\ الحسنة بعد الحسنة : طريقك إلى الجنة\


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الحمد لله وحده لا شريك له، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد:

فإن التناسب بين الحسيات والمعنويات أمر ظاهر لا يُنكر، وما من أمر معنوي إلا وله في الحسيات مثال يقرره ويُجلي معناه.

ولا أدل على ذلك من تواطؤ الملة والشريعة والأعراف على ضرب الأمثال للمعنويات بالحسيات.

انظر مثلاً- لضرب الملة المثل لتشتت حال المشرك بالله بالعبد المملوك لشركاء متشاكسين متنازعين فيه كل له مطلب يريد تنفيذه ويريد الآخر غيره فلا تمكن راحته ولا تسل عن تشتت حاله، قال الله: \"ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً رَجُلاً فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلاً سَلَماً لِرَجُلٍ, هَل يَستَوِيَانِ\" [الزمر: 29] فهذا مثال حسي لتقرير أمر معنوي، وبينهما من التناسب ما هو لائح للفهم مستقر في العقل.

وانظر مثلاً- لضرب الشريعة المثل لتطهير الصلوات الخمس العبد من خطاياه باغتسال أحدنا بنهر جار على بابه خمس مرات في اليوم، قال - صلى الله عليه وسلم -: \"أرأيتم لو أن نهراً بباب أحدكم يغتسل منه كل يوم خمس مرات، هل يبقى من درنه شيء؟ \" قالوا: لا يبقى من درنه شيء. قال: \"فذلك مثل الصلوات الخمس يمحو الله بهن الخطايا\" [متفق عليه].

فهذا مثال حسي لتقرير أمر معنوي، وبينهما من التناسب ما هو لائح للفهم مستقر في العقل.

وانظر في واحد مما شئت من أمثال الناس السائرة في أعرافهم ليظهر لك تقرير أمر معنوي بمثال في الحسيات يناسبه، كضربهم المثل للخير الكثير ينشأ من أمر قليل بقولهم: \"أول الشجرة النواة\".

وإلى كل منتفع بالذكرى أُذكِّر بضرب مثل:

أرأيت عاملاً اقتضت مصلحته لتحسين أدائه وإتقان عمله وإرضاء مستعمله الانخراط في دورة تدريب يتزود فيها من مهارات عمله بالدٌّربة على أفاضل مهاراته، فانخرط فيها ومارس الدٌّربة؟!

ماذا ترى تكون منـزلة أدائه بعد انقضاء دورته؟! أتراه يؤدي مهارات الدورة في عمله فترقى منـزلته وتثبت قدمه ويُحمد أمره؟! أم تراه لا يستفيد من دورته شيئاً فتنحدر منـزلته وتزول قدمه وتعظم مذمته؟!

إذا عقلت ذلكº فاعقل أنه إذا كانت العبودية لله هي عملك الذي خلقت له وهي العهد والعقد بينك وبين خالقك - عز وجل - فإنك قد خرجت قبل ليالٍ, من دربة في شهر رمضان على أفاضل أعمال العبودية لله، فماذا تُرى تكون منـزلة عبوديتك لله بعد انقضاء هذه الدورة؟!

لقد تدربنا في رمضان على الصوم وتتابعه، والصوم من أفضل أعمال العبودية وأحبها إلى الله، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: \"قال الله - عز وجل -: كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به\" إلى أن قال: \"لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك\" [متفق عليه].

وتدربنا في رمضان على قيام الليل، وهو من أفضل أعمال العبودية وأحبها إلى الله، قال - صلى الله عليه وسلم -: \"أفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل\" رواه مسلم، وقال - صلى الله عليه وسلم -: \"أحب الصلاة إلى الله صلاة داود، وأحب الصيام إلى الله صيام داود، كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه، ويصوم يوماً ويفطر يوماً\" [متفق عليه].

وتدربنا في رمضان على الصدقة وهي من أفضل أعمال العبودية وأحبها إلى الله، قال - صلى الله عليه وسلم -: \"من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب ولا يصعد إلى الله إلا الطيب، فإن الله يتقبلها بيمينه، ثم يربيها لصاحبها كما يربي أحدكم فلوه، حتى تكون مثل الجبل\" [متفق عليه].

وتدربنا في رمضان على حفظ اللسان وهو من أفاضل أعمال العبودية وأحبها إلى الله، قال الله تعالى- في وصف المؤمنين: \"وهدوا إلى الطيب من القول\" [الحج: 24]. وقال - صلى الله عليه وسلم -: \"إن الرجل ليتكلم بالكلمة من رضوان الله - تعالى -ما كان يظن أن تبلغ ما بلغت يكتب الله له بها رضوانه إلى يوم القيامة، وإن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله ما كان يظن أن تبلغ ما بلغت يكتب الله له بها سخطه إلى يوم القيامة\" [حديث صحيح أخرجه مالك والترمذي من حديث بلال بن الحارث ونحوه في الصحيحين من حديث أبي هريرة].

وتدربنا في رمضان على تعهد القرآن بالقراءة وهو من أفاضل أعمال العبودية وأحبها إلى الله، رُوي عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: \"إنكم لا ترجعون إلى الله بشيء أفضل مما خرج منه\" يعني القرآن صححه الحاكم في المستدرك ووافقه الذهبي وأخرجه الترمذي، وهو حسن إن شاء الله-.

فما أثر هذه الدربة في عبوديتنا لله بعد رمضان؟!

لقد خط الله منهج عمل يُقرب عبده منه حتى يبلغ أقرب منـزلة منه، فقال - سبحانه - فيما رواه عنه نبيه - صلى الله عليه وسلم -: \"ما تقرب إليِّ عبدي بشيء أحب إليِّ مما افترضت عليه، وما يزال عبدي يتقرب إليِّ بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها، وإن سألني أعطيته ولئن استعاذني لأعيذنه\" رواه البخاري.

فاتخذ أخي المسلم هذا المنهج مسلكاً، واجعله أثر الدربة التي مارستها في رمضان، وتقرَّب إلى الله بما تدربت عليه فيه وأكثر.

وفقني الله وإياك لكل خير هو الموفق لا شريك له.

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply