بسم الله الرحمن الرحيم
فالواجب على الإنسان أن يكون عبدا لله في أقواله و أفعاله و حركاته و سكناته و في كل شأن من شئون حياته، يتحرى صحة العمل و إخلاص العبودية لله - تعالى -.
\" {فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا و لا يُشرك بعبادة ربه أحدا} سورة الكهف(11)، و الطاعة بالنسبة للمؤمن كالماء للسمك و الهواء للإنسان، فلا تُتصور حياة حقيقية في غيبة معاني الإيمان و العمل الصالح.
\" أو من كان ميتا فأحييناه و جعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها\" سورة الأنعام (122).
\"وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب و لا الإيمان و لكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا و إنك لتهدي إلى صراط مستقيم\"سورة الشورى(52).
بل هو إذا ما حيل بينه و بين طاعة ربه يحزن و يشفق على نفسه، حتى و إن كان معذورا كحالة السبعة الذين أرجعهم النبي - صلى الله عليه وسلم - من غزوة تبوك، رجعوا و هم يبكون فذكر ربنا - جل و علا - حالتهم: \" و لا على الذين أتوك لتحملهم قلت لا أجد ما أحملكم عليه تولوا و أعينهم تفيض من الدمع حزنا ألا يجدوا ما ينفقون\" سورة التوبة(92).، و كما قالوا: إذا أردت أن تعرف مقامك فانظر أين أقامك، و كان شداد بن أوس - رضي الله عنه - يقول: * إذا رأيت الرجل يعمل بطاعة الله فاعلم أن لها عنده أخوات، و إذا رأيت الرجل يعمل بمعصية الله أن لها عنده أخوات، فإن طاعة الله تدل على أختها و إن المعصية تدل على أختها\".
\"فأما من أعطى و اتقى‘5‘ و صدق بالحسنى‘6‘ فسنيسره لليسرى‘7‘ و أما من بخل و استغنى‘8‘ و كذب بالحسنى ‘9‘ فسنيسره للعسرى\" سورة الليل(5-10).
و المعصية مذلة و مهانة و ضنك و شقاء و لذلك كان البعض يقول: * رأيت المعاصي نذالة فتركتها مروءة فاستحالت ديانة\".
و كان الحسن يقول: * فإنهم و إن طقطقت بهم البغال و هملجت بهم البراذين فإن ذل المعصية لا يفارق رقابهم، *أبى الله إلا أن يذل من عصاه* و لذلك فالمؤمن الكيس الفطن هو الذي تنقل من طاعة إلى طاعة و من عبادة إلى عبادة، و رائده في ذلك قول الله - تعالى - لنبيه - صلى الله عليه وسلم -: \" و اعبد ربك حتى يأتيك اليقين\" سورة الحجر(99). و اليقين هو الموت.
أمره بعبادته إذا قصر عباده في خدمته، و أن ذلك يجب عليه، و معنى الآية: لا تنفك عن طاعة الله و لا تفارق هذا حتى تموت، و هذا كما قال العبد الصالح: \" و أوصاني بالصلاة و الزكاة مادمت حيا\" سورة مريم(31).
و الدليل على أن اليقين هو الموت، ما رواه البخاري من حديث أم العلاء الأنصارية - وكانت من المبايعات- و فيه: فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: \" أما عثمان بن مظعون فقد جاءه اليقين و إني لأرجو له الخير، و الله ما أدري و أنا رسول الله ما يُفعل به\".
و كان عمر بن عبد العزيز يقول: ما رأيت يقينا أشبه بالشك من يقين الناس بالموت، ثم لا يستعدون لهº يعني كأنهم شاكّون.
و قد روى جبير بن نفير عن أبي مسلم الخولاني أنه سمعه يقول: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: \" ما أوحي إلي أن أجمع المال و أكون من التاجرين، و لكن أوحي إلي أن أسبح بحمد ربك و كن من الساجدين و اعبد ربك حتى يأتيك اليقين\".
و المسلم يعلم أن رب رمضان هو رب سائر العام، و استعداده للقاء الله يدعوه دائما لاغتنام كل لحظة و صرفها في طاعة الله حتى و هو يأكل و يشرب و ينام و يعمل و يتكسب و يأتي سائر شئونه، فهو لا ينفك فيه عن طاعة ربه، و ذلك لأنه يُستن فيها بسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - و ينتوي فيها نية الطاعة.
و قد وسع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مدلول الصدقة فقال: \" تبسمك في وجه أخيك صدقة\"، و قال: \" و في بضع أحدكم صدقة\".
و إذا كان المسلم ينتقل من عبادة إلى أخرى في رمضان لتأكد الطاعة فيه، فهناك مجال واسع للعبادة بعد رمضان، فما نكاد نرى هلال شوال حتى نخرج من اعتكافنا، و نستعد لعيد فطرنا، و الأعياد من أعظم شعائر الدين، فعن أنس - رضي الله عنه - قال: \" قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة و لهم يومان يلعبون فيهما فقال: \" ما هذان اليومان؟ \" قالوا: كنا نلعب فيهما في الجاهلية فقال - صلى الله عليه وسلم -: \" أبدلكم الله خيرا منهما يوم الأضحى و يوم الفطر\" رواه أبو داوود و هو حديث صحيح\".
و يتأكد الإكثار من ذكر الله عقب الانتهاء من الفرائض كالصلاة و الصيام و الحج، فدبر الصلاة بعد أوقات من الإجابة.
و يُشرع للإنسان فيه الاستغفار و التسبيح و التحميد و التكبير، و تلاوة آية الكرسي، و قل هو الله أحد و المعوذتين، و\" اللهم أنت السلام و منك السلام تباركت ياذا الجلال و الإكرام\"، و \"اللهم أعني على ذكرك و شكرك و حسن عبادتك\"، و غيرها من الأذكار التي تشرع عقب الصلاة.
و يقول - تعالى -: \" فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو أشد ذكرا\" سورة البقرة(200) و هذا هو الحج.
و يقول - سبحانه -: \" و لتكملوا العدة و لتكبروا الله على ما هداكم و لعلكم تشكرون\" سورة البقرة(185).
و هذه الآية وردت بشأن الصيام، حيث يُشرع للمسلمين أن يبدوا التكبير في عيد الفطر من رؤية الهلال حتى يغدو الناس إلى المصلى و حتى يصعد الإمام المنبر، و يستأنف العباد شهر شوال بانقضاء شهر رمضان حيث يكونون قد تزودوا بزاد التقوى و شعروا بحلاوة الإيمان و دفء اليقين و تربوا تربية إيمانية يستصحبونها في سيرهم إلى الله في شوال و في سائر أشهر العام.
قال - تعالى -: \" إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السماوات و الأرض منها أربعة حرم ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن أنفسكم\"سورة التوبة(36).
فبيّن - سبحانه - أنه وضع الشهور و سماها بأسمائها على ما رتبها عليه يوم خلق السماوات و الأرض، و أنزل ذلك على أنبيائه في كتبه المنزلة، و حكمها باق على ما كانت عليه لم يزلها عن ترتيبها تغيير المشركين لأسمائها.
و المقصود من ذلك اتباع أمر الله فيها و رفض ما كان عليه أهل الجاهلية من تأخير أسماء الشهور و تقديمها، و تعلق الأحكام على الأسماء التي رتبوها عليه، و لذلك قال - صلى الله عليه وسلم - في خطبته في حجة الوداع: \" يا أيها الناس إن الزمان قد استدار كهيأته يوم خلق السماوات والأرض\"، و هذه الآية تدل على أن الواجب تعليق الأحكام من العبادات و غيرها، إنما يكون بالشهور و السنين التي تعرفها العرب دون الشهور التي تعتبرها العجم و الروم و القبط، و إن لم تزد على اثني عشر شهرا، لأنها مختلفة الأعداد منها ما يزيد على ثلاثين و منها ما ينقص.
و شهور العرب لا تزيد على ثلاثين و إن كان منها ما ينقص و الذي ينقص ليس يتعين له شهر، و إنما تفاوتها في النقصان و التمام على حسب اختلاف سير القمر في البروج.
و شهر شوال الذي يعقب رمضان هو من جملة أشهر الحج و يعقب ذلك ذو القعدة و ذو الحجة و كلاهما من أشهر الحج و الأشهر الحرم.
فهل يليق بنا أن نقلل من طاعتنا و عبوديتنا في هذه الأشهر؟! يقول الله - تعالى -: \" الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث و لا فسوق و لا جدال في الحج: \" سورة البقرة(197). فجميع السنة وقت للإحرام بالعمرة و أما الحج فيقع في السنة مرة، فلا يكون في غير هذه الأشهر.
قال بن مسعود و بن عطاء و بن عمر و عطاء الربيع و مجاهد والزهري: أشهر الحج شوال و ذو القعدة و ذو الحجة كله، و قال بن عباس و السُدِّي و الشعبي و النخعي: هي شوال و ذو القعدة و عشرة من ذي الحجة.
فشمر عن ساعد الجد، واحذر التسويف و احذر طريقة قوم غرهم طول الأمل قال - تعالى -: \" فاستبقوا الخيرات\" سورة البقرة(148). و قال - تعالى -: \" و سارعوا إلى مغفرة من ربكم و جنة عرضها السماوات و الأرض أعدت للمتقين\" سورة آل عمران (133).
و عن جابر - رضي الله عنه - قال: قال رجل للنبي - صلى الله عليه وسلم - يوم أحد: \" أرأيت إن قُتِلتُ فأين أنا؟، قال: \" في الجنة\"، فألقى تمرات كانت في يده ثم قاتل حتى قُتل\" (متفق عليه)، و عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: \" يا رسول الله أي الصدقة أعظم أجرا؟، قال: \" أن تصَّدَّق و أنت صحيح شحيح تخشى الفقر و تأمل الغنى، و لا تمهل حتى إذا بلغت الحلقوم، قلت لفلان كذا و لفلان كذا و قد كان لفلان\"(متفق عليه)، و عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: \" بادروا بالأعمال سبعا: هل تنتظرون إلا فقرا منسيا، أو غنىً مطغيا، أو مرضا مفسدا، أو موتا مجهزا، أو الدجال فشر غائب يُنتظر، أو الساعة فالساعة أدهى و أمر\" رواه الترمذي و قال: *حديث حسن*.
و نصيحتي لنفسي و لإخواني، أن ننصبغ بصبغة الإسلام في يومنا و ليلتنا فنحافظ على تأدية جميع الصلوات في وقتها\" إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا\" سورة النساء(103).
و يجب على الرجل أن يصلي في جماعة المسجد كما ينبغي المحافظة على السنن القبلية و البعدية، و الإكثار من تلاوة القرآن و ذكر الله - تعالى - و خصوصا الأذكار الموظفة كأذكار الشروق و الغروب و أذكار النوم.
و على العبد أن يتفكر في الموت و القبر و الآخرة و الوقوف بين يدي من لا يخفى عليه خافية، و تطير الصحف إلى اليمين و إلى الشمال.
و احرص على الإكثار من الدعاء فالدعاء هو العبادة و لن يهلك من الدعاء أحد، و إذا أُلهم العبد الدعاء فإن الإجابة معه، و لا تعارض بين ذلك كله و بين العمل و التكسب و القيام بواجب الدعوة إلى الله - تعالى -.
فاللهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري، و أصلح لي دنياي التي فيها معاشي، و أصلح لي آخرتي التي فيها معادي، واجعل الحياة زيادة لي في كل خير و اجعل الموت راحة لي من كل شر.