كعادتها في كل ليلة اجتمعت الحيوانات قريباً من القفص الكبير..فهناك يستطيع الكل أن يشارك، حتى بعض الحيوانات البحرية التي يمكنها المشاركة من خلال أحواضها..وفي هذه التشكيلة الغريبة من الحيوانات بدا صوت القرد متذمراً ومنزعجاً أكثر من غيره.
- قلت لكم.. لن ينفع أي شيء مع هذا المخلوق.
- وسرت همهمة في الحضور قطعها صوت هادئ يأتي من أقصى نقطة للاجتماع.. أنت اهدأ قليلاً ودعنا نفهم الموضوع.
- وشد القرد شعره.. كيف أهدأ.. كيف.. لقد كدت أن أموت أكثر من مرة.. وهذه المرة انظر ماذا ترك لي صاحبي.. والتفت لتبدو علامة حرق في أعلى ظهره.
- وسرت الهمهمة مرة ثانية.. وعاد الصوت الهادئ مرة أخرى، مهما حدث لا بد وأن تهدأ، كيف تريدنا أن نفهم الموضوع إذا كنت تتكلم بهذه الصورة.
- ردّ القرد على صاحب الصوت.. اسمع أنت، نعلم أن الكلاب وفيّة للإنسان، ومع أنك مخيّر في صداقتك ووفائك.. إلا أنك لا بد الآن أن تفتح عينيك وأذنيك وتنظر حولك.. إنه يذلنا ويعاملنا بمنتهى المهانة.
- ربما يا أصحابي لا تكون الأمور بهذه الصورة.. إننا هنا نتعلم منه ونعمل لنأخذ اللقمة التي نعيش بها.. إذاً الأمر مجرد تبادل المنفعة.
- كم أود أن أكسر اليد التي ترمي لي بهذه اللقمة المغموسة في دمي وكرامتي.
- رد صوت آخر أكثر مرحاً.. هدوء، هدوء.. ما رأيكم أن نقوم بمحاكمة الإنسان.. والقرار الذي تتخذه المحكمة سنعمل به كلنا.
وسرت همهمات الاستحسان في الحضور، ثم بدأ الكل يساهم في تشكيل المحكمة.
تولى القرد والدب مهمة الإدعاء العام.. واجتمعا معاً ليحضرا وثيقة المرافعة.. بينما التفت الكلب إلى الحصان وسأله: هل تتولى معي الدفاع؟ وأشار الحصان بهزة من رأسه تعني الموافقة. وأخذ الدلفين مكانه في الحوض القريب ليكون في مقام القاضي، ويستمع إلى الشكوى المقدمة. بينما تولت الأفيال مهمة تنظيم العمل وترتيب المحاكمة.
- نظر القرد بخبث إلى التشكيلة.. يبدو أن لصاحبنا أصدقاء كُثر.
- بدأ الدلفين كلامه.. ماذا لدينا هنا، من الذي سيقدم الشكوى.
- تقدم القرد مبتسماً ابتسامةً ماكرة.. نعم يا سيدي أنا هنا.
- ماذا لديك؟
- سيدي الدلفين.. بدأت علاقتنا بالإنسان منذ قرون عدة.. وكان يناله منا الخير، ويناله منا الوفاء.. ولكنّ أذاه زاد فلم يترك أحداً.. يخرج إلى الصيد فيصطاد الطيور ليس من أجل أكلها، بل من أجل العبث وإشباع رغباته.. ويصيد الوحوش من أجل فرائها.. ويأسر البهائم ليأكلها.. ويأخذ حليبها، ويحرم منه صغارها.. ويقيّد بعضنا ليقوم بحراسته، مع اتصال أذاه ببني جنسه فأنشأ الحدود، وأقام الحروب، كل ذلك من أجل السيطرة. ثم زاد أذاه فأصبح يقيّدنا ويعذّبنا لنقوم بحركات تدل على الجنون.. فإن أبينا ضربنا وحرمنا من الطعام.. وكم قمنا بما يريد ليضحك على عذابنا.. ويتلذذ بمشاهدتنا ونحن نؤدي ما يريد.
سرت همهمة في القاعة قطعها صوت الفيل يطلب من الجميع الهدوء.
- ثم التفت الدلفين إلى الكلب والحصان، وكانا منشغلين بمراجعة بعض النقاط.. ماذا لدى الدفاع؟
- سيدي القاضي.. سخرنا الله يوم أن خلق الأرض للإنسان.. فنحن في خدمته أقسام.. فمنا مَن هو طعام له، ومنا مَن مهمته حراسته، ومنا مَن يحمل أثقاله من مكان إلى مكان، ويوفر له البعض الملابس وغيرها.. وهكذا -كما ترى- فهذه سنة الله في خلقه.
- التفت القاضي إلى القرد.. ما رأيك في الكلام الذي قيل؟
- يا سيدي.. نعم لم ننكر ذلك.. ولكن الإنسان تجاوز حده الآن وازداد شره.. حتى حبسنا في أقفاص من أجل التسلية.. وتفنن في عذابنا. إننا لا ننال لقمتنا إلا بأداء حركة يريدها.. فإن أبينا ضربنا، وبتنا على جوعنا نعضّ أصابعنا.
- زادت الهمهمة في القاعة.. وقطعها صوت الدلفين.. ما رأي الدفاع؟
- رد الحصان.. صحيح إن الإنسان زاد في بعض تجاوزاته.. ولكن هذا شيء له مسوغاته أيها القاضي..
- كيف؟
- أجاب الحصان..
أولاً.. هذا الشيء مصدر رزق له.. فهو يقتات من خلال ما نقوم به.. ويكافئنا على ذلك.
ثانياً: هو ينظر إلى الأمور معنا كما ينظر إليها مع بني جنسه.. فهو يقف معنا في العرض ليؤدي نفس الشيء الذي نقوم به.. فهي الرغبة في الحياة يا سيدي.
كما أنه يوفر لنا نتيجة أعمالنا كل ما نحتاجه.. فالطعام يصلنا، والمكان الذي نعيش فيه متوفر وآمن، ولو مرض واحد منا يأخذه إلى الطبيب ليعالجه.
ارتقت الأصوات وعلت الضوضاء.. وتداخل الكلام فلم يعد أحد يميز شيئاً. وبدا كأن الحيوانات في ثورة وفجأة.. دوّى صوت رهيب جعل الحيوانات تجفل وتقفز إلى أماكنها.. وساد صمت رهيب.. ومع السكون فُتح الباب الرئيسي لمدخل الأقفاص، ووقف رجل قوي البنية، وفي يده سوط مصنوع من الجلد.
- ماذا هنا؟ ما الذي حدث؟ وتوجّه إلى قفص القرد.. وفتحه.
وفي وسط دهشة الجميع قفز القرد ليتعلق برقبة الرجل، ويضع رأسه على صدره.. وفي نظرة منكسرة ينظر إلى الرجل.
- أوه.. كيف حالك اليوم؟ تبدو لي بصحة جيدة.
وتحرك الرجل إلى الخارج حاملاً القرد يلاطفه ويلاعبه.. وفي ابتسامة ماكرة مدّ القرد لسانه للحيوانات.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد