على أديمك أيها البحر .. !! ( 2 )


 

بسم الله الرحمن الرحيم

(1)

استبان لي في هذه الحياة أمور كثيرة

آن لي أن أُسطر بعضها على أديم الذكريات

وقد آذنت شمسي بالأفول...

استبان لي أن أقتصد في كل شيء..

أقتصدُ حين أحبّ وأقتصدُ حين أكره....

\" أحبب حبيبَك هوناً ما

عسى أن يكون بغيضَك يوماً ما..

وأبغض عدوّك هوناً ما

عسى أن يكون حبيبَك يوماً ما \"....

وهذا يعني أن تكون مشاعرنا حيال الآخرين

مسيّجة بنور البصيرة والعقل والشريعة...

واستبان لي أن رصيدنا

في بنك الحب أيضاً قابل للنفاد..

فلا نبالغ في حبّ أناس

يزهدون في حبّنا...

نحبّهم بقدر ونعطيهم بقدر...

وقد لا يستحقون منا

كل هذا التوهّج والإخلاص...

ولا يجوز أن نستهلك رصيدَنا في بنك الحبّ

في تجاربَ محدودة معدودة...

والعمرُ أمامنا... يجب أن نحافظَ على رصيدنا

دائناً ومديناً متوازناً حتى لا ينفد رصيدُنا...

فتتحول حياتنا إلى صحراءَ بلقع...

جدباء من رقراق الحبّ وسلسال الحنان..

يستبد بها الجفاء وترتع فيها القسوة...

(2)

لقد استبان لي في هذه الحياة

أن الوردة إذا كثرت الأيدي التي تتداولها

فمصيرها الجفاف والذبول...

وإذا تعاقبت عليها الأنفاسُ بالشمّ واللّثم...

فِإنها تفقدُ رائحتَها وتفسدُ وتعطبُ... !!

لذلك لا يحافظُ على رواء الوردة مثل

أن تُسقى بالأنفاس الطيبة..

والمشاعر الدافئة المخلصة...

تتجنبُ التداولَ والتنأولَ

لتستقر أخيراً في يد واحدة

تحميها من الفضوليين

وعابري السبيل

الذين يحبون أن يمتعوا عيونَهم بجمالها

ويعطروا أنفاسَهم بشذاها... !!

 

(3)

رحم الله أبا الطيب المتنبي القائل:

خلقتُ ألوفاً لو رجعت إلى الصبا

لفارقتُ شيبي موجعَ القلبِ باكيا!!

 

أرأيتم وفاء أجل من هذا الوفاء!!

 

وليس يدهشني من أخلاق الرجال كالوفاء!!

وكنت قلت: كلما سمعت قصة من قصص الوفاء

حلّقت بجناحين في الفضاء

لأخبر الناس أن الدنيا بخير وألف خير

... فما زال الأوفياء هم الذين يكتبون قصة الحياة...

ومازال للوفاء طعم أندى من الندى وألذ من الشهد!!

 

(4)

خُلقتُ عيوفاً لا أرى لابن حرةٍ,

عليّ يداً أغضي لها حين يغضبُ

فوالله لقد عرفت التسامح

والصفح عن الزّلات والهنات...

ولكني لم أعرفِ الإغضاءَ ولا حتى الانحناء...

عيبٌ على الرجال أن تنحني..

وعيبٌ للرجولة أن تغضي لأشباه الرجال

وعيبٌ للمروءة أن تنسحب

أمام متصيّدي الغفلة والعفاف...

وهذا لا يكون... !!

(5)

قال لي صديقي وقد كانت

الكلمات تتعثر على لسانه....

قالت لي رفيقة دربي....

عبثاً أن أجد مثلك يا تاج رأسي ونبض قلبي...

فقلت له: كلام شاعر هائم...

طبعاً أهابك إجلالاً وما بك قدرةٌ عليّ...

ولكن ملءُ عين حبيبُها... !!

قالت: عبثاً أن أجد نقاء مثل نقائك...

وسريرة مثل سريرتك وعلانية مثل علانيتك...

شفّاف شفافية البلور والكريستال...

أهنئ نفسي بك، وأهنئ بك كل من يعرفك...

ويا ليت الناس يعرفون هذا عنك... !!

فقلت له: شهادة زوجتك مجروحة يا صديقي!!

إنها شهادة الأم المعجبة بوحيدها...

والتي يتبدّى قردها في عينها غزالاً... !!

(6)

لقد استبان لي في هذه الحياة

بعد أن عضّتني الأيامُ بنابها..

وجرّعتني من علقمها وأوصابها

أن التعاطف مع الناس ينبغي

ألاّ يكون أشدَّ وأعظمَ من تعاطفهم مع أنفسهم...

صحيح قد يبزّ تعاطفُنا معهم

تعاطَفهم مع أنفسهم للفارق في الوعي

وافتقار الآخرين للذكاء الاجتماعي

واستسلامهم للذكاء الفطري

الذي قد يكون وبالاً عليهم...

لكن في كل الأحوال

ينبغي أن نوازن بين حرصنا عليهم

واهتمامنا بهم وحرصهم على أنفسهم

واهتمامهم بأنفسهم..

وإن كنا حقاً نحبهم فوق ما يتصورون لكن

- تجنبا للمآزق والمفاجآت-

علينا أن نكلَهم إلى خالقهمº فهو وكيلُهم وحسيبُهم..

وهو أرأف بهم منّا..

وبذلك نخلصُ من حالة الحرج

التي قد تدخلنا في دهاليز مغلقة

تختلط فيها القيم بالمصالح..

والأهواء بالمبادئ..

والحلول بأنصاف الحلول..

والمعقول بما يدني من الجنون... !!

(7)

اتقِّ فراسةَ المؤمن

فإنه يبصرُ بنور الله.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply