بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه وأشهد أن سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - الداعي إلى رضوانه وعلى آله وصحبه وجميع إخوانه أما بعد:
إن خير المجالس وأزكاها وأطهرها وأشرفها وأعلاها قدراً عند الله وأجلها مكانة عنده مجالس الذكر، فهي حياة القلوب ونماء الإيمان وزكاء النفس وسبيل السعادة والفلاح في الدنيا والآخرة، ولهذا ورد في فضلها والحث على لزومها والترغيب في المحافظة عليها نصوص كثيرة في الكتاب والسنة، مما يدل على شريف قدر تلك المجالس ورفيع شأنها وعلو مكانتها وأنها خير المجالس. إن مجالس الذكر هي رياض الجنة في الدنيا. فعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا))، قالوا: وما رياض الجنة؟ قال حلق الذكر.
فمن شاء أن يسكن رياض الجنة في الدنيا، فليستوطن مجالس الذكر فإنها رياض الجنة.
ومجالس الذكر هي مجالس الملائكة، فإنه ليس من مجالس الدنيا مجلس إلا مجلس يذكر فيه الله - تعالى - فيه، كما في حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إن لله ملائكة فضلاً، يطوفون في الطرق يلتمسون أهل الذكر ، فإذا وجدوا قوماً يذكرون الله تعالى وتنادوا: هلموا إلى حاجتكم، قال: فيحفونهم بأجنحتهم إلى السماء الدنيا، قال: فيسألهم ربهم - تعالى - وهو أعلم بهم: ما يقول عبادي؟
قال: يقولون: يسبحونك ويكبرونك ويحمدونك ويمجدونك قال: فيقول: هل رأوني؟ فيقولون: لا والله ما رأوك، قال فيقول: كيف لو رأوني: قال: فيقولون: لو رأوك كانوا أشد لك عبادة، وأشد لك تحميداً وتمجيداً، وأكثر لك تسبيحاً، قال: فيقول: ما يسألوني؟
قال: يسألونك الجنة، قال: فيقول: هل رأوها، قال: فيقولون ل: لا والله يا رب ما رأوها، قال: فيقول: فكيف لو أنهم رأوها؟ قال: يقولون: لو أنهم رأوها كانوا أشد عليهم حرصا، وأشد لها طلباً، وأعظم فيها رغبة، قال: فيقول: فمم يتعوذون؟ قال: من النار، قال: يقول: وهل رأوها؟
قال: يقولون: لو رأوها كانوا أشد منها فراراً، وأشد لها مخافة، قال: يقول: فأشهدكم أني قد غفرت لهم. قال: فيقول ملك من الملائكة: فيهم فلان ليس منهم، إنما جاء لحاجة، قال: هم الجلساء لا يشقى بهم جليسهم)) رواه البخاري.
فمجالس الذكر هي مجالس الملائكة بخلاف مجالس الغفلة واللهو والباطل فإنها مجالس الشيطان، والله - تعالى -يقول: {وَمَن يَعشُ عَن ذِكرِ الرَّحمَنِ نُقَيِّض لَهُ شَيطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ}الزخرف36، إن مجالس الذكر تؤمن العبد من الحسرة والندامة يوم القيامة بخلاف مجالس اللهو والغفلة فإنه تكون على صاحبها حسرة وندامة يوم القيامة، فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((من قعد مقعدا لم يذكر الله فيه كانت عليه من الله ترة ومن اضطجع مضجعا لا يذكر الله فيه كانت عليه من الله ترة))، أي نقص وتبعة وحسرة.
ومن شرف مجالس الذكر علو مكانتها عند الله أن الله – عزوجل - يباهي بالذاكرين الملائكة، كما ثبت عن أبي سعد الخدري - رضي الله عنه - قال: خَرَجَ مُعَاوِيَةُ عَلَى حَلقَةٍ, فِي المَسجِدِ فَقَالَ مَا أَجلَسَكُم قَالُوا جَلَسنَا نَذكُرُ اللَّهَ قَالَ آللَّهِ مَا أَجلَسَكُم إِلَّا ذَاكَ قَالُوا وَاللَّهِ مَا أَجلَسَنَا إِلَّا ذَاكَ قَالَ أَمَا إِنِّي لَم أَستَحلِفكُم تُهمَةً لَكُم وَمَا كَانَ أَحَدٌ بِمَنزِلَتِي مِن رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَقَلَّ عَنهُ حَدِيثًا مِنِّي وَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - خَرَجَ عَلَى حَلقَةٍ, مِن أَصحَابِهِ فَقَالَ مَا أَجلَسَكُم قَالُوا جَلَسنَا نَذكُرُ اللَّهَ وَنَحمَدُهُ عَلَى مَا هَدَانَا لِلإِسلَامِ وَمَنَّ بِهِ عَلَينَا قَالَ آللَّهِ مَا أَجلَسَكُم إِلَّا ذَاكَ قَالُوا وَاللَّهِ مَا أَجلَسَنَا إِلَّا ذَاكَ قَالَ أَمَا إِنِّي لَم أَستَحلِفكُم تُهمَةً لَكُم وَلَكِنَّهُ أَتَانِي جِبرِيلُ فَأَخبَرَنِي أَنَّ اللَّهَ - عز وجل - يُبَاهِي بِكُم المَلَائِكَةَ)) روا مسلم.
ومجالس الذكر سبب عظيم من أسباب حفظ اللسان وصونه عن الغيبة والنميمة والكذب والفحش والسخرية والباطل، فإن العبد لابد له من أن يتكلم وما خلق اللسان إلا للكلام فإن لم يتكلم بذكر الله - تعالى -وذكر أوامره بالخير والفائدة، تكلم ولابد بهذه المحرمات أو ببعضها، فمن عود لسانه على ذكر الله صان لسانه عن الباطل واللغو، ومن يَبُس لسانه عن ذكر الله نطق بكل باطل ولغو وفحش.
ومما ينبغي للمسلم أن يتفطن له في هذا المقام أن ذكر الله - تعالى –لا يختص بالمجالس التي يذكر فيها اسم الله بالتسبيح والتكبير ونحوه بل تشمل ما ذكر فيه أمر الله ونهيه وحلاله وحرامه وما يحبه ويرضاه، بل إنه ربما كان هذا الذكر أنفع من ذلك لأن معرفة الحلال والحرام واجبة في الجملة على كل مسلم بحسب ما يتعلق به من ذلك، وأما ذكر الله باللسان فأكثره يكون تطوعاً وقد يكون واجباً كالذكر في الصلوات المكتوبة، وأما معرفة ما أمر الله به وما يحبه ويرضاه وما يكرهه فيجب على كل من احتاج إلى شيء من ذلك أن يتعلمه. (1)
من فوائد الذكر:
1- أنه يطرد الشيطان ويقمعه ويكسره.
2- أنه يرضي الرحمن – عزوجل- .
3- أنه يزيل الهم والغم عن القلب.
4- أنه يجلب للقلب الفرح والسرور.
5- أنه يقوي القلب والبدن.
6- أنه ينور الوجه والقلب.
7- أنه يجلب الرزق.
8- أنه يحط الخطايا.
9- أنه سبب نزول السكينة.
10- أنه غراس الجنة. (2)
أسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يجعلنا من الذاكرين له، وأن ينفعنا بما كتبنا، وأن يوفقنا في الدنيا والآخرة، إنه جواد كريم و وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
------------
(1) الفوائد المنثورة إعداد عبد الرزاق البدر
(2) الوابل الصيب لابن القيم
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد