ثياب الرياء والزور


 

بسم الله الرحمن الرحيم

قاتَلَ الله الـتَّصَنٌّع ما أسرَع افتِضَاحه

ما يَلبَث أن يُهتَك سِتره

فكما تُظهِر فَلَتات اللِّسَان مَخبُوء الجَنَان

كذلك يَغلِب الطّبعَ التَّطَبٌّع

فَيَنكَشِف رَقيق سِترِه

وتَبدُو حَقائق أمرِه

فَثَوبُ الرياء رَقيق شفّاف يَشِفّ عما تحته!

يقول أبو ذؤيب:

ثَوبُ الرِّياء يَشِفٌّ عَّما تَحتَهُ *** فإذا التَحَفتَ بهِ فإنّك عَارِي

والهُونُ فِي ظِلِّ الهوَينَا كَامِنٌ *** وَجَلالَةُ الأخطارِ في الأخطَارِ

والـتَّصَنٌّع بِضاعةٌ جَاهِليّة!

كان الرجل في الجاهلية يَلبس ثوبين إذا كان رأسًا في الناس!

وكان أهل الـتَّصَنّع آنذاك يَتَزَيّنون بما ليس فيهم فَيَتَصَنّع - أحدهم - بأكمَامٍ, إضافية! فيبدو كأنه يَلبس ثوبين حتى يُحسَب من أهل الشَّرف والسِّيادة!

أفٍّ, لتلك الأنفس التي رَضيت من الشَّرَف بـ \" أطراف أكمَام\"!

والتي تَصَنّعت بالزٌّور لِتُمدَح بما ليست مِن أهله أو بما لم تنله ولن تنله!

نُفُوس مَريضة تَزَيّنَت بما شَانَهَا

إذ ليس السٌّمُوّ إلى العَلياء مِن شِأنِهَا!

تَمَسَّكَت بأهدَاب وتَبِعَت سَرَاب

فَكَانَت كأصَمِّ الكِلاب! نَبَح لما رأى الكِلاب تَتَثَاءب!

وهذا المَرَض قد جاء دِيننا بِعلاجَه..

جاء ذَمّ المُتَشَبِّع بما لَم يُعطَ.. وجاء النهي عن الـتَّشَبٌّع بما ليس في الإنسان أو أن يكذب بأنّ \" لَهُ.. وَعِندَه\"

وشَبَّـه النبي - صلى الله عليه وسلم - فاعِل ذلك بـ \" لابِس ثَوبي زُور \".

فَهو: مُتَصَنِّع - مُتَبَاهٍ, - في نَفسِه مُتَعَاظِم.

وحذَّر النبي - صلى الله عليه وسلم - من أن يَتَعاظَم الإنسان في نفسه، أو يَختال في مِشيَتِه، فقال - عليه الصلاة والسلام -: مَن تَعَظَّمَ في نفسه أو اختَال في مِشيَته لقي الله وهو عليه غضبان. رواه الإمام أحمد والبخاري في الأدب المفرد وغيرهما.

قال الصنعاني: أي مَن عَظَّمَ نَفسَه إما باعتقاد أنه يَستحق مِن التعظيم فوق ما يَستحقه غيره ممن لا يعلم استحقاقه الإهانة.

ويُحتَمل هنا أن تَعَاظَم بمعنى تَعَظّم - مُشَدَّدَة - أي: اعتقد في نفسه أنه عَظيم. اهـ.

ومَتى تَعاظَم الإنسان في نفسه تَرَفَّع على غيره، وهذه شُعبَة مِن الكِبر.

إذ الكِبر يَدور على أمرَين:

الأول: دَفـع الحَـقّ ورَدّه.

والثاني: ازدراء الناس واحتقارهم. وهَذَان نَاتِجان عن تَعاظُم النفس..

وقد سُئل النبي - صلى الله عليه وسلم -: ما الكِبر؟ قال: سَفَه الحَقّ، وغَمط الناس. رواه الإمام أحمد والبخاري في الأدب المفرد.

وفي حديث ابن مسعود: الكِبر بَطَر الحق وغَمط الناس. رواه مسلم. وفي رواية لأحمد: الكِبر مَن سَفِهَ الحَقّ وازدَرى الناس. رواه الإمام أحمد.

قال النووي: أما بَطَر الحق فهو دَفعُه وإنكاره تَرَفٌّعًا وتَجَبٌّرًا. وقال ابن الأثير: \" وغمص الناس \" أي احتَقَرَهم ولم يَرَهم شيئا. وقال السِّندي: \" سَفَه الحقّ \" أي يَرى الحقّ سَفَها وباطِلا، فلا يَقبَله، ويَتَعَظّم عنه. اهـ.

وقد تَعَوّذ الصَّالِحُون مِن تَعَاظُم ذَواتهم في نُفوسهم، قال عتبة بن غزوان: أعُوذ بالله أن أكون في نَفسِي عَظيما، وعِند الله صَغيرا. رواه مسلم. فالـتَّعاظُم مِن طَبعِ إبليس! قال - عليه الصلاة والسلام -: لا تَقُل تَعِسَ الشيطان، فإنك إذا قُلتَ تَعِس الشيطان تَعَاظَم حتى يكون مثل البيت، ويقول: بِقُوّتي صَرَعتُه! وإذا قُلتَ بِسم الله تَصَاغَر حتى يصير مثل الذباب. رواه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي في الكبرى.

ويَكفي في قُبِح الـتَّعَاظُم أنه مِن طَبع إبليس! وأن إبليس أُخرِج من الجنة بسبب ما عِندَه مِن الكِبر. (قَالَ فَاهبِط مِنهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَن تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخرُج إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ)

فاللهم إني أعُوذ بالله أن أكون في نَفسِي عَظيما، وعِندك صَغيرا.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply