بسم الله الرحمن الرحيم
تأكد لي عبر اللقاءات المتكررة مع المسؤولين في الحكومة، وأصحاب المؤسسات والشركات أن هناك اتجاهين ومنهجين في الإدارة يستحوذان على اهتمام وقناعة متخذي القرار في القطاعين الحكومي والخاص.
المنهج الأول: هو المنهج المثالي، منهج القلق والتوجس من كل قرار يتم اتخاذه، منهج يبحث عن اكتمال الصورة بجميع ألوانها وجزئياتها، ويحرص لذلك على توافر جميع المعلومات والبيانات والحيثيات، بل ويستقدم ضمانات النتائج الناجمة عنه، وبينها ما لا يمكن التنبؤ به مسبقاً بفعل تداعي الظروف والمتغيرات. هذا المنهج في الواقع لا يكترث بالفرص الضائعة بسبب تأخر اتخاذ القرار، ولا يقلقه كثيراً حجم الخسائر التي قد يتعرض لها الكيان الحكومي أو الاقتصادي نتيجة هذا التأخير ولا يعنيه كثيراً، مضى ركب التطور وهو قابع آمن في صومعته الإدارية، ينتشر حتى يتأكد من تصفيق كل الجمهور له في المدرجات، كي يعلن بعد ذلك قراره.
أما المنهج الآخر في اتخاذ القرارات فهو منهج المخاطرة، إنه أسلوب يسعى لاقتناص الفرص، ويحاول اللحاق بكل مستجدات الحياة لا يتريث كثيراً عندما تتاح الفرصة، يدرك أن هناك تحدياً وأخطاراً في اتخاذ القرار، وأن القرار بلا أخطار ليس قراراً!! ويعلم متبنو هذا المنهج جيداً أنه من المستحيل توفير بيئة مثلى وظروف مواتية تماماً لاتخاذ القرارات، وأنه ليس باستطاعتهم -مهما اجتهدوا- الحصول على جميع البيانات والمعلومات المصاحبة لظروف اتخاذ القرار، إنهم يدركون جيداً أن القطار لا ينتظر فترات طويلة، وأن من يريد اللحاق بالمحطة التالية عليه أن يركب فيه بطريقة ما لو كانت التعلق بمؤخرته.
المثالية قد لا تكون خارج طموحات أصحاب هذا المنهج، لكن لا ينتظرون حتى تتحقق أوضاعهم ثم ينطلقون منهاº لأن البيئة التي يعيشون فيها متغيرة وسريعة التقلب، ولا يمكن التحكم كلية في عناصرها، ولأن الفرصة عندما تفوت لا تعود.
فأي من هذين المنهجين أفضل، منهج التعقٌّل، أم منهج المخاطرة؟ المنهج البطيء المتواتر أم المنهج السريع المندفع؟ المنهج المثالي أم المنهج العقلاني؟.
ومن هم أصحاب هذين المنهجين وأتباعهما، مع تسليمنا بوجود مناهج إدارية متعددة؟ هل هم رجال الأعمال أم رجال الدولة؟ هل هم السيدات أم الرجال؟ هل هم أصحاب المنشآت الصغيرة أم المسؤولون في المنشآت العملاقة؟ هل هم المديرون في الدولة النامية، أم نظراؤهم في الدولة المتقدمة؟ هل هم العاملون في صناعة التعليم، أم العاملون في صناعة السياحة؟ أم...؟ وأم...؟.
لا أعتقد أن الإجابة عن كل هذه الأسئلة يمكن أن يحتويها هذا المقال. إنما هو إطلالة على منهجين من مناهج اتخاذ القرار، نضعه بين أيدي متخذي القرارات في هذا العالم المتغير، سريع الوتيرة، والذي لا نستطيع اللحاق به، ونحن نخطط لمشروعات تجاوزها الزمن، والله ولي التوفيق.
2/5/1424 هـ
02/07/2003 م
----------------------------------------
* رئيس مجلس إدارة الجمعية السعودية للإدارة
* الاتصالات السعودية- عدد (24) أكتوبر 2001م
http://www.islamtoday.net المصدر:
الإدارة بين منهجين *
د. عبد الله بن جلوي الشدادي *
تأكد لي عبر اللقاءات المتكررة مع المسؤولين في الحكومة، وأصحاب المؤسسات والشركات أن هناك اتجاهين ومنهجين في الإدارة يستحوذان على اهتمام وقناعة متخذي القرار في القطاعين الحكومي والخاص.
المنهج الأول: هو المنهج المثالي، منهج القلق والتوجس من كل قرار يتم اتخاذه، منهج يبحث عن اكتمال الصورة بجميع ألوانها وجزئياتها، ويحرص لذلك على توافر جميع المعلومات والبيانات والحيثيات، بل ويستقدم ضمانات النتائج الناجمة عنه، وبينها ما لا يمكن التنبؤ به مسبقاً بفعل تداعي الظروف والمتغيرات. هذا المنهج في الواقع لا يكترث بالفرص الضائعة بسبب تأخر اتخاذ القرار، ولا يقلقه كثيراً حجم الخسائر التي قد يتعرض لها الكيان الحكومي أو الاقتصادي نتيجة هذا التأخير ولا يعنيه كثيراً، مضى ركب التطور وهو قابع آمن في صومعته الإدارية، ينتشر حتى يتأكد من تصفيق كل الجمهور له في المدرجات، كي يعلن بعد ذلك قراره.
أما المنهج الآخر في اتخاذ القرارات فهو منهج المخاطرة، إنه أسلوب يسعى لاقتناص الفرص، ويحاول اللحاق بكل مستجدات الحياة لا يتريث كثيراً عندما تتاح الفرصة، يدرك أن هناك تحدياً وأخطاراً في اتخاذ القرار، وأن القرار بلا أخطار ليس قراراً!! ويعلم متبنو هذا المنهج جيداً أنه من المستحيل توفير بيئة مثلى وظروف مواتية تماماً لاتخاذ القرارات، وأنه ليس باستطاعتهم -مهما اجتهدوا- الحصول على جميع البيانات والمعلومات المصاحبة لظروف اتخاذ القرار، إنهم يدركون جيداً أن القطار لا ينتظر فترات طويلة، وأن من يريد اللحاق بالمحطة التالية عليه أن يركب فيه بطريقة ما لو كانت التعلق بمؤخرته.
المثالية قد لا تكون خارج طموحات أصحاب هذا المنهج، لكن لا ينتظرون حتى تتحقق أوضاعهم ثم ينطلقون منهاº لأن البيئة التي يعيشون فيها متغيرة وسريعة التقلب، ولا يمكن التحكم كلية في عناصرها، ولأن الفرصة عندما تفوت لا تعود.
فأي من هذين المنهجين أفضل، منهج التعقٌّل، أم منهج المخاطرة؟ المنهج البطيء المتواتر أم المنهج السريع المندفع؟ المنهج المثالي أم المنهج العقلاني؟.
ومن هم أصحاب هذين المنهجين وأتباعهما، مع تسليمنا بوجود مناهج إدارية متعددة؟ هل هم رجال الأعمال أم رجال الدولة؟ هل هم السيدات أم الرجال؟ هل هم أصحاب المنشآت الصغيرة أم المسؤولون في المنشآت العملاقة؟ هل هم المديرون في الدولة النامية، أم نظراؤهم في الدولة المتقدمة؟ هل هم العاملون في صناعة التعليم، أم العاملون في صناعة السياحة؟ أم...؟ وأم...؟.
لا أعتقد أن الإجابة عن كل هذه الأسئلة يمكن أن يحتويها هذا المقال. إنما هو إطلالة على منهجين من مناهج اتخاذ القرار، نضعه بين أيدي متخذي القرارات في هذا العالم المتغير، سريع الوتيرة، والذي لا نستطيع اللحاق به، ونحن نخطط لمشروعات تجاوزها الزمن، والله ولي التوفيق.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد