من مفاسد الزنا


بسم الله الرحمن الرحيم

 

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد:

فالزنا فسادٌ كبير، وشرٌ مستطير، له آثار كبيرة، وتنجم عنه أضرار كثيرة، سواء على مرتكبيه، أو على الأمة بعامة.

وبما أن الزنا يكثر وقوعه، وتكثر الدواعي إليه، فهذه نبذة عن آثاره ومفاسده، وآفاته وأضراره:

1- الزنا يجمع خِلالِ الشرّ كلها: من قلة الدين، وذهاب الورع، وفساد المروءة، وقلة الغيرة، ووأد الفضيلة.

2- يقتل الحياء ويلبس وجه صاحبه رقعة من الصفاقة والوقاحة.

3- سواد الوجه وظلمته، وما يعلوه من الكآبه والمقت الذي يبدو للناظرين.

4- ظلمة القلب، وطمس نوره.

5- الفقر اللازم لمرتكبيه، وفي أثر يقول الله - تعالى -:\"أنا مهلك الطغاة، ومفقر الزناة\".

6- أنه يذهب حرمة فاعله، ويسقطه من عين ربه وأعين عباده، ويسلب صاحبه اسم البر، والعفيف، والعدل، ويعطيه اسم الفاجر، والفاسق، والزاني، والخائن.

7- الوحشة التي يضعها الله في قلب الزاني، وهي نظير الوحشة التي تعلو وجههº فالعفيف على وجهه حلاوة، وفي قلبه أنس، ومَن جالسه استأنس به، والزاني بالعكس من ذلك تمامًا.

8- أن الناس ينظرون إلى الزاني بعين الريبة والخيانة، ولا يأمنه أحد على حرمته ولا ولده.

9- ومن أضراره الرائحة التي تفوح من الزاني، يشمُّها كل ذي قلب سليم، تفوح من فيه، ومن جسده.

10- ضيقة الصدر وحرجهº فإن الزناة يعاملون بضد قصودهمº فإن من طلب لذة العيش وطيبه بمعصية الله عاقبه الله بنقيض قصدهº فإن ما عند الله لا يُنال إلا بطاعته، ولم يجعل الله معصيته سببًا إلى خير قط.

ولو علم الفاجر ما في العفاف من اللذة والسرور، وانشراح الصدر، وطيب العيش، لرأى أن الذي فاته من اللذة أضعافُ أضعاف ما حصل له.

11- الزاني يعرض نفسه لفوات الاستمتاع بالحور العين في المساكن الطيبة في جنات عدن.

12- الزنا يجرئ على قطيعة الرحم، وعقوق الوالدين، وكسب الحرام، وظلم الخلق، وإضاعة الأهل والعيال، وربما قاد إلى سفك الدم الحرام، وربما استعان عليه بالسحر والشرك وهو يدري أو لا يدريº فهذه المعصية لا تتم إلا بأنواع من المعاصي قبلها ومعها، ويتولد عنها أنواع أخر من المعاصي بعدهاº فهي محفوفة بجند من المعاصي قبلها، وجند بعدها، وهي أجلب شيء لشرِّ الدنيا والآخرة، وأمنع شيء لخير الدنيا والآخرة.

13- الزنا يذهب بكرامة الفتاة، ويكسوها عارًا لا يقف عندها، بل يتعداها إلى أسرتهاº حيث تدخل العار على أهلها، وزوجها، وأقاربها، وتنكس به رؤوسهم بين الخلائق.

14- أن العار الذي يلحق من قُذف بالزنا أعلق من العار الذي ينجر إلى من رمي بالكفر وأبقىº فإن التوبة من الكفر على صدق القاذف تذهب رجسه شرعًا، وتغسل عاره عادةً، ولا تبقي له في قلوب الناس حطة تنزل به عن رتبة أمثاله ممن ولدوا في الإسلام، بخلاف الزناº فإن التوبة من ارتكاب فاحشته ـ وإن طهرت صاحبها تطهيرًا، ورفعت عنه المؤاخذة بها في الآخرة ـ يبقى لها أثر في النفوس، ينقص بقدره عن منزلة أمثاله ممن ثبت لهم العفاف من أول نشأتهم.

وانظر إلى المرأة ينسب إليها الزنا كيف يتجنب الأزواج نكاحها وإن ظهرت توبتهاº مراعاة للوصمة التي ألصقت بعرضها سالفًا، ويرغبون أن ينكحوا المشركة إذا أسلمت رغبتهم في نكاح الناشئة في الإسلام.

15- إذا حملت المرأة من الزنا، فقتلت ولدها جمعت بين الزنا والقتل، وإذا حملته على الزوج أدخلت على أهلها وأهله أجنبيًا ليس منهم، فورثهم ورآهم وخلا بهم، وانتسب إليهم وهو ليس منهم إلى غير ذلك من مفاسد زناها.

16- أن الزنا جناية على الولدº فإن الزاني يبذر نطفته على وجه يجعل النسمة المخلَّقة منها مقطوعة عن النسب إلى الآباء، والنسب معدود من الروابط الداعية إلى التعاون والتعاضدº فكان الزنا سببًا لوجود الولد عاريًا من العواطف التي تربطه بأدنى قربى يأخذون بساعده إذا زلَّت به فعله، ويتقوى به اعتصابهم عند الحاجة إليه.

كذلك فيه جناية عليه، وتعريض بهº لأنه يعيش وضيعًا في الأمة، مدحورًا من كل جانبº فإن الناس يسخفون بولد الزنا، وتنكره طبائعهم، ولا يرون له من الهيئة الاجتماعية اعتبارًاº فما ذنب هذا المسكين؟ وأي قلب يحتمل أن يتسبب في هذا المصير؟!

17- زنا الرجل في إفساد المرأة المصونة، وتعريضها للفساد والتلف.

18- الزنا يهيج العداوات، ويزكي نار الانتقام بين أهل المرأة وبين الزاني، ذلك أن الغيرة التي طبع عليها الإنسان على محارمه تملأ صدره عند مزاحمته على موطوءته، فيكون ذلك مظنة لوقوع المقاتلات وانتشار المحارباتº لما يجلبه هتك الحرمة للزوج وذوي القرابة من العار والفضيحة الكبرى، ولو بلغ الرجل أن امرأته أو إحدى محارمه قتلت كان أسهل عليه من أن يبلغه أنها زنت.

* قال سعاد بن عبادة -  رضي الله عنه  -:\"لو رأيت رجلاً مع امرأتي لضربته بالسيف غير مصفح\".

فبلغ ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال:\"أتعجبون من غيرة سعد! والله لأنا أغير منه، والله أغير منيº ومن أجل غيرة الله حـرَّم الفـواحش ما ظهـر منها ومـا بطـن\"[أخرجه البخاري ومسلم].

19- للزنا على محارم الزاني، فشعور محارمه بتعاطيه هذه الفاحشة يسقط جانبًا من مهابتهن له ـ كما مرَّ ـ ويسهل عليهن بذل أعراضهن ـ إن لم يكن ثوبُ عفافهن منسوجًا من تربية دينية صادقة.

بخلاف من ينكر الزنا ويتجنبه، ولا يرضاه لغيرهº فإن هذه السيرة تكسبه مهابة في قلوب محارمه، وتساعده على أن يكون بيته بيتًا طاهرًا عفيفًا.

20- للزنا أضرار جسمية على الصحة يصعب علاجها والسيطرة عليها، بل ربما أودت بحياة الزاني، كالإيدز، والهربس، والزهري، والسيلان ونحوها.

21- الزنا سبب لدمار الأمةº فلقد جرت سنة الله في خلقه أنه عند ظهور الزنا يغضب الله - عز وجل -  ويشتد غضبه، فلابد أن يؤثر غضبه في الأرض عقوبة.

قال ابن مسعود -  رضي الله عنه  -:\"ما ظهر الربا والزنا في قرية إلا أذن الله بإهلاكها\".

ومما يدل على عظم شأن الزنا أن الله ـ  سبحانه  ـ خصَّ حدَّه من بين الحدود بخصائص، قال ابن القيم ـ  رحمه الله ـ:\"وخصَّ سبحانه حدَّ الزنا من بين الحدود بثلاث خصائص:

أحدها: القتل فيه بأشنع القتلات، وحيث خففه جمع فيه بين العقوبة على البدن بالجلد، وعلى القلب بتغريبه عن وطنه سنة.

الثاني: أنه نهى عباده أن تأخذهم بالزناة رأفة في دينهº بحيث تمنعهم من إقامة الحد عليهم، فإنه سبحانه من رأفته بهم شرع هذه العقوبةº فهو أرحم بهم، ولم تمنعه رحمته من أمره بهذه العقوبةº فلا يمنعكم أنتم ما يقوم بقلوبكم من الرأفة من إقامة أمره.

وهذا وإن كان عامًا في سائر الحدود، ولكن ذُكر في حد الزنا خاصة لشدة الحاجة إلى ذكرهº فإن الناس لا يجدون في قلوبهم من الغلظة والقسوة على الزاني ما يجدونه على السارق والقاذف وشار الخمرº فقلوبهم ترحم الزاني أكثر مما ترحم غيره من أرباب الجرائم، والواقع شاهد بذلكº فنهوا أن تأخذهم هذه الرأفة وتحملهم على تعطيل حد الله.

وسبب هذه الرحمة: أن هذا ذنب يقع من الأشراف والأوساط، والأرذال، وفي النفوس أقوى الدواعي إليه، والمشارك فيه كثير، وأكثر أسبابه العشق، والقلوب مجبولة على رحمة العاشق، وكثير من الناس يعد مساعدته طاعة وقربة، وإن كانت الصورة المعشوقة محرمةً عليه، ولا يُستنكر هذا الأمرº فإنه مستقر عند من شاء الله من أشباه الأنعام.

ولقد حكي لنا من ذلك شيء كثير عن ناقصي العقول كالخدم والنساء.

وأيضًا فإن هذا ذنب غالبًا ما يقع مع التراضي من الجانبينº ولا يقع فيه من العدوان والظلم والاغتصاب ما تنفر النفوس منه، وفيها شهوة غالبة له، فيصور ذلك لها، فتقوم بها رحمة تمنع من إقامة الحد، وهذا كله من ضعف الإيمان.

وكمال الإيمان: أن تقوم به قوة يقيم بها أمر الله، ورحمةٌ يرحم بها المحدودº فيكون موافقًا لربِّه  -  تعالى  -  في أمره ورحمته.

الثالث: أنه سبحانه أمر أن يكون حدهما بمشهد من المؤمنين، فلا يكون في خلوة بحيث لا يراهما أحدٌ، وذلك أبلغ في مصلحة الحد، وحكمة الزجر\".

 

* ومما يحسن التنبيه عليه في هذا الشأن: أن فاحشة الزنا تتفاوت بحسب مفاسدهاº فالزاني والزانية مع كل أحد أشد من الزنا بواحدة أو مع واحد، والمجاهر بما يرتكب أشد من الكاتم له، والزنا بذات الزوج أشد من الزنا بالتي لا زوج لهاº لِمَا فيه من الظلم، والعدوان عليه، وإفساد فراشه، وقد يكون هذا زشد من مجرد الزنا أو دونه.

* والزنا بحليلة الجار أعظم من الزنا ببعيدة الدار، لما يقترن بذلك من أذى الجار، وعدم حفظ وصية الله ورسوله ـ  صلى الله عليه وسلم  ـ.

* وكذلك الزنا بامرأة الغازي في سبيل الله أعظم إثمًا عند الله من الزنا بغيرها، ولهذا يقال للغازي خذ من حسنات الزاني ما شئت.

* وكذلك الزنا بذوات المحارم أعظم جرمًا، وأشنع، وأفظعº فهو الهلك بعينه.

* وكما تختلف درجات الزنا بحسب المزني بها، فكذلك تتفاوت درجات بحسب الزمان والمكان، والأحوالº فالزنا في رمضان ليلاً أو نهارًا أعظم إثمًا منه في غيره. وكذلك في البقاع الشريفة المفضلة هو أعظم منه فيما سواها.

* وأما تفاوته بحسب الفاعل: فالزنا من المحصن أقبح من البكر، ومن الشيخ أقبح من الشاب، ومن العالم أقبح من الجاهل، ومن القادر على الاستغناء أقبح من الفقير العاجز.

وقد يقترن بالفاحشة من العشق الذي يوجب اشتغال القلب بالمعشوق، وتأليهه، وتعظيمه، والخضوع له، والذل له، وتقديم طاعته وما يأمر به على طاعة الله، ومعاداة من يعاديه، وموالاة من يواليه ـ ما قد يكون أعظم ضررًا من مجرد ركوب الفاحشة.

 

كيفية التوبة من الزنا:

وبعد أن تبين عظم جرم الزنا، وآثاره المدمرة على الأفراد والأمة، فإنه يحسن التنبيه على وجود التوبـة من الزنا، فيجب على من وقع في الزنا، أو تسبب في ذلك أو أعـان علـيه أن يـبـادر إلى التـوبـة النـصـوح، وأن ينـدم على ما مـضى، وألا يـرجـع إليه إذا تمكن مـن ذلك.

ولا يلزم من وقع في الزنا رجلاً كان أو امرأة أن يسلم نفسه، ويعترف بجرمه، بل يكفي في ذلك أن يتوب إلى ربِّه، وأن يستتر بستره  -  عز وجل - .

وإن كان عند الزاني صورٌ لمن كان يفجر بها، أو تسجيـل لصـوتـها أو لصورتـها فلـيبادر إلى التخلص من ذلك، وإن كان أعطي تلك الصور أو ذلك التسجيل أحدًا من الناس فليسترده منه، وليتخلص منه بأي طريقة.

وإن كانت المرأة قد وقع لها تسجيل أو تصوير وخافت أن ينتشر أمرها ـ فعليها أن تبادر إلى التوبة، وألا يكون ذلك معوقًا لها عن الإقبال على ربها، بل يجب عليها أن تتوب، وألا تستسلم للتهديد والترهيبº فإن الله كافيها ومتوليها، ولتعلم أن من يهددها جبان رعديد، وأنه سوف يفضح نفسه إن هو أقدم على نشر ما بيده.

ثم ماذا يكون إذا هو نفذ ما يهدد به؟ أيهما أسهل: فضيحة يسيرة في الدنيا ويعقبها توبة نصوح؟ أو فضيحة على رؤوس الأشهاد يوم القيامة ثم يعقبها دخول النار وبئس القرار؟

ومما ينفع في هذا الصدد إن هي خافت من نشر أمرها: أن تستعين برجل رشيد من محارمهاº ليعينها على التخلص مما وقعت فيهº فربما كان ذلك الحل ناجعًا مفيدًا.

وبالجملة فإن على مَن وقع في ذلك الجرم أن يبادر إلى التوبة النصوح، وأن يقبل على ربِّه بكليته، وأن يقطع علاقته بكل ما يذكره بتلك الفعلة، وأن ينكسر بين يديه مخبتًا منيبًا، عسى أن يقبله، ويغفر سيئاته، ويبدلها حسنات، (وَالَّذِينَ لا يَدعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقتُلُونَ النَّفسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالحَقِّ وَلا يَزنُونَ وَمَن يَفعَل ذَلِكَ يَلقَ أَثَاماً (68) يُضَاعَف لَهُ العَذَابُ يَومَ القِيَامَةِ وَيَخلُد فِيهِ مُهَاناً (69) إِلاَّ مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِم حَسَنَاتٍ, وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً)[الفرقان: 68 - 70].

وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply