بسم الله الرحمن الرحيم
أرأيت لو أنّ إنساناً صبّ اهتمامه كله، في العناية بجسم سيارته الخارجي، فلا تراه إلاّ وهو يلمعه، ويزيّنه، وينظفه، ويتفقده كل حين، ثم هو لا يلتفت في قليل أو كثير إلى محرك السيارة الرئيسي - الذي عليه تقوم، وبه تدور، ومن خلاله تكون –.
- فلا يعنيه في شيء أن يكون هذا المحرك تالفاً أو معطوباً أو به خلل..؟!
أرأيت لو أنك صادفت مثل هذا الإنسان في حياتك، تُرى بماذا ستصفه؟ وفي أي خانة ستصنفه؟..
تقول: أحمق، أبله، متخلف عقلياً، مجنون، غير طبيعي...!
ذلك كله صحيح، ونحن معك فيه، إذ كيف يمكن أن يكون المرء عاقلاً وهو يقصر اهتمامه كله في القشرة الخارجية، ويترك اللب ولا يلتفت إليه، وإلاّ فما قيمة جسم سيارة جميل لامع ، مع خراب محركها أصلاً؟؟!
لكلِ داءٍ, دواءٌ يستطبّ به *** إلاّ الحماقة أعيت من يداويها..
نعم إنها حماقة تبلغ مستقر العظم..!!
ولكن........
ولكن.. واسمح لي الآن أن أناولك دواءً شديد المرارة!!
ألا ترى أن أكثر الخلق، في عالمنا المعاصر، يتصفون بهذه الصفة نفسها، ويتجهون هذه الوجهة بعينها؟!
وكأني أراك تسأل في عجب: كيف؟! وأقول لك في حب، فاصغِ إليّ جيداً:
مما هو بدهي ولا يحتاج إلى براهين وأدلة، أنّ الإنسان جسد وروح أشبه شيء بالسيارة من هذه الناحية، قلب وقالب - وإنك لترى أكثر الخلق – .
- ولعلي ولعلك واحد منهم - يصبون اهتمامهم كله في العناية الكاملة بهذه الأجساد، والمحافظة عليها، وحسن الرعاية لها، وتعهدها بما يلزمها، والمسارعة عند أول بادرة قد تصيبها..!!
وكل ذلك طيب ولا غبار عليه، ولكن بشرط واحد هو:
عدم إهمال الناحية الأخرى في هذا الإنسان، أعني (روحه)..
فهذه الروح هي المحرك الأساسي فيه، وهي بمثابة (الدينامو) لهذا الجسد..
وإلاّ فلا معنى للجسد إذا خرجت منه الروح..؟؟!
يصبح مجرد جثة هامدة، لا قيمة لها، وسرعان ما يرميها أهلها في حفرة ضيقة ويوارونها التراب!!
والحقيقة: أنّ الإنسان روح قبل أن يكون جسداً..
ومع هذا فمن روائع إسلامنا العظيم أن طالبنا بالإنصاف والعدل في الاهتمام بهذين الجانبين معاً، فكما أنّ الجسد يحتاج إلى غذاء، ودواء، وطعام وشراب وحركة، فكذلك شأن الروح تماماً بتمام، تحتاج هي الأخرى إلى غذاء، ودواء، وطعام وشراب، وحركة، لتمارس دورها على الوجه المطلوب في حياة هذا الإنسان..
وإذا كان الصغير فينا والكبير يعرف احتياجات جسده، فإنّ أكثر الخلق لا يعرف ألف باء احتياجات روحه!!
ولا كيفية التعامل معها، ولا موازين الصحة والمرض عندها..žž! وهذه والله مصيبة!!
ولهذا السبب نجد النفس الأمّارة بالسوء تتنمر متوثبة إلى دوائر الشر، فتنحرف كثيراً أو قليلاً، كلّ بحسبه..
فعلى قدر صفاء الروح ويقظتها وصحتها، وحضورها وقوتها: تجد أنّ النفس قد انقلبت من (أمّارة بالسوء) إلى نفس (لوّامة) ثم إلى نفس (مطمئنة).
وذلك معناه صلاح هذا الإنسان، أو هو في الطريق إلى كمالاته يسير إذا بقي على هذا الحالة من الصفاء ويحرص على المحافظة عليها ..
وباختصار شديد وموجز، وبكلمتين فقط أقول لك: إنّ خالق هذا الإنسان لم يتركه هملاً على هذه الأرض، بل هو خلقه، ورسم له الطريق الموصل إلى كل كماله، وحدد له المعالم، وأنار له الدرب ، ودلّه على ما فيه سعادته في الدنيا قبل الآخرة، ورغّبه، ورهّبه، وحذّره، فعلى قدر قرب العبد من ربه سبحانه، وحُسن الإقبال عليهº تجد الروح سر سعادتها، لأن في ذلك _فقط_ غذاءها ودواءها وطعامها وشرابها...
فلا تزال تقوى وتشتد وتستوي حتى تتكامل في فرح وانتشاء وبهجة، كأنها من أهل السماء، وهي بعد تدبّ على هذه الأرض..!
تلك سعادة الدنيا، التي سماها الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم-: (حلاوة الإيمان).
أما الآخرة فتنتظره بمفاجآتها الكثيرة الرائعة حيث ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر..((في مقعد صدق عند مليك مقتدر)).
وتمضي السنون ولا نهتدي **** لما قد ينير لنــا الأفئدة
وكالعيس تغدو عطاشاً مـع **** وجود العيون على مقربة
ويمضي الجميع إلى غــاية **** وكل له يـا أخي مشربه
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد
التعليقات ( 1 )
ما شاء الله
-فاتن
19:07:05 2016-08-13