خواطر في التربية


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

المربون والتحدي الأكبر

أن ننشئ عملا ونقيمه فهذا تحد.
وأن نستمر عليه ولا نمل مع طول الوقت فهذا تحد أكبر.
والتحدي الأكبر من ذلك كله أن نطور العمل ونرتقي به.
ثمة جهود مشكورة اليوم في تربية الناشئة ورعايته، وقد حققت إنجازات رائعة رغم ضعف الإمكانيات.
وتجاوز المربون التحدي الأول.
وانهار بعضهم أمام التحدي الثاني فملوا العمل وانشغلوا بدنياهم.
وبقي طائفة من الخيرين نتمنى أن يكملوا المسيرة ويتجاوزوا التحدي الثالث فيحدثوا نقلة في العمل التربوي تتلاءم مع التحديات المعاصرة.

***

قال أبو عبدالرحمن :

نحرص كثيراً على عتاب أولادنا حين يخطئون، وقد يكون ذلك بمحضر الناس وأمامهم.
لكن حين يجيد أحدهم ويفعل مايستوجب الثناء فغاية مايلقاه منا أن ينجو من اللوم.
إن تصحيح الخطأ مطلوب، وكثيرا مايدفعنا له حرصنا على مصلحة أولادنا.
لكن الثناء على المواقف الإيجابية، والإشادة بالنجاح يلبي حاجة مهمة، ويسهم في زيادة ثقة أولادنا بأنفسهم.
(هذه مشاركة من أحد الإخوة الأفاضل كان دوري فيها الاختصار وإعادة الصياغة فنشكر له ولا حرمه الله الأجر والثواب).

***

لابديل عن المجاهدة

يتساءل كثير من الإخوة والأخوات عن مشكلات يعانون منها، ومعاص لم يستطيعوا التخلص منها.ويبحثون عن وسائل تعينهم على مفارقتها، ومهما قدمت من آراء وحلول فالأساس والمنطلق هو مجاهدة النفس والانتصار عليها، وسيبقى المرء في صراع مع الشيطان والنفس الأمارة بالسوء، ينهض تارة ويكبو أخرى، ولن نصل إلى حال نستغني فيها عن مجاهدة النفس والصبر عن معصية الله.فحري بنا وحري بالمربين والوعاظ أن يضعوا أيديهم على مكمن الداء.

***

ولكن ما العمل؟

انفجر صاحبي غاضبا حين دعوته إلى التريث والعمل المنتج: ألا تعرف عمق مأساة الأمة؟
ألا ترى ماهي فيه من هوان؟
أليس لديك نخوة وغيرة؟
قلت له: جزاك الله خيرا، ونحن مقصرون كثيرا، لكن ماذا تقترح بعد ذلك؟
نحن نريد حلولا عملية واقعية تزيح الهوان والذل عن الأمة.
لنتجاوز هذا الحديث ولتقل لنا: افعلوا كذا، نحتاج أن نفعل كذا.
والخطوات يجب أن تكون واقعية وفي مقدورنا وإمكاناتنا.
وأن تكون موصلة للطريق الصحيح لامعوقة ومؤخرة عنه.
فلنُبقِ على العاطفة الخيرة، ولكن لنحولها مع ذلك إلى رصيد عملي واقعي.

***

حتى الأخبار لا تسلم من العواطف

التعامل مع الأخبار أحوج ما يكون إلى الموضوعية
لكن العاطفة تؤثر علينا كثيرا في تلقي الأخبار، فما يتفق مع عواطفنا ومشاعرنا نقبله ولو كان غير منطقي، وما لايتفق مع عواطفنا نرفضه ولو استفاض وصار حقيقة
ومصدر الآفة في ذلك أن من يحدثنا ثقة، لكن الثقة قد يبالغ، وقد يفسر الخبر، وتختلط روايته للخبر بتقويمه وتفسيره، كما أن عاطفته هو تؤدي به إلى ألا ينظر إلى الأحداث نظراً موضوعيا متجرداً
إن من مصلحتنا أن نرى الواقع كما هو سواء اتفق مع عواطفنا أو لم يتفق

***

للظلم نهاية

عن أنس قال كانت ناقة لرسول الله صلى الله عليه وسلم تسمى العضباء وكانت لا تسبق فجاء أعرابي على قعود له فسبقها فاشتد ذلك على المسلمين وقالوا سبقت العضباء فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :\"إن حقا على الله أن لا يرفع شيئا من الدنيا إلا وضعه\". .رواه البخاري
فكيف إذا كان هذا المرتفع كافرا بالله تعالى؟
فكيف إذا طغا وظلم، وتجبر وتسلط؟
فكيف إذا اعتز بسلطانه واغتر بما أوتي من قوة؟
.
فحق على الله أن يضعه، لكن الناس يستعجلون

***

من المنتصر؟

\"باسم الله رب الغلام\" تلك الكلمة التي لم يستطع الجبار أن يقتل الغلام إلا حين قالها.
فمن المنتصر أهو الملك –وهو أقوى رجل في البلد- الذي جمع قوته وبطشه وجبروته لأجل قتل غلام ضعيف، ولم يطق ذلك إلا بعد محاولات عدة، وأنواع من الأسلحة. أم الغلام الذي واجه الملك بقوته وسلطانه، وثبت على مبدئه، وتقدم للموت بنفس راضية مشتاقة للقاء الله؟
لقد مات الغلام، ومضى شهيدا، ومات الملك شقياً مذموما، فماذا ذكر التاريخ عن كل منهما؟
إن الانتصار لايقف عند الحياة الدنيا فهي ليست نهاية المطاف، فهل ندرك معنى الانتصار الحقيقي؟

***

الرؤى والأخبار الواهية

في أوقات الضعف والأزمات المتلاحقة تروج سوق الأخبار والمرويات الضعيفة، والرؤى والمنامات، ويتعلق الناس بها.

ورؤيا المؤمن حق لكن الاعتراض على الإفراط في التعامل معها، واعتبار اجتهادات المعبرين -ولو كانت تخالف سنن الله في الأمم و المجتمعات- نصاً لايقبل النزاع.

وبدلاً من السعي وراء الرؤى والأخبار الواهية جدير بنا أن نعنى بسنن الله في المجتمعات، وأن نسعى لتحميل أنفسنا ومجتمعاتنا مسؤولية النهوض بالواقع والإصلاح.

***

نحن على الطريق ننتظر الوداع

* اعتاد الذهاب مع زملائه من مدينته إلى الجامعة التي يدرس فيها، ويوم الأثنين ذهب لوحده ليصيبه حادث فيرحل للدار الباقية وهو صائم يومه ذلك.

* عرفته منذ أن كان في المرحلة الثانوية شابا صالحا -أحسبه كذلك والله حسيبه- وتقدمت السنون وكان أحد العاملين في هذا الموقع، أصابه حادث آخر ساعة من يوم الجمعة فمضى إلى الآخرة مع زوجته وطفلته الصغيرة.

* رحمهم الله جميعا ووسع مدخلهم وجعل الجنة مثواهم.

ونحن على هذا الطريق سائرون ننتظر أن يدعونا المنادي فنجيب، ولاندري متى تحل ساعتنا، فالله الله في الاستعداد  للرحيل.

نسألك اللهم حسن الختام والموت على الإسلام.

***

اجلس بنا نؤمن ساعة

نخوض في مجالسنا في أمور الدنيا.

ونتحدث أحيانا في مسائل العلم ونتباحث فيها، ونتحدث أحيانا عن هموم المسلمين وواقعهم، ونتناقش في أمور الدعوة والتربية. وهذا خير كله.

لكن الحديث حول أمور الإيمان ومايرقق القلب نادر في مجالسنا ووميضه لايتناسب مع أهميته.

فما أجمل أن يكون في حديثنا ومجالسنا مايقوي الإيمان ويزيل الغفلة كما كان الصحابة يقول أحدهم لصاحبه \"اجلس بنا نؤمن ساعة\".

***

استثمار الحدث أولى

إن التفاعل مع الأحداث أمر إيجابي، والتساؤل عن الموقف والأسلوب الصحيح في التعامل معها خطوة إيجابية.

لكن أكثر من ذلك كله وأولى منه أن ننتقل إلى أن نستبق الأحداث، ونخفف من الشرور المتوقعة، ونزيد من المكاسب الممكنة فهل نقبل هذا التحدي؟

وحين نفكر بهذا التفكير فسوف نكتشف أن فرصنا في التأثير تفوق ما نتوقعه ونحسبه.

***

لاتزال العاطفة تقودنا

ننتقد السير وراء العواطف كثيرا.

لكن لاتزال العواطف تأخذ منا حيزاً أكبر مما تستحق.

فتؤثر علينا في موقفنا من الأشخاص، وحكمنا على الأحداث، ولغة خطابنا وحديثنا، وردود أفعالنا.

ويزداد أثر العاطفة مع ضخامة الموقف وهول المفاجأة.

فمتى نتجاوز ذلك ونعطي العاطفة حجمها الطبيعي؟

وفي المقابل فالذين لاتتحرك مشاعرهم هم قوم متبلدوا الإحساس، بل هم بحاجة لمراجعة إيمانهم فالمؤمنون كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد.

فالإفراط فيها مذموم، والسير وراءها وحدها مذموم، والمنهج الحق الاعتدال ووضع كل شيء في موضعه.

***

ولا تلبسوا الحق بالباطل

إن كتمان الحق خطيئة، وقول الباطل خطيئة أعظم.

وحين يتحدث متحدث عن موقف عملي محدد وعن تنزيل الحكم الشرعي عليه فقد يقع في الخطأ بقصد وبغير قصد.

وأسوأ من ذلك كله أن نعيد مناقشة الثوابت والأحكام الشرعية لتسويغ موقف والحكم باطراده.

ولو ابتلي الإنسان بقول الباطل فلأن يقصر حديثه على موقف معين أولى من أن يناقش المسلمات الشرعية، وأولى من ذلك أن يسكت عن قول الباطل، وأولى من ذلك كله أن يقول الحق.

فاللهم ارزقنا الفقه في الدين واجعلنا من أولياءك المتقين .

***

لا تخافوا على الإسلام

يملك المسلمون الخيرون عاطفة تجاه الإسلام، ويخشون في كل موطن على مستقبله.
إنها مشاعر خيرة وجميلة، وحري بالمؤمن ألا يتمحور حول ذاته.
لكن لاننسى أن أمر الله فوق أمر البشر، وأن نور هذا الدين أكبر وأعظم من يطفئه عدو حاقد، أو أن يخبته تصرف لم يحسب صاحبه عواقبه.
فلنتساءل دوما ماذا قدمنا لديننا؟ وماذا عملنا؟ أما الإسلام فأمره بيد من قال (والله متم نوره ولو كره الكافرون).

***

قدر لي هذه الأيام أن أزور بعض البلاد التي تخلصت من الحكم الشيوعي وصليت في بعض مساجدها فرأيت معظم المصلين من كبار السن الذين احدودبت ظهورهم.
إنهم لايتركون الصلاة في المسجد حتى في البرد القارس.
وعجبت كيف حافظ هؤلاء على الدين مع هذه السنين المتطاولة من البطش والتضييق، ومع فقدان المعين والناصر، لكنه هذا الدين بإعجازه وعظمته.
وتمنيت أن الشباب المهتدين حديثا الذين يختصمون معهم حول بعض البدع العلمية، وحول كثير من سنن الصلاة يدركون هذه القضية ويتسمون بالحكمة والعلم والبصيرة.
وتمنيت أن يراهم شبابنا الذين يسافرون يمنة ويسرة باحثين عما لايجدونه في بلادهم من الفساد.
إن إبراز هذه الصور والاعتناء بهذه الجوانب ربما أفادنا كثيراً.

***

لازلنا نضيق ذرعاً بالخلاف

على المستوى النظري نقرر دوما أنه يجب أن تتسع صدرونا للخلاف والرأي الآخر، ونعيب من يضخم الأمور الخلافية.

لكننا على المستوى العملي لانزال نضيق ذرعاً بالخلاف، ونصاب بصدمة حين ينقل لنا أن فلاناً قال بكذا أو رأى كذا مع أن المسألة تقبل الاجتهاد، وليس فيها نص يلزم اتباعه.

ونُكوِّن مواقف سلبية تجاه من قرروا في مسائل معينة، أو حفظت لهم أقوال تخالف ما هو سائد عندنا، ويتحول الأمر من تعظيم للنصوص إلى تعظيم للقناعات الشخصية.

ثمة مسافة شاسعة بين التقرير النظري والواقع العملي، وعلينا أن ندرك أن جهد تقرير المفاهيم والمنطلقات لاينتهي بمجرد الإقناع المعرفي لها ما لم نعايشها في الواقع.

***

أليس هذا هو الحل الذي ينبغي اتباعه.

بلى: لكنه غير واقعي، وصاحبي لا يستطيع أن يفعله، فسيكون البديل حينها أسوأ مما تريد.

إذا أنت تدعوني إلى التنازل؟

لا لست أدعوك إلى التنازل، ولكن سم الأمور بأسمائها، أدعوك إلى أن ترتكب أدنى المفسدتين حين تضطر إليهما، وأدعوك إلى أن تفعل أعلى المصلحتين حين تتعارضان.

هذا حوار دار بين شخصين حول مشكلة أحد أبنائهما.

إننا قد نكون مثاليين في حلولنا.

وقد نفكر في مشكلات الناس بعقولنا نحن لا بعقولهم هم.

وقد نجعل من حياتنا الشخصية وتجاربنا معيارا نحاكم الناس إليه.

فلو غيرنا في ذلك كله لتغيرت نظرتنا لمشكلات أولادنا وطلابنا.

 

***

يسود في مجالس طائفة من الخيرين والغيورين انتقاد الواقع المعاصر، والحديث عن حجم الفساد المنتشر في المجتمع.

والانتقاد للواقع المخالف أمر لاغبار عليه، بل هو خطوة لابد منها للإصلاح، لكن هذا الانتقاد كثيرا مايجاوز حد الاعتدال، فيُبالَغ في تصوير حجم الفساد، ويُضخَّم من قدر المفسدين وتمكنهم وجهدهم وتضحيتهم..، وفي المقابل يهمش جهد المصلحين، ويقلل من قدراتهم.

إن الدعاة إلى الله تبارك وتعالى -بغض النظر عن ضآلة إمكاناتهم- يملكون جوانب من القوة لا يملكها غيرهم، ومنها:
أولا: توفيق الله وإعانته، فالأمور كلها بمشيئة الله عز وجل، ونواصي الخلق بيده، وقد كتب الغلبة والتمكين لأوليائه (كتب الله لأغلبن أنا ورسلي).
ثانيا : الدعاة وحدهم هم الذين يدعون الناس إلى طريق الفطرة التي فطر الناس عليها، وإلى المنهج الذي يتفق فيه الشرع والعقل ولا يتعارضان.
ثالثا: أنهم يرفعون صوتهم عاليا، ويعلنون أهدافهم بوضوح، ويفتخرون بسيرهم في هذا الطريق، بخلاف غيرهم الذين يظهرون خلاف ما يبطنون، ويحلفون على الكذب وهم يعلمون.
رابعاً: أنهم على خير إن أصابتهم سراء وتمكين شكروا، وإن أصابتهم ضراء صبروا واحتسبوا وراجعوا أنفسهم، فكان ذلك كله خيراً لهم.
خامسا: أنهم محفوفون بتأييد عباد الله وأوليائه الصالحين، فهم يرفعون أكف الضراعة لهم ويسألون الله عونهم وتوفيقهم، وكم في هؤلاء من لو أقسم على الله لأبره؟ وإنما ينصر الناس ويرزقون بضعفائهم.أيها الدعاة إلى الله: أنتم الأقوى لو تعلمون فسيروا في طريق الخير، وانشروا دعوة الإسلام في أرجاء المعمورة (ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين. إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله وتلك الأيام نداولها بين الناس)

 

***

 

لازلت أذكر ذلك اليوم قبل ثلاثين عاما، حين كنا في تلك القرية الصغيرة التي لم يصل إليها كهرباء أو طريق معبد، وكنا نريد بناء جزء إضافي في منزلنا. وكل الذي تطلبه الأمر اجتماع مجموعة من الرجال، ويبدأ أحدهم ليخط في الأرض بقدمه محددا الأبعاد، ثم يتعاون الجميع في البناء تحت إشراف من يسمونه (الإستاد) الذي لم يلتحق بأي معهد فني بل تعلم بالممارسة، وكانت النساء يقمن بتجهيز مواد التسقيف التي تشمل جريد النخل، كما يقمن بتجهيز ما يحتاجه الرجال من طعام. وتمت عملية البناء في يوم أو يومين. واليوم حين تحتاج للبناء فلا بد من مهندس، بل عدة مهندسين، ومتخصص، بل عدة متخصصين في كل ميدان من ميادين العمل. ومثل ذلك المدرسة التي كان يديرها ويدرس فيها شخص واحد لم ير يوما ما كلية إعداد معلمين، ولم يقرأ كتابا في التربية وعلم النفس. واليوم زاد الأمر تعقيداً. لذا فأولئك الذي يرون أن التربية اليوم في ظل هذه المجتمعات يمكن أن تتم بصورة تلقائية كما كانت تتم من ذي قبل، ويرون أن نجاح آبائنا في تربيتهم -وهم لايعرفون أسس التربية المعاصرة- دليل على عدم حاجتنا لذلك. على هؤلاء أن يعيدوا النظر في اقتناعهم، أو يبنوا بيوتهم بالطريقة نفسها. فالحياة قد تعقدت وتغيرت جوانب كثيرة فيها، وهذا يعني أن ما يصلح لعصر من وسائل وأساليب ليس بالضرورة يصلح لسائر العصور. 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply