عندما يكون الشيطان واعظا


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

في ليلة العرس وفي أول لقاء لزوجين محبين..يكتنف أجواء ليلتهما المودة والرحمة..يعطرها الهناء والصفاء.. يحدوهما الألفة والوفاق.. يلفهما الود والوئام.. فكم قد طال شوقهما لبعضهما.. وكم انتظرا طويلا تلك الليلة.. التي باتا فيها كأحلى ما يكون العرسان..

 

وتمر ساعات ليلهما الهنيء ساعة ساعة.. في سرعة خاطفة ويزيد الليل من حلكته واسوداده.. ويحين وقت صلاة الفجر وهنا المحك الذي يعرف فيه المؤمن من المنافق.. فهل سيقطع ذلك العريس عرسه وأنسه مع حبيبته ويذهب لأداء الصلاة؟ أم أنه سيمكث معها ويصلي إلى جانبها.. ! فإن فرحه بها وتعلقه بها يكاد يثنيه عن مغادرتها حتى ولو لبضع دقائق.. هذه ما سيكشفه لنا رد فعل ذلك العريس إزاء ذلك الموقف الصعب.. فهو شاب جلد مصابر رغم كل العقبات التي تحول دون ذهابه لأداء الصلاة.

 

أخيرا قرر الذهاب إلى المسجد في غسق ذلك الليل البهيم.. وهم أن يغتسل وارتدى ملابسه استعدادا لأداء الصلاة.. لكن زوجته المتلهفة عليه أبت ذلك!.. وحاولت أن تثنيه عن الذهاب.. وأصرت عليه أن يبقى معها وسيصليان سويا.. واستمرت تخوفه بوعورة الطريق إلى المسجد، وأنه يشوبه المخاطر والمزالق.. إلا أن كل ذلك لم ينخر في إصرار ذلك الشاب، وعزمه الفتي، وارادته الوثابة، فقد تلحف رداءه وخرج مستعينا بالله.. راجيا ثوابه،، فزعا من عقابه..

 

وفي طريقه إلى المسجد ثمة عقبة أخرى تبرز أمامه لقد تعثر في طريقه وسقط في حفرة مظلمة، واتسخت ملابسه.. فعاد أدراجه إلى البيت، حتى يتنظف ويغير ملابسه، ويخرج مرة أخرى.. إلا أن زوجته عندما رأته على تلك الحالة، زادت من إصرارها على بقائه، وتثبيطها له بعدم الذهاب مرة أخرى بعدما حصل له ذلك.. وجعلت تزين له القعود، وترسم له الراحة والطمأنينة التي سيجدها معها داخل البيت،، إلا أن الشاب الجلد المصابر أبت نفسه الخنوع والاستكانة والذل.. فجاهد نفسه وخرج مرة أخرى بعزم وثبات..

 

وفي طريقه إلى المسجد وللمرة الثانية، اعترضته حفرة أخرى ووقع فيها.. فتمالك نفسه وعاد مسرعا إلى البيت لاتخاذ الإجراء اللازم وثم معاودة الذهاب إلى المسجد.. وإذا بزوجته تقابله بإصرار أقوى، وتثبيط أعمق.. وأعادت عليه نفس الكلام الأول وزادت عليه آهات وويلات.. وجعلت تنذره وتحذره..

 

إلا أن ذلك الشاب بعزيمته القوية، وارادته الراسخة، قد تغلب على جميع الصعاب والعقبات.. فبقي على إصراره ولم يفت في إرادته شيء.. فخرج إلى المسجد مرة أخرى،، فحصل له كما حصل في المرة الأولى والثانية،، إلا أنه شق طريقه إلى المسجد بثباته وإصراره.. ويقينه بقراره الصارم أن هذا بلاء وفتنة يمتحن فيها الله درجة صبره ومصابرته،، ومدى قدرته على التغلب على هوى النفس وحظوظها الكثيرة..

 

وفي هذه المرة حصل شيء لم يكن ليتوقع حدوثه.. ففي أثناء سيره إلى المسجد وللمرة الرابعة أمسك بيده رجل، وقام بإيصاله إلى المسجد وتبصيره بأماكن الحفر الكثيرة الموجودة بين بيته والمسجد.. وعندما أوصله إلى المسجد، شكر لذلك الرجل المجهول ثم سأله، قائلا: من أنت؟ فقال له الرجل: ليس بالضرورة أن تعرف من أنا.. يكفي أني أوصلك إلى المسجد فأصر ذلك الشاب إلا أن يعرف من يكون ذلك الرجل.. وعندما أمعن في إصراره رأى ذلك الرجل المجهول إلا أن يكشف عن حقيقته.. فقال: أنا الشيطان؟

 

تعجب هذا الشاب.. ! وقال: الشيطان وتدلني على الطريق إلى المسجد؟!!

 

فقال \" نعم.. سأخبرك عن سبب ذلك.. إنك عندما خرجت في المرة الأولى للمسجد، غفر الله لك.. وفي المرة الثانية، غفر الله لأهل بيتك .. وفي المرة الثالثة، غفر الله لأهل الحي الذي أنت فيه، وخشيت أن تسقط في المرة الرابعة فيغفر الله لأهل الأرض..!

 

هذه قصة تروي لنا عظيم ثمرة الصبر والتحمل.. وجزاء المجاهدة والمصابرة.. وتجسد لنا موقف المؤمن الصابر من مشتهيات النفس وحظوظها.. وثباته عند حلول الفتن والابتلاء... ويقينه الجازم بأن الطريق أمام الرغبات، محفوف بالمخاطر والمكروهات.. فما أشرف نفوس أبية.. للرحمن تقية.. ولخطى الشيطان عصية.. وصدق الشاعر حين قال:

إذا كانت النفوس كبارا *** تعبت في مرادها الأجسام.

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply