هذه القصة قرأتها منذ سنوات بعيدة، ولأنها طويلة فإني أختصرها، وأعيد صياغتها بأسلوبي المتواضعº الذي لا يرقي طبعاً لأسلوب كتاب القصة الأصلي:
إن لم تخني ذاكرتي فأحسبه الشيخ علي الطنطاوي - رحمه الله -: كان شاباً بلغ في الانحراف مداه، أزعج أهل الحي وآذاهم، حاولوا معه بشتى الوسائل، وعد ووعيد، وإغراء وتهديد، فلم يفلحوا، بل عرضوا عليه أن يترك منطقتهم، على أن يعطوه ما شاء من المال، فلم يقبل، دخل السجن مرات، وكان يخرج في كل مرة أشد ضرواة، وأعنف سلوكاً، وأكثر فساداً..
قال الراوي:
ثم انقطعت عني أخباره لزمن، وذات يوم وكنت في العاصمة لبعض احتياجات بيتي، حانت صلاة الظهر، فولجت جامعاً كبيراً، وبينما أنا أنتظر الصلاة، وأتأمل جوانب المسجد، حملقت في ذهول وأنا أشاهد شاباً يصلي في خشوع، ولم أصدق عيني، وبقيت أحدق فيه وهو يركع ويسجد في خضوع..
لقد كان ذلك الشاب المسرف على نفسه بعينه..!
سبحان الله الهادي..!! ماذا حدث؟ هل هذا معقول؟
وأقيمت الصلاة، وبقي فكري مشغولاً بقصة الشاب، ولما فرغنا من الصلاة أخذت أتلفت، فإذا الشاب قد انسحب إلى ركن قصي في المسجد، وسرعان ما تحلقت حوله كوكبة من الصبيان، وما هي إلا دقائق حتى شرع يعلمهم القرآن الكريم، ويحنو عليهم، ويتلطف بهم..!!
وهالني ما رأيت، وشككت فيما أرى، وقلت: لعله مجرد تشابه ليس غير، وإلا فأين الثرى من الثريا.
وبقيت أرقب المشهد، حتى إذا ختم جلسته وبادر الصغار يصافحونه بحرارة، وهو يسمح على رؤوسهم، ويداعبهم، حتى إذا انصرفوا هرولت إليه في لهفة أسأله هل هو هو الذي أعرفه..!؟ فابتسم.
وهز رأسه وأجاب: أنا هو بشحمه ولحمه..!! والحمد لله الذي هداني، وما كنت لأهتدي لولا أن هداني الله.
وألححت عليه أن يسمعني قصته..
وكانت الخلاصة:
أنه كان ذات يوم يجلس وحده، لحالة ضيق نفسي يعانيها، فمر به شيخ جليل ومعه جماعة في طريقهم إلى المسجد، فوقف الشيخ ووقفوا فسلم على الشاب، وحادثه قليلاً، ثم طلب منه أن يسير معهم إلى المسجد، قال: فوجدت نفسي _ لأول مرة _ انصاع لأحد يطلب مني طلباً كهذا..
لاسيما وقد تبسط معي الشيخ وترفق وتلطف وخاطبني بلغة لم أعتد أحداً يخاطبني بها، وفي المسجد عقد الشيخ جلسة وعظ وإرشاد، وتحدث حديثاً عن الله - جل جلاله -.
كان حديثاً عجيباً، هز نفسي، وحرك قلبي بقوة إلى الله، منذ ذلك اليوم قررت أن انخلع من حياتي السابقة..
ولزمت الشيخ وبقيت معه أتعلم منه، وأتلقى عنه العلم والأدب والدعوة إلى الله – تعالى -..
حتى صار أمري كما ترى أعلم أبناء المسلمين كتاب الله – تعالى -.. لا أبتغي جزاء ولا شكوراً.. لعل الله أن يغفر لي ما مضى، وأن يحفظني فيما بقى………
تعليــــق:
فشلت المدرسة.. وفشل الأهل..
وفشل أهل الحي..وفشل الإعلام.. وفشل السجن
وفشل الوعد والوعيد..
وفشل الإغراء والتهديد..!
ونجح بامتياز باهر: شيخ وحلقة مسجد يحف بها الملائكة الأطهار..!
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد