بسم الله الرحمن الرحيم
إحسانُ الظنِّ بالله
إحسانُ الظنِّ بالناس
إحسانُ النيّة
إحسانُ مُعاملةِ الوالدين
إحسانُ الجيرة
إحسانُ العمل وإتقانه؟!!
يحصر كثير من الناس الإحسان في العبادات، والحقيقة أن الإحسان أعمّ وأوسع من الحدود التي يحصرونه فيها، فكل ميادين الحياة للإحسان فيها آفاق!
والإنسان المُحسِن يخوض هذه الميادين وهو حذِرٌ مُراقِبٌ لله في سكناته وحركاتهº لأنهُ يعلم علم اليقين أن الله - عز وجل - ناظِرٌ إليه ومُطّلعٌ على فؤاده ونواياه، فتجده حرِيصاً على أن يُنجِز أي أمر هو مُقدم عليه بِأمانةٍ, وإتقان يرضى الله عنه. جاء في الحديث القُدسي أن الله - تعالى -قال: \"ولا يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، ولئن سألني لأعطينّه، ولئن استعاذني لأعيذنّه...\"
والإحسان أعلى مراتب الإسلام منبعُه من أعماق النفس المؤمنة الموقِنة بأن الله يراها وإن لم تكن تراه.و ينعكس هذا اليقين على سريرتها وتصرفاتها في الآنِ معاً، فتجِدها إن تفكّرت نقّت سريرتها من الشوائب وأحسنت الظن، وإن تكلّمت تهذّبت في القول، وإن عملت أتقنت في السر والعلن! يقول ابن الجوزي: \"الحقّ - عز وجل - أقرب إلى عبده من حبل الوريد، لكنه عامل العبد معاملة الغائب عنه البعيد منه، فأمر بقصد نيته ورفع اليدين إليه والسؤال له، فقلوب الجهال تستشعر البعد ولذلك تقع منهم المعاصيº إذ لو تحققت مراقبتهم للحاضر الناظر لكفٌّوا الأكف عن الخطايا، والمتيقّظون علموا قربَه فحضرتهم المراقبة وكفَّتهم عن الانبساط\".
ويُصبِح الإحسان منهج حياة وأسلوب معيشة ينعكس في سلوكيات وتعامل الإنسان مع الآخرين - الوالدين والأقارب وأفراد المجتمع عامة (وَاعبُدُوا اللَّهَ وَلاَ تُشرِكُوا بِهِ شَيئاً وَبِالوالِدَينِ إِحسَـاناً وَبِذِى القُربَى وَاليَتَـامَى وَالمَسَـاكِينِ وَالجَارِ ذِى القُربَى وَالجَارِ الجُنُبِ وَالصَّـاحِبِ بِالجَنبِ وَابنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَت أَيمَـانُكُم إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبٌّ مَن كَانَ مُختَالاً فَخُوراً) [سورة النساء، آية 36]. فترى نفس المُحسِن إن غضِبت، كتمت غيظها، وإن أُوذيت وظُلِمت صبرت واحتسبت وإن قدَرت عَفَت، وإن أُحسِن إليها تجاوزت العدل في رد المعروف لتزيد الإحسان إحساناً، ذلك أن الإحسان يفوق العدل، فالعدل يُلزِمك بأن تؤدِّي الحقوق إلى أهلِها أو أن تأخذ مالك دون زيادة أو نقصان، أما الإحسان فهو في جود نفسك، في أخذها لما دون حقِها وإعطائها أكثر مما عليها! ورد في السلف أن جارية عثرت بمرقة فصبّتها على سيّدها فغضب وأرادَ أن يضربها، فقالت له: (وَالكَاظِمِينَ الغَيظَ) فقال: قد فعلت. قالت: (وَالعَافِينَ عَنِ النَّاسِ) قال: قد عفوت. قالت: (وَاللّهُ يُحِبٌّ المُحسِنِينَ) فقال: أحسنت إليك. فأعتقها!
ثمّ يتسع مفهوم الإحسان ليشمل تعامل الإنسان مع كل شيء في هذه الحياة - سرّاً وعلناً - من نبات أو حيوان أو جماد (وَلاَ تُفسِدُوا فِي الأرضِ بَعدَ إِصلَـاحِهَا وَادعُوهُ خَوفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مّنَ المُحسِنِينَ) [سورة الأعراف: آية 56]. يقول القرطبي: \"إن الإحسان إلى الحيوان مما يغفر الذنوب، وتعظم به الأجور\".
وللإحسان أثرٌ في سنن الكون وارتقاء المجتمع، فهو يُعزّز من فهم الإنسان لشريعة الله، ويُعزّز من تفاعله مع الدور المنوط بِه في هذه الدُنيا، فلا يجعله يُهدِر طاقاته في غير النافع من الأمور، ويحثّه على الإتقان في إتمام مهامه، فِيما يُقرِّبه من خالقه. وبِهذا الإتقان تصلح الأرض وتتقدم المجتمعات وتنهض الأمّة!
وقد عظّم الله ثواب الإحسان على الفروض، فأداء الفروض قد يقي الإنسان من النار أو يدخله الجنة، بينما الإحسان قد يوصله إلى أعلى درجاتِها، يقول - سبحانه وتعالى-: (هَل جَزَاء الإِحسَـانِ إِلاَّ الإِحسَـانُ) [سورة الرحمن: آية 60] ويقول - سبحانه وتعالى-أيضاً: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبٌّ المُحسِنِينَ) [سورة البقرة: آية 195].
فهل لِخيالك القاصِر أن يُدرِك حدود إحسان الله إليك في الآخِرة، أو ما يعني حب المولى - عز وجل - لك؟!
ما يمنعُك إذاً من أن تكون مُحسِناً وقدوة في زمنٍ, قلّ فيه المُحسنون؟!
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد