بسم الله الرحمن الرحيم
خرجنا قبل عدة سنوات في رحلة شاقة إلى قرية سودانية منكوبة بالجفاف عبر طريق صحراوي ترابي، فلما دخلنا القرية، خرج سكانها عن بكرة أبيهم لاستقبالنا، ولم يكن بينهم طفل واحد. فلما سألتهم عن سبب غياب الأطفال، قالوا إن جميع الأطفال الذين تقل أعمارهم عن خمس سنوات قد هلكوا جميعاً بسبب المجاعة، وليس في القرية طفل واحد حي! علماً بأن إنقاذ طفل هنا لا يكلف أكثر من خمسة عشر فلساً كويتياً عن كل يوم.
وهاك مشهد آخر من قرية في كينيا زرتها مع أبنائي. دخلت بناتي إلى إحدى (العشش) واكتشفن أن أصحابها لم يذوقوا طعاماً منذ مدة وكان بينهم طفل يحتضر، فحملته أحداهن وجاءتني به مسرعة لعلي أنقذه من الموت، كان في حالة غيبوبة وحرارته مرتفعة بسبب ما وتبدو عليه أعراض الملاريا القاتلة. حاولت إقناع ابنتي باستحالة علاجه في هذه الحالة، ولكنها أصرت على الذهاب به إلى المستشفى، فتوفي بين يديها ونحن في طريقنا إلى المستشفى مع العلم أن كلفة علاج الملاريا لا تزيد عن عشرة فلوس كويتية.
ومشهد ثالث في قرية بجنوب شرق مدغشقر أصابني فيه من الحزن والألم ما أصابني عندما نعي إليَّ أفضل داعية من دعاتنا في قبيلة الأنتيمور، توفي بسبب ماء ملوث شربة من نقعة ماء وهي مصدر الماء الوحيد في القرية، فترك وراءه مئات المسلمين الذين أسلموا على يديه، وكان لهم أسوة حسنة... والحالة كذلك أن مائة فلس كويتي يمكن أن توفر ما يكفي شخصاً واحداً من مياه الشرب لمدة سنة كاملة. وفي قرية أصابتها الفيضانات وتكاثر فيها البعوض وانتشرت الملاريا خرجت إلينا امرأة تحمل طفلين أحدهما هزيل جداً بسبب الإسهال نتيجة شربة من مياه الفيضانات الملوثة والآخر مغمي عليه نتيجة الملاريا وطلبت منا علاجهما فاعتذرناº لأننا لم نكن نحمل دواء فطلبت منا حبوب أو شراب بنادول لتسكين الألم على الطفل فاعتذرت وأنا أتألم وسألتني وهي تبكي حتى حبة بنادول واحدة!؟ ورغم علمي كطبيب أن الباندول لا يعالج الملاريا ولا الإسهال إلا أننا وجدنا حبة في جيب أحد الأخوة فأعطيناها لها.
هذه القصص وأمثالها نعيش الآلاف منها في إفريقيا، وأتساءل ألا تدعونا للتفكير فيما وهبنا الله من نعمه، فمهما بلغ فقرنا وحاجتنا فنحن في نعمة كبيرة جداً مقارنة بهؤلاء وأمثالهم.
هذه النعمة ألا تحتاج إلى شكر عملي نعبّر فيه عن حمدنا لله من خلال مساعدة المسكين والفقير والمحتاج في كل مكان. إننا نحتاج إلى فتح صفحة جديدة مع الله فنستمتع بنعمه من المأكل والملبس والتعليم مع إعطاءه حقه في مساعدة إخواننا..
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد