بسم الله الرحمن الرحيم
عن ابن عمر - رضي الله عنهما -، قال: أخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمِنكبَيّ، فقال: \" كن في الدنيا كأنك غريب، أو عابر سبيل\". وكان ابن عمر، - رضي الله عنهما - يقول: \"إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وخذ من صحتك لمرضك، ومن حياتك لموتك\".. رواه البخاري
ومعنى الحديث: لا تركن إلى الدنيا ولا تتخذها وطنا، ولا تُحدث نفسك بطول البقاء فيها، ولا بالاعتناء بها، ولا تتعلق منها إلا بما يتعلق به الغريب في غير وطنه، ولا تشتغل فيها بما لا يشتغل به الغريب الذي يريد الذهاب إلى أهله.
لو تأملنا هذا الحديث قليلا لأيّقنّا تفاهة هذه الدنيا وحقارتها، لكن المؤسف أن الإنسان في تخطيط دائم للمستقبل ومشاريعه تصل إلى أبعد الحدود ومخططاته مداها يصل إلى ما بعد مائة سنه وكأنه ضمن بأنه سيعيش إلى ذلك الوقت مسكين هذا إلانسان !! فكثير منهم من انشغل بالأموال والعقارات والصفقات ونسي قراءة القرآن وذكر الله
أما صاحب موضوعنا فهو إنسان من نوع آخر من البشر، معدنه يختلف عن معادن الناس، أخلاقه مختلفة تعامله مع نفسه وربه وأهله وإخوانه يختلف عن باقي البشر وكيف لا؟! وقد سخّر كل عضو من أعضائه وجميع جوارحه لعبادة رب الأرباب عرف حق الله عليه فما توانى لحظه واحدة في الانشغال بغيره.. عرف قيمة الثانية من عمره فأحسن استغلالها وعرف قيمة ربه وعرف قيمة الرسالة التي أتى بها الحبيب محمد - صلى الله عليه وسلم - فطبّقها وامتثل لتعاليمها لأنه عرف بأنها هي الطريق الموصل للجنة ومادون ذلك فهو ضنك ودمار..
هذا حاله يأتي غريبا ويذهب غريبا، وكأنه خُلق في هذه الدنيا بلا أهل أو إخوان، فإذا قام بفعل فإنه يحتسب الأجر والثواب من الله ولا ينتظر شكراً من أحد، يقوم بالواجب ويرحل، وإذا جلس في مجالس اللغو عاتب وأعرض وذهب، و إذا خالط الناس استوحش، وإذا اختلى بنفسه اطمأن لأنه علم بأنه لن يرتاح له بال ولن يطمأن قلبه إلا
إذا انفرد بنفسه لكن مع من؟؟ مع الله!؟ نعم الله الذي لطالما نسي الناس أمره تجد الواحد منهم منشغل بأموره ومنغمس في أعماله لم يسأل نفسه هذا السؤال، كل حركاتي وسكناتي وكل سكناتي وضحكاتي يراها ويسمعها الله؟؟ لسانه لا يسٌّب به مسلم ولا يتفوه بكلمة إلا وقد فكّر في عواقبها إن كانت في خير وصلاح أطلقها، وإن كانت في شر وضلال قيّدها!
حياته مع الله روحه مع الله يذكر الله قياما وقعودا عند استيقاظه وعند هجوعه، قلبه طوال الوقت معلق بربه يرجو ثوابه ويخشى عقابه، لا يحب أن يراه الله على معصية يحسب لأي عمل يقوم به ألف حساب.
علم وتيقن بأنه سوف يعيش في هذه الدنيا فترة وإن طالت ويموت بعدها، لذلك أعد لها العدة حتى لا يلقى الله وهو نادم على ما فاته، علم بأن هذه الدنيا لا تساوي عند الله جناح بعوضه فهي ملعونة بما فيها إلا من ذكر الله.
والدنيا ما سُمّيت بهذا الاسم إلا لدناءتها وتفاهتها، فإن أبدت لك الدنيا يوما محاسنها ومفاتنها فلابد أن تنقلب في يوم من الأيام عليك، وإن أعطتك باليمين فستصفعك بالشمال هذا حالها ومع ذلك يتعلق الناس بها ويعيشون لها وكأنهم سيخلّدون ولن يموتون أبدا يشيدون الدور والقصور يقتنون كل شيء ثمين وكأنها سوف تُدفن معهم!
لطالما اغتاب هذا إلانسان الغافل وانتهك أعراض المسلمين واستمع إلى ما يغضب الله بالرغم من تحذيره له، وتفوه بما لا يرضيه وارتكب ما نهاه عنه، وأتى مالا يجب أن يأتيه.. عين الله ترقبه طوال الوقت في كل لحظة وفي كل دقيقة ولكن هل استشعر عظمة هذا الأمر ؟؟ بالطبع لا!! لأن الكثير من الناس من يرتكب الذنوب ولا يتوب ويعصي الله وإن تاب فإنه يعود إلى المعاصي بربكم هل وصلنا إلى درجة اليقين في مراقبة الله لنا؟ فقط تخيل كيف يراقب الله العاصي والغافل وهو فوق عرشه ويمهله علّه يتوب ويعود وهو في استمرار في طريق الضلال نتيجة لجحوده ونكرانه..
ويحضرني في هذا الموضع عن قصة أعرابية راودها بعضهم عن نفسها وقال لها: ما يرانا إلا الكواكب؟؟ قالت: فأين مكوكبها؟! وردها هذا يدل على يقينها بأن الله يراها ويراقبها في كل وقت..
أنا العبد الذليل الحقير الذي خلقني الله من تراب، وأنعم عليّ بنعمه ولطالما تذمرت مما قدّره لي في هذه الدنيا، كم وكم التجأت واستعنت بالناس فلم أجد سوى الإذلال والمهانة ونسيت أن التجأ إلى الله الذي بيده الأمر كله، والذي يصِّرف الأمور كيف يشاء، أعانني في وقت تخلى فيه الناس عني وجدته خير الناصر والمعين، في وقت تحدَّث فيه الناس عن عِرضي وجدته خير الساتر والمساند، في وقت عذبني الناس فيه بألسنتهم وجدته خير الرحيم.. ومع ذلك أعصيه.. وقد يتلفظ لساني بكلمات لا أعيها إلا بعد فوات الأوان من سب وشتم..
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: يقول الله - عز وجل -: \" يؤذيني ابن آدم، يسبٌّ الدّهر، وأنا الدّهر، بيدي الأمر، أقلّب الليل والنهار\". أخرجه البخاري..
هل تتخيل معي هذا إلانسان الحقير الذي خُلق من نطفة يؤذي رب ألارض والسموات! ويسبٌّ خالق الكون وبالرغم من ذلك يغفر ويرحم أبَعد هذا كله تجحد وتكابر يا ابن آدم!!
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد