بسم الله الرحمن الرحيم
\"تحاشاهم.. تجنّبهم.. اهرب منهم.. هيا، فرّ وكأن أخطر مجرمي الأرض يطاردونك. لا تستدر وراءك.. لا تتردد.. الفرارَ.. الفرارَ.. اجعل هذا شعارك ولا تخجل\".
من هم؟ ولماذا كل هذا التنبيه والصراخ الذي يوحي بالخطورة الشديدة؟
إنهم سارقو الأحلام، ناقلو الموجات السلبية، زارعو الكآبة واليأس والقنوط.
إنهم ببساطة: الأشخاص المتشائمون، الثرثارون على وجه الخصوص. هؤلاء الذين يأتون ليجالسوك، ويفعموا دماغك بأفكارهم السلبية عن الحياة.
وهل هم خطيرون إلى هذه الدرجة؟ بالطبع هم كذلك، وهم قادرون في أحايين كثيرة على تغيير مسار حياة الشخص بصورة لا يمكن تصورها البتة.
أرخص سلعة:
إن النصائح المجانية والانتقادات هي أرخص السلع في عالمنا، وكل شخص لا يجد ما يفعله يمكنه ببساطة أن يشنّف مسامعك لساعات بعيوبك وأخطائك، ويحذرك من هذا الأمر وينهاك عن آخر.
ولقد كان من الممكن أن يختلف الأمر، أو أن يكون أقل خطورة لو أن العقل الواعي هو الذي يتعامل مع هكذا آراء وأحاديث، لكن مكمن الخطورة هو أن العقل الباطن -وهو كالمغناطيس- هو الذي يستقبل كل تلك الإشارات، وهي -للأسف- سلبية 100%.
إن العقل الباطن \"بليد\" -إن جاز لنا القول- وهو يلتهم كل ما يجد في طريقه، وإن أنت سيطرت على بعض ما اكتسبه جاءك بأشياء أخرى لم تلتفت إليها فجعلها مسيطرة عليك.
ولنا في هذا مثال لا أفضل منه، وهي نصيحة الحبيب - صلى الله عليه وسلم - لنا بالتزام الصحبة الصالحة.
كما رُوي في الأثر يُروى عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: \"الرَّجُلُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ فَليَنظُر أَحَدُكُم مَن يُخَالِلُ\". رواه أحمد والترمذي وأبو داود عن أبي هريرة - رضي الله عنه -.
فَلِمَ تجنب رفاق السوء إن كانت عقيدة المرء قوية؟ أوَليس الخوف هنا هو ذاك التأثير اللاملحوظ من طرف المتلقي؟ ولن نكون مبالغين لو قلنا: إن مرافقة أصحاب السوء لا تختلف كثيراً عن معاشرة الأشخاص المحبطين والمتشائمين دائماً.. فالفريقان معا يؤديان إلى نتيجة واحدة: الإخفاق في الحياة.
احذر.. احذر:
فأنت تكون في أحسن حالاتك النفسية تتدفق في دمائك الرغبة القوية في النجاح والطموح الذي لا حد له، وربما تكون قد بدأت في التخطيط فعلاً لمشاريعك ومخططاتك المستقبلية، ناظراً إلى الحياة بتفاؤل دون غفلة، وآخذاً الأمور بواقعية دون تشاؤم، عازماً على المضي في طريقك أياً كانت العقبات.
في هذه اللحظة تلتقي بأحد زملاء الدراسة القدماء، وتسأله عن الأحوال وأنت سعيد بلقياه، وبدلاً من أن يحدثك عما سألته عنه باختصار يبدأ بسرد مشاكله كلها عليك، وفي انتقاد المجتمع المحيط بِكُما وسبّ المسؤولين، وإعطاء رأيه في هذه الحياة التي لا تستحق أن يعيشها أحد.
شيئاً فشيئاً تشعر أن حماسك السابق يقلّ، يتحوّل اللون الوردي إلى رمادي ثم إلى أسود. تبدو لك كل الأبواب -التي كانت في السابق مفتوحة على مصراعيها- مسدودة بألف قفل. ويواصل صاحبنا حديثه، وأنت تواصل التأثر والإحباط.
في هذه اللحظة بالضبط إن شعرت بالخجل، ولم تستطع أن تضع حداً لـ\"صديقك\" هذا، فأنت ستفقد كل معنوياتك المرتفعة، وربما تخلّيت تماماً عن مشاريعك، وغيّرت نظرتك للحياة كلها.
والعكس صحيحº فلو أنت قرّرت أن تكون حازماً -مع اللين- مع صاحبك هذا، واعتذرت له للانصراف، أو طلبت منه تغيير الموضوع بكل صراحة، أو قمت بتغييره أنت بطريقة مباشرة أو غير مباشرة دون أن يشعر هو، فستكون قد أحطت نفسك بجدار صلب يحميك من السموم التي ينفثها صاحبك، سواء عن قصد أو غير قصد، بل ربما قمت بتغيير أفكاره الكئيبة أيضاً، ونقلته إلى عالمك البهيج.
ذبذبات الخوف:
يقول (فيليكس جاكسون) في كتابه \"فكّر تصبح غنياً\": تمر ذبذبات الخوف من عقل إلى آخر بسرعة مماثلة لسرعة انطلاق الصوت البشري من الإذاعة وصولاً إلى جهاز (الراديو).
والشخص الذي يعبر بكلمات من فِيهِ عن أفكار سلبية أو هدّامة لا بد أن يعاني من نتائج تلك الكلمات بشكل ارتدادي، وحتى إطلاق الدوافع الفكرية الهدّامة وحدها دون مساعدة الكلمات يولد ارتداداً متعدداً..
أولاً: الشخص الذي يطلق أفكاراً ذات طبيعة هدّامة يجب أن يعاني من الضرر الناتج عن تفكّك في وظيفة الخيال المبدع في عقله.
ثانياً: يؤدي تواجد أي مشاعر هدّامة في العقل إلى تطوير شخصية سلبية ينفر منها الآخرون، وتبعد الآخرين عنها، وتحوّلهم إلى أعداء ومعادين.
والمصدر الثالث للضرر الناتج للشخص الذي يطلق أفكاراً سلبية أو يرعاها كامن في حقيقة مهمةº هي أن تلك الأفكار السلبية ليست مضرة بالآخرين فقط بل هي تنغرس في العقل الباطن للشخص الذي يطلقها، وتصبح جزءاً من شخصيته.
هذا يؤكد أن الأفكار السلبية تؤثر على قائلها أيضاً فتزيده إحباطاً فوق إحباطه، ويستمر الأمر وكأنه دائرة مغلقةº لذا نجد دائماً أنه من الصعب أن تقنع الشخص المتشائم بأن الحياة ليست أبداً بذلك السوء الذي يراها به.
والأفكار الهدّامة والمثبطة للعزائم ليس بالضرورة مصدرها الأصدقاء أو الجلساء، بل إنها موجودة حولنا في كل مكان، خصوصاً ونحن نعيش وسط هذا التقدم العلمي الكبير، الإعلامي على وجه الخصوص.
فأخبار الحروب والزلازل والكوارث تؤثر سلباً وبشدة على نمط تفكيرنا وتشوّش على تفاؤله إن كان متفائلاً، وتزيد في تشاؤمه إن كان متشائماً.
الأفكار السلبية:
إن كمية الأفكار السلبية والأخبار السلبية في الجرائد والمجلات والقنوات هي بالتأكيد أكبر بكثير من نقيضها، وإن لم يكن للمرء برنامج معين ومحاذير في مشاهدة التلفاز ومطالعة الجرائد فهو بالتأكيد سيصل إلى حالة رهيبة من اليأس دون أدنى شك.
كما لا يخفى بالتأكيد مدى التأثير الذي تتركه وسائل الإعلام على الفرد منا، وقد كُتب في هذا مقالات وكتب كثيرة وسال مداد أكثر، وليس المقام مناسباً للحديث عن هذا الموضوع. لكنه واضح للعيان، وكلنا نعرفه.
وللتأكّد من ذلك قارن بين نفسيتك بعد مشاهدتك لبرنامج اقتصادي حماسي وبرنامج ديني بما فيه من الطمأنينة والسكينة. وبين نفسيتك بعد أن شاهدت قتلى الحروب أو استمعت إلى إحدى الأغنيات التي لا تكف عن الولولة عن الحبيب الغائب، رغم ما قد يبدو في هذه الأخيرة من دسم.. لكنه للأسف مملوء سمّاً.
ولعلك ستُفاجأ لو علمت أن أحد الإحصاءات خلص إلى أن 75% من طاقة الإنسان يمكن أن تُهدر في أشياء تشوّش حياة الشخص.
شعرة رفيعة:
لكن من المنصف -أخيراً- أن نلاحظ هنا تلك الشعرة الرفيعة التي تفصل التفاؤل عن السذاجة والتشاؤم عن الواقعية. فالمؤمن متفائل، وأفكاره دائماً جذّابة، لكنه أيضاً حذر ومتابع لما يدور حوله كما قال - صلى الله عليه وسلم -: \"المؤمن كيّس فطِن\".. لذا وجب التحذير من فهم التفاؤل على أنه اتكال وثقة مطلقة، وحديث دائم عن أن \"كل شيء سيكون على ما يرام\" لمجرد أننا نراه كذلك.
لقد تعلمنا من ديننا القصد في كل شيء، وأمتنا أمة وسط..لذا وجب التعامل مع هذا الأمر أيضاً بالطريقة نفسها، والتفريق بين أن تكون هارباً من النجاح، وأن تكون هارباً نحو النجاح.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد