الشباب في كل أمّة هم الدم الجديد الضامن لحياتها واستمرار وجودها ، وهم الامتداد الصحيح لتاريخها ، وهم الورثة الحافظون لمآثرها ، وهم المصحّحون لأغلاطها وأوضاعها المنحرفة ، وهم الحاملون لخصائصها إلى من بعدهم من الأجيال.
كنا شباباً فلما شبنا تلفّتنا إلى الماضي حنينًا إلى الشبيبة فرأينا أن الشباب هو الحياة التي لا يدرك قيمتها إلا ّمن فارقها ، ورأينا أخطاء الشباب من حيث لا يمكن تداركها º وسيصبح شباب اليوم شيوخ الغد ، فيشعرون بما نشعر به نحن اليوم ، وليت شعري إذا كان شيوخ اليوم هم شباب الأمس وشباب اليوم هم شيوخ الغد ، فعلام هذه الشكوى المترددة بين الفريقين ؟ وهذا التلاوم المتبادل بين الحبيبين ؟ يشكو الشيوخ نزق الشباب وعقوقهم ونزواتهم الكافرة ، ويشكو الشباب بطء الشيوخ وترددهم وتراجعهم إلى الوراء ونظرتهم إلى الحياة نظرة الارتياب.
مهلاً أيها المتقاربان المتباعدان ، فليس التفاوت بينكما كسبياً يعالج ، وليس النزاع بينكما علمياً يحكم فيه الدليل ، ولكنه سنّة وتطوّر . كنا حيث أنتم ، وستصبحون حيث نحن بلا لوم ولا عتاب º هما مرحلتان في الحياة ثم لا ثالثة لهما طويناهما كرهاً ، وستطوونهما كرهاً ، والحياة قصيرة وهي أقصر من أن نقطعها في لوم أو نقطعها بنوم.
ليحرص الشباب على أن يكونوا كمالاً في أمّتهم لا نقصاً، وأن يكونوا زيناً لها لا شيناً ، وأن يضيفوا إلى تليد مكارمها طريفاً ، وإلى قديم محاسنها جديداًً، وأن يمحوا كل سيئة لسلفهم بحسنة.
والشباب المحمّدي أحقّ شباب الأمم بالسبق إلى الحياة ، والأخذ بأسباب القوة ، لأنّ لهم من دينهم حافزاً إلى ذلك ، ولهم في دينهم على كل مكرمة دليل ، ولهم في تاريخهم على كل دعوى في الفخار شاهد.
أعيذ الشباب المحمدي أن يشغل وقته في تعداد ما اقترفه آباؤه من سيئات أو في الافتخار بما عملوه من حسنات ، بل يبني فوق ما بنى المحسنون ، وليتق عثرات المسيئين، وأعيذه أن ينام في الزمان اليقظان ، أو يهزل والدهر جادّ ، أو يرضى بالدون من منازل الحياة.
يا شباب الإسلام ، وصيتي إليكم أن تتصلوا بالله تديّناً ، وبنبيّكم اتّباعاً ، وبالإسلام عملاً وبتاريخ أجدادكم اطّلاعاً ، وبآداب دينكم تخلّقاً ، وبآداب لغتكم استعمالاً ، وبإخوانكم في الإسلام وِلداتكم في الشبيبة اعتناءً واهتماماً ، فإن فعلتم حزتم من الحياة الحظ الجليل ، ومن ثواب الله الأجر الجزيل ، وفاءت عليكم الدنيا بظلها الظليل.