بسم الله الرحمن الرحيم
راح البطل العظيم سيف الدين قطز ضحية حادث أليم بسبب الوساوس والمخاوف والدسائس وهو عائد من انتصاره العالمي في عين جالوت, وجاء بعده الأمير بيبرس الملقب بالظاهر، وكان مبدأ «الحكم لمن غلب» هو الذي جاء به سلطاناً على البلاد، ومن ثم كان لا بد أن يعاني من هذا المبدأ في بداية حكمه، إذ نشبت في الشهور الأولى لحكمه ثلاث ثورات داخلية في دمشق وحلب والقاهرة، لذلك فكر بيبرس في وسيلة يضفي بها على حكمه رداء الشرعية، وقد هداه تفكيره الطويل إلى الحل السعيد في إحياء الخلافة العباسية، وإعادتها بالقاهرة، ثم الحصول على تفويض من الخليفة بالحكم، وهكذا ليبدو للعالم الإسلامي أن دولة المماليك هي صاحبة الفضل في التصدي للتتار وهزيمتهم, وأيضاً صاحبة الفضل في إحياء الخلافة الإسلامية بعد أن سقطت ببغداد تحت أقدام التتار جيوش هولاكو.
استدعى بيبرس أحد الأمراء العباسيين وهو أبو القاسم أحمد ابن الخليفة الظاهر محمد ابن الخليفة الناصر لدين الله، وهو عم آخر خلفاء العباسيين ببغداد «المستعصم»، وعلى مشارف القاهرة خرج بيبرس وكبار الأمراء، والوزراء والأعيان، والقضاة والشهود لاستقباله، حتى اليهود خرجوا بالتوراة، والنصارى بالإنجيل، ومع الشموع الموقدة في احتفالية رائعة ذكرت الناس بالأيام الخوالي, وفي يوم 13 رجب سنة 659هـ عقد بيبرس مجلساً عاماً بالقلعة حضره وجوه الناس ومعهم العز بن عبد السلام، وبايعوا جميعاً الأمير أبا القاسم أحمد بالخلافة، ولقبوه بالمستنصر بالله, مثل لقب أخيه المستنصر العباسي، وقام هو بدوره بتفويض السلطان الظاهر بيبرس بحكم البلاد الإسلامية «الديار المصرية والشامية والبكرية والحجازية واليمنية والفراتية وما يتجدد من الفتوحات غوراً ونجداً» ولقّب بيبرس بقسيم أمير المؤمنين.
وهكذا حقق بيبرس هدفه بالحصول على السند الشرعي لحكمه, وحصل على أكثر من ذلكº حكم المنطقة العربية بأسرها، ولم تكسب الخلافة ولا العالم الإسلامي شيئاً من عودتها وإحيائها في القاهرة, إذ كانت خلافة صورية شكلية، والخليفة مجرد رمز ديني لا أمر له ولا نهي، بل هو محجور عليه في قصره ليس له إلا الدعاء على المنابر يوم الجمعة، وحسبه أن يقال له \"أمير المؤمنين\"
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد