بسم الله الرحمن الرحيم
عرف الناس التنظير الإداري من خلال ما يسمى بالإدارة الحديثة، والتي ظهرت في العام 1900م على يد رجلين أحدهما أمريكي اسمه تايلور، والآخر فرنسي ويدعى فايول، وكان كتاب الأمريكي تايلور والمسمى \"بالإدارة العملية\" هو النواة في تأصيل وتنظير الأمور الإدارية.
والمدير الناجح يفكر في بداية المشروع في توفير أربعة أمور رئيسية، وكلما اكتملت هذه الأمور كان النجاح أقرب له بإذن الله، وهذه الأمور هي:
- كادر متميز في العمل الإداري والتنفيذي على حد سواء، وكل حسب مهمته.
- تطوير لكادر العمل كل في مجال تخصصه.
- وضع لوائح وأنظمة تسير عليها المؤسسة تتسم بالشمولية والدقة.
- توفير الإمكانيات المادية التي تحقق الجودة، وتختصر الوقت والجهد، وتضاعف الإنتاج.
وهذه الأمور كما نلحظ شملت كل ما يميز الشركات والمؤسسات الناجحة، ففيها استكمال للعناصر الإدارية وتطويرها وإعطائها الأجهزة الحديثة للعمل مع وجود سياسات قوية ومحكمة، ومع التقدير لكل ذي جهد إلا أنني أقول أن تايلور وفايول بل والإدارة الحديثة كلها تحتاج إلى أن تتعلم فنون الإدارة من تاريخ الإسلام، ومن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تحديداً، وتحتاج أن تكتب الأطروحات، وتضع الدراسات في تعامله الإداري المتميز - عليه الصلاة والسلام -.
ولنأخذ مثالاً على ذلك العناصر الأربعة التي ذكرناها قبل قليل لنرى كيف تعامل معها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
أولاً: اختيار الكادر المتميز، وحرصه على ذلك، ونرى كيف أن ذلك الكادر هو الذي عرف لقوته وصلابته، فحرص - صلى الله عليه وسلم - على أبي بكر، ورجى الله أن ينصر الإسلام بأحد العمرين، وذهب لسادة القوم في دعوته، واختار القبائل المؤثرة، ولما رأى وفد حمّير قال: جاء أحد اليمن وأشار لتميزهم بالرقة، وخرج بالمسلمين من دار الأرقم في صفين على رأس الأول عمر بن الخطاب، وعلى رأس الثاني حمزة - رضي الله عنهم أجمعين -، وأختار أبا بكر الصديق - رضي الله عنه - لرفقته في الهجرة، وتشدد في اختيار الأمراء حتى منع الإمرة عن بعض أصحابه: (يا أبا ذر إنها أمانة، وهي يوم القيامة خزي وندامة) وغير ذلك من المواقف.
ثانياً: الاهتمام بالتطوير، والغرض منه الوصول إلى منزلة عالية من المهارة إن صح التعبير، ويظهر ذلك في قوله لابن عمر: (نعم العبد عبدالله لو كان يقوم من الليل)، وقوله: (يا عبدالله لا تكن مثل فلان كان يقوم الليل فتركه)، ورد على من سأله عن أحب العمل قائلاً: (الصلاة على وقتها)، وعلى نفس السؤال رد لما تغير السائل: (الجهاد)، وعلى ثالث: (بر الوالدين)، وأوصى رابعاً فقال: (لا تغضب)، وهكذا يعطي كل فرد ما ينقصه، وبأسلوب راق في التوجيه، وهذا بلا شك يدل على تأمل وفهم لنفسيات الناس، وقدرة على الإدارة والتوجيه عالية.
ثالثاً: اللوائح والأنظمة، والإسلام لما أتى أقر بعضاً من أمور عرفت في الجاهلية كونها صحيحة كالشجاعة، والكرم، والصدق، ولكنه جاء في تشريع ينظم كل صغيرة وكبيرة في حياة المسلم.
فالمعاملات التجارية وضعت حدود للحلال والحرام أشبه ما تكون بالسياسات، وفي التعامل مع الزوجة والأبناء، وفي التعامل مع الجار، ومع غير المسلمين، وما يجوز ومالا يجوز من الطعام، وحددت مسافات القصر للصلاة وأيامه، وطريقة الطهارة، وأهتم بالنظافة والتعليم، وحث على تكوين الأسرة، بل وأوصى ببعض الأمور الدقيقة جداً كالعيش في الحواضر، وعدم النوم والإناء مكشوف، وغير ذلك من الأمور الدقيقة التي تدل على نظام دقيق محكم يضمن العيش بأمان ورفاهية لكل متبع له.
رابعاً: الإمكانيات المادية (ارموا بني إسماعيل) (من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً)، والله يقول وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل، وترك أمور الدنيا لأهلها فهم أخبر بها كما حدث في توبير النخل، وجعل للفارس سهمين، وأخذ معه الرماة، وقبل الأقوياء المصارعين في جيشه، وكل هذه أسباب مادية متميزة في ذلك العصر.
إن المتأمل في حياة الرسول - صلى الله عليه وسلم - سيعلم مدى تفوقه الإداري، ومدى تميزه - صلى الله عليه وسلم -، ويرجع النجاح لأسباب وهي:
- أن هذا وحي من الله ((وما ينطق عن الهوى)).
- أن الداعية متميز وقوي، صادق في حبه الخير.
- أن القلوب صادقة ولهذا قبلت الخير وآمنت به.
ربما كانت هذه بداية تحرك الهمم لتتبع مواقفه - صلى الله عليه وسلم - وتدوينها، والتأمل فيها وأخذ العبر منها، وإعادة دراستها مرات ومرات وفق نظم ونظرات إدارية حديثة، وسنرى بأنفسنا أن منهجاً كفيلاً بإنقاذ الأمة من انحدارها متوفر بين أيدينا، ويحتاج فقط إلى دراسة جادة.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد