القناعة والعفاف والاقتصاد في المعيشة


 

بسم الله الرحمن الرحيم

والإنفاق وذم السؤال

 

قال اللَّه - تعالى -: {وما من دابة في الأرض إلا على اللَّه رزقها}. (هود 6)

وقال - تعالى -: {للفقراء الذين أحصروا في سبيل اللَّه لا يستطيعون ضرباً في الأرض يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف تعرفهم بسيماهم لا يسألون الناس إلحافاً}. (البقرة 273)

وقال - تعالى -: {والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا، وكان بين ذلك قواماً}. (الفرقان 67)

وقال - تعالى -: {وما خلقت الإنس والجن إلا ليعبدون، ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون}. (الذاريات 56، 57)

عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((ليس الغنى عن كثرة العرض، ولكن الغنى غنى النفس)) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.

((العرض)) بفتح العين والراء هو: المال.

وعن عبد اللَّه بن عمرو - رضي الله عنه - أن رَسُول اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قال: ((قد أفلح من أسلم، ورزق كفافاً، وقنعه اللَّه بما آتاه)) رَوَاهُ مُسلِمٌ.

وعن حكيم بن حزام - رضي الله عنه - قال: سألت رَسُول اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فأعطاني، ثم سألته فأعطاني، ثم سألته فأعطاني، ثم قال: ((يا حكيم إن هذا المال خضر حلو، فمن أخذه بسخاوة نفس بورك له فيه، ومن أخذه بإشراف نفس لم يبارك له فيه، وكان كالذي يأكل ولا يشبعº واليد العليا خير من اليد السفلى)) قال حكيم فقلت: يا رَسُول اللَّهِ والذي بعثك بالحق لا أرزأ أحداً بعدك شيئاً حتى أفارق الدنيا. فكان أبو بكر - رضي الله عنه - يدعو حكيماً ليعطيه فأبى أن يقبله، فقال: يا معشر المسلمين أشهدكم على حكيم أني أعرض عليه حقه الذي قسم اللَّه له في الفيء فيأبى أن يأخذه. فلم يرزأ حكيم أحداً من الناس بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى توفي. مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.

((يرزأ)): أي لم يأخذ من أحد شيئاً.

و ((إشراف النفس)): تطلعها وطمعها بالشيء.

و ((سخاوة النفس)) هي: عدم الإشراف إلى الشيء والطمع فيه والمبالاة به الشره.

 وعن أبي بردة عن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - قال: خرجنا مع رَسُول اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - في غزاة ونحن ستة نفر بيننا بعير نعتقبه، فنقبت أقدامنا ونقبت قدمي وسقطت أظفاري، فكنا نلف على أرجلنا الخرق، فسميت غزوة ذات الرقاع لما كنا نعصب على أرجلنا من الخرق. قال أبو بردة: فحدث أبو موسى بهذا الحديث ثم كره ذلك وقال: ما كنت أصنع بأن أذكره! قال كأنه كره أن يكون شيئاً من عمله أفشاه. مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.

 وعن عمرو بن تغلب - رضي الله عنه - أن رَسُول اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أتي بمال أو سبي فقسمه فأعطى رجالاً وترك رجالاً فبلغه أن الذين ترك عتبوا فحمد اللَّه ثم أثنى عليه ثم قال: ((أما بعد فوالله إني لأعطي الرجل وأدع الرجل، والذي أدع أحب إلي من الذي أعطي، ولكني أعطي أقواماً لما أرى في قلوبهم من الجزع والهلع، وأكل أقواماً إلى ما جعل اللَّه في قلوبهم من الغنى والخير. منهم عمرو بن تغلب)) قال عمرو بن تغلب: فوالله ما أحب أن لي بكلمة رَسُول اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - حمر النعم. رَوَاهُ البُخَارِيٌّ.

((الهلع)) هو: أشد الجزع. وقيل: الضجر.

وعن حكيم بن حزام - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((اليد العليا خير من اليد السفلى، وابدأ بمن تعول، وخير الصدقة عن ظهر غنىً، ومن يستعفف يعفه اللَّه، ومن يستغن يغنه اللَّه)) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.

وعن أبي سفيان - رضي الله عنه - قال، قال رَسُول اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: ((لا تلحفوا في المسألة، فوالله لا يسألني أحد منكم شيئاً فتخرج له مسألته مني شيئاً وأنا له كاره فيبارك له فيما أعطيته)) رَوَاهُ مُسلِمٌ.

وعن أبي عبد الرحمن عوف - رضي الله عنه - قال: كنا عند رَسُول اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - تسعة أو ثمانية أو سبعة فقال: ((ألا تبايعون رَسُول اللَّهِ)) وكنا حديثي عهد ببيعة فقلنا: قد بايعناك يا رَسُول اللَّهِ. ثم قال: ((ألا تبايعون رَسُول اللَّهِ؟)) فبسطنا أيدينا وقلنا: قد بايعناك يا رَسُول اللَّهِ فعلام نبايعك؟ قال: ((على أن تعبدوا اللَّه ولا تشركوا به شيئاً، والصلوات الخمس، وتطيعوا)) وأسر كلمة خفية: ((ولا تسألوا الناس شيئاً)) فلقد رأيت بعض أولئك النفر يسقط سوط أحدهم فما يسأل أحداً يناوله إياه. رَوَاهُ مُسلِمٌ.

وعن ابن عمر - رضي الله عنهما - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((لا تزال المسألة بأحدكم حتى يلقى اللَّه - تعالى - وليس في وجهه مُزعَةُ لحم)) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.

((المزعة)) بضم الميم وإسكان الزاي وبالعين المهملة: القطعة.

وعنه - رضي الله عنه - أن رَسُول اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قال وهو على المنبر وذكر الصدقة والتعفف عن المسألة: ((اليد العليا خير من اليد السفلى. واليد العليا هي المنفقة، والسفلى هي السائلة)) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.

وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال، قال رَسُول اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: ((من سأل الناس تكثراً فإنما يسأل جمراً فليستقل أو ليستكثر)) رَوَاهُ مُسلِمٌ.

 وعن سمرة بن جندب - رضي الله عنه - قال، قال رَسُول اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: ((إن المسألة كد يكد بها الرجل وجهه، إلا أن يسأل الرجل سلطاناً، أو في أمر لا بد منه)) رَوَاهُ التِّرمِذِيٌّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صحيح.

((الكد)): الخدش ونحوه.

 وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال، قال رَسُول اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: ((من أصابته فاقة فأنزلها بالناس لم تسد فاقته، ومن أنزلها بالله فيوشك اللَّه له برزق عاجل أو آجل)) رواه أبو داود والترمذي وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ.

((يوشك)): أي يسرع.

وعن ثوبان - رضي الله عنه - قال، قال رَسُول اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: ((من تكفل لي أن لا يسأل الناس شيئاً وأتكفل له بالجنة؟)) فقلت: أنا. فكان لا يسأل أحداً شيئاً. رواه أبو داود.

وعن قبيصة بن المخارق - رضي الله عنه - قال: تحملت حمالة فأتيت رَسُول اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أسأله فيها فقال: ((أقم حتى تأتينا الصدقة فنأمر لك بها)) ثم قال: ((يا قبيصة إن المسألة لا تحل إلا لأحد ثلاثة: رجل تحمل حمالة فحلت له المسألة حتى يصيبها ثم يمسك، ورجل أصابته جائحة اجتاحت ماله فحلت له المسألة حتى يصيب قواماً من عيش أو قال سداداً من عيش، ورجل أصابته فاقة حتى يقول ثلاثة من ذوي الحجى من قومه لقد أصابت فلاناً فاقة فحلت له المسألة حتى يصيب قواماً من عيش أو قال سداداً من عيشº فما سواهن من المسألة يا قبيصة سحت يأكلها صاحبها سحتاً)) رَوَاهُ مُسلِمٌ.

((الحمالة)): أن يقع قتال ونحوه بين فريقين فيصلح إنسان بينهم على مال يتحمله.

و ((الجائحة)): الآفة تصيب مال الإنسان.

و ((القوام)): ما يقوم به أمر الإنسان من مال ونحوه.

و ((السداد)): ما يسد حاجة المعوز ويكفيه.

و ((الفاقة)): الفقر.

و ((الحجى)): العقل.

 وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رَسُول اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قال: ((ليس المسكين الذي يطوف على الناس ترده اللقمة واللقمتان والتمرة والتمرتان، ولكن المسكين الذي لا يجد غنىً يغنيه، ولا يفطن له فيتصدق عليه، ولا يقوم فيسأل الناس)) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.

وعن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: كان رَسُول اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يعطيني العطاء فأقول: أعطه من هو أفقر إليه مني. فقال: ((خذه: إذا جاءك من هذا المال شيء وأنت غير مشرف ولا سائل فخذه فتموله فإن شئت كله وإن تصدق به، وما لا فلا تتبعه نفسك)). مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.

((مشرف)) بالشين المعجمة: أي متطلع إليه.

 وعن الزبير بن العوام - رضي الله عنه - قال: قال رَسُول اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: ((لأن يأخذ أحدكم أحبله ثم يأتي الجبل فيأتي بحزمة من حطب على ظهره فيبيعها فيكف اللَّه بها وجهه خير له من أن يسأل الناس، أعطوه أو منعوه)) رَوَاهُ البُخَارِيٌِّ.

وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال، قال رَسُول اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: ((لأن يحتطب أحدكم حزمة على ظهره خير من أن يسأل أحداً فيعطيه أو يمنعه)) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.

وعنه - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((كان داود - عليه السلام - لا يأكل إلا من عمل يده)) رَوَاهُ البُخَارِيٌّ.

وعنه - رضي الله عنه - أن رَسُول اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قال: ((كان زكريا - عليه السلام - نجاراً)) رَوَاهُ مُسلِمٌ.

وعن المقداد بن معد يكرب - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((ما أكل أحد طعاماً قط خيراً من أن يأكل من عمل يده إن نبي اللَّه داود - عليه السلام - كان يأكل من عمل يده)) رَوَاهُ البُخَارِيٌّ

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply