للإنسان قُدرَةٌ في إظهار نفسه و تكوينها ، و هو في ذلك غنيُّ عن إظهار غيره له .
و هذه حال كثيرين يعتمدون على غيرهم ، و يرتقون على أكتاف كبرائهم لإظهار أنفسهم .
و هذا فيه ما فيه من هضم النفس ، و هَدرٍ, لما وهبها الله من آليَّات النهوض بها ، و الرقي بها في سماء العلو .
و لذا كانت وظيفة ( صناعة النفس ) سائدة لدى فئة من الناس لا يُزَاحَمُونَ في وظيفتهم º و هذا إنما هو : لقلَّتِهم ، و لعلو همتهم ، و لقوة عزيمتهم .
فَمِن شابههم سلك دروبهم . و مَن لا فلا .
و هذه أسطرٌ كاشف فيها معاني ( صناعة النفس ) من خلال مباني الأحرف .
و مؤصِّلاً وظيفة ( صناعة النفس ) موافِقَاً أصول الشريعة ، مراعياً أُسُسَ التربية .
معنى ( صناعة النفس ) :
قـد يتبادر إلى الذهن معنى لـ ( صناعة النفس ) غيرُ مُرادٍ, لي º و دفعـاً لتلك المبادرة أُبيِّنُ المعنى من (صناعة النفس ) و هو :
سعيُ الإنسان _ الجادّ _ نحو إظهار نفسه ، و الكشف عن مكنوناتها و مهاراتها التي تؤدي بها نحو عالم الإبداع . مع اعتماده على ذاته وما كان خافياً فيها من قُدَرٍ, .
و هذا المعنى هو من بنيَّات الفكر ، و بَوحِ الخاطر .
قواعدُ( صناعة النفس ) :
لـ ( صناعة النفس ) قواعدُ و أصولُ بها تُتقَنُ و تُحكَمُ ( صناعة النفس ) ، و بدونها ، و حال تخلٌّفِها يكون الخلل ، و يُخَيِّمُ الفشل .
و ههنا أمورٌ أربعة هنَّ أصولٌ لـ ( صناعة النفس ) :
الأول : معرفة قُدُرَاتُ النفس :
إن الله _ تعالى _ متَّعَ الخلق بقُدَرٍ, و مواهبَ º و هذه المواهب و القُدَرُ متفاوتةٌ بين الناس ، و هم فيها متباينون .فإذا عرف الإنسان قُدُرَاتُ نفسِه أحسن استعمالها ، و انشغل بها عن غيرها .و معرفة قُدَرُ النفس مُرتَكِزَةٌ على رَكِزَتَين :
الأولى : عدم رَفعِ النفس فوق قدرِها .
حيث ترى _ و هو كثير _ مَن يُخادع نفسه و يُلبِسُها لباس الزور فيُنزلها منازل كبيرةً عليها ، ليست هي من أهلها و لا قَرُبَت من أحوالهم .
الثانية : عدم إهانتها و إنزالها عن قدرها .
و هذه كسابقتها في الكثرة و الانتشار .
و أعني بقُدَرِ النفس : ما تعرف النفس أنها ميَّالَةٌ إليه ، و تتيقَّنُ أنها تُنتِجُ فيه أكثر .
الثاني : حُسنُ إدارة النفس :
إدارة النفس تعني : قُدرَةُ الفرد على توجيه مشاعره و أفكاره و إمكانياته نحو ما يريد تحقيقه ، و ما يصبو إلى تحصيله ([i]).
فَحِين يستطيع الإنسان أن يوجِّهَ خواطره و مشاعره نحو ما يسعى إليه في حياته يكون بدءُ ( صناعة النفس ) .
و إدارة النفس فنٌّ له أصوله و قواعده و مهاراته ، فليس هو أمرٌ بالهيِّن ، و لا بالشأن السَّهل .
الثالث : تزكيةُ النفس :
تزكية النفس هي : تنميتها ، و تطهيرها .
فتنميتها تكون بـ : الطاعات ، و الفضائل .
و تطهيرها يكون بـ : التخلِّي من الآفات º المعاصي ، سفائل الأخلاق .
هذان أُسَّان في تربية النفس و تطهيرها .
الرابع : التدرٌّج :
النفس توَّاقةٌ نحو الدَّعَةِ ، و ساعيةٌ إلى الخمول و السٌّكون ، فإذا أراد صاحبها أن يُبدِعَ في ( صنلعة النفس ) فلا بدَّ له من نقلها من مواطن الركود و الدعة إلى مشارف العلو و الرفعة .
و هذا يحتاج إلى أن يتدرَّج بها صاحبها من الدٌّونِ إلى العلو º شيئاً فشيئاً قليلاً قليلاً .
و سرٌّ ذلك : أن في التدرٌّج تنقٌّلٌ مُمَهَّدٌ يستدعي تقبٌّلَ النفس لتلك الصناعة .
و العكس ذو آفة يعرفها من أدرك حقيقة ذاك السر .
الخامس : الحكمة :
إن ( صناعة النفس ) تقتضي التعامل بالحكمة مع النفس º فلا تُجهَد ، و لا تُطلَق لها الأزِمَّة .
فيراعيها في موطنين :
الأول : موطن الإقبال نحو المعالي º فيغتنم تلك الفرصة لتربيتها ، و تنميتها .
الثاني : موطن الإحجام عن الفضائل فيستعمل معها سياسة القيادة من جهتين :
الأولى : الترغيب º فيرغب نفسه بفضائل الأفعال ، و مقامات الكمال .
الثانية : الترهيب º فيرهب نفسه بعواقب الدٌّنُوِّ ، و يُبَيِّنُ لها مساويء الأعقاب .
طرقُ( صناعة النفس ) :
لـ ( صناعة النفس ) طريقان مهمان :
الأول : طريق ( الذات ) :
و أعني به : أن يكون الإنسان هو الصانع لنفسه º و ذلك من خلال القواعد الخمس السابقة .
الثاني : طريق الغير :
و أعني به : أن تكون ( صناعة النفس ) للإنسان من خلال من هو خارج عنه _ أي : عن نفسه _ من : صاحب ، أو عالم ، أو أبٍ, ، … .
مجالات( صناعة النفس ) :
المجالات كثيرة و متعدِّدَةٌ ، و لكن ما يهمُ هنا هو ما يتعلَّق بالأمور المتعلِّقة بالإسلام º و هما مجالان :
الأول : مجال العلم :
فإن أغلب الناس _ الصَّالحين _ ممن أعملَ نفسَه في العلم : طلباً ، و تعليماً ، و تأليفاً ...
و هذه مَحمَدَةٌ و مَنقَبَةٌ يُفرَح بها .
لكن الأمر المُؤسِف أن يكون من يشتغل بالعلم دائمَ الصعود و الظهور على أكتاف أشياخه ، ملازماً لتقليدهم ، حَذِرَاً من إبداء أي رأي له خَشيَةَ عدم المُوَافَقَة .و هذه سلبية لا إيجابية .إذ الواجب على الإنسان أن يكون مُستَقِلاًّ بنفسه ، مُعتَمِدَاً عليها .
و هذا هو شأن كثير من العلماء ما أظهرهم إلا هم ، سعوا جادِّين نحو ( صناعة النفس ) فأبدعوا و أنتجوا ، في حين أن غيرهم ممن سيطر عليه الخوف ما بَرِحَ مكانه .
و لا أعني بكلامي هذا إسقاط ما للعلماء من مكانة و تأثير في نفس الإنسان ، و إنما أُريدُ أن يكون الإنسان ذا رأي مُعتَبِرَاً لنفسه قَدرَاً و وزنَاً ، و يَنفَرِدُ بالسعي في تَحصِيلِ العلم بعد أخذ مفاتحه و أصوله على مشايخه .
الثاني : مجال الدعوة :
و هذا أكثر و أشهر من سابقه .
و ( صناعة النفس ) فيه تكون بأن يَعتَمِدَ الإنسان على ذاته في تبليغ الدعوة ، و نشر الدين في أوساط الناس .
و كذلك أن يسعى لإيجاد طرائق مُتَعَدِّدَةٍ, لتبليغ الدين ، و نشر الدعوة في أوسع نطاق .
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد