد في الصلاة القادمة أن تتقنها وتأديها على وجهه المطلوب.
وإذا كنت من المقصرين أو ممن يأخر الصلاة، فاجلس مع نفسك، لماذا تأخر الصلاة؟ وما الفائدة التي تجنيها من تأخيرك للصلاة؟ أيعقل أن تكون أعمالي أو أهلي أو الدنيا تبعدنا عن أداء حقوق الله؟! لماذا أتأخر في تأدية حقوق الله، ولا أتأخر في حقوقي أو حقوق الناس؟! إذاً لابد أن يكون هدفي ومشروعي أن أحافظ على الصلوات في وقتها.
وإذا كنت مقصراً في النوافل، والأذكار، أسأل نفسك، لماذا لا تؤديها؟ هل هي تأخذ من وقتي الكثير؟ الأذكار مع النوافل لا تأخذ من وقتي سوى خمسة دقائق أو أكثر بقليل، فهل هي ستعيق عملي؟ بالعكس هي ستبارك في عمري، ووقتي، إذاً هدفي ومشروعي أن أحافظ عليها.
تطبيقات عملية في بر الوالدين وصلة الأرحام
إذا كنت مقصراً أو عاقاً لوالديك، تفكر وتدبر، خطورة هذا الأمر، وأسأل نفسك، والدي تعبوا في تربيتي، عانوا أشد العناء من أجل أن أكون سعيداً، صبروا على مر الحياة لأجلي، لماذا أعملهما هذه المعاملة؟ لماذا لا أجلس معهما؟ لماذا لا أحاول أن أسعدهما بكلمة أو أبتسامه؟ إذاً هدفي ومشروعي أن أجلس معهما، وأعتذر منهما عن أي تقصير بدر مني في حقهما.
وكذلك أرحامك، كن ممن يصلهما، وكن أفضل منهما، احتسب أجر الزيارة وصلة الرحم، وإن جفوك وأخطأوا في حقك، أصبر على أذاهم، فالأجر عظيم، والثواب جزيل، لماذا تضيع هذه الأجور؟
تطبيقات عملية مع الزوجين
حاول أن تجلس مع زوجتك وأبناءك، هل حياتكم قائمة على طاعة الله ورضاه؟ هل تتعاونون على البر والتقوى؟ هل تنهون بعضكم عن المنكر؟ هل لديكم مشاريع وأهداف تنفع هذه الأمة؟
تطبيقات عملية قبل النوم
قبل أن تأوي إلى فراشك، تفكر في يومك الذي مضى، أخيرٌ في ميزان حسناتك، أم شرٌ تحاسب عليه، هل صدقت في قولك وعملك؟ هل اغتبت مسلم أو مسلمة؟ هل ظلمت إنسان؟ ماذا لو قبضت روحي الآن، ولم أتب حتى الآن؟ من سينفعنا في هذه الدنيا؟ من سيقف معي في الآخرة؟ ماذا سأقول يوم العرض؟ يوم تبيض وجوه، وتسود وجوه.
وهكذا في جميع أمورنا، صغيرها وكبيرها، لابد أن نتفكر فيها، ونسأل أنفسنا قبل البدء فيها، وبعد الانتهاء منها.
فالأمر جد خطير، أيها الإخوة والإخوات، استمعوا إلى هذا الحديث: عَن أَبِي ذَرٍّ, قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إِنِّي أَرَى مَا لا تَرَونَ وَأَسمَعُ مَا لا تَسمَعُونَ، أَطَّت السَّمَاءُ وَحُقَّ لَهَا أَن تَئِطَّ، مَا فِيهَا مَوضِعُ أَربَعِ أَصَابِعَ إِلا وَمَلَكٌ وَاضِعٌ جَبهَتَهُ سَاجِدًا لِلَّه، وَاللَّهِ لَو تَعلَمُونَ مَا أَعلَمُ لَضَحِكتُم قَلِيلاً وَلَبَكَيتُم كَثِيرًا وَمَا تَلَذَّذتُم بِالنِّسَاءِ عَلَى الفُرُشِ، وَلَخَرَجتُم إِلَى الصٌّعُدَاتِ تَجأَرُونَ إِلَى اللَّهِ، لَوَدِدتُ أَنِّي كُنتُ شَجَرَةً تُعضَد».
وتذكروا قوله - تعالى -: {يا أَيٌّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُم إِنَّ زَلزَلَةَ السَّاعَةِ شَىء عَظِيمٌ يَومَ تَرَونَهَا تَذهَلُ كُلٌّ مُرضِعَةٍ, عَمَّا أَرضَعَت وَتَضَعُ كُلٌّ ذَاتِ حَملٍ, حَملَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَـارَى? وَمَا هُم بِسُكَـارَى وَلَـكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ} [الحج: 1-2].
{يَا أَيٌّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلتَنظُر نَفسٌ مَّا قَدَّمَت لِغَدٍ, وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعمَلُونَ * وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُم أَنفُسَهُم أُولَئِكَ هُمُ الفَاسِقُونَ} [سورة الحشر: 17-18].
إنا لنفـرحُ بالأيـامِ نقطعُـها *** وكـلَّ يومٍ, يُدني من الأجـلِ
فاعمل لنفسِكَ قبلَ الموتِ مجتهداً *** فإنما الربحُ والخسرانُ في العملِ
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، سبحانك اللهم وبحمدك، استغفرك وأتوب إليك، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد