بسم الله الرحمن الرحيم
نحن نعقد الاجتماعات لكي يعبر كل فرد فيها عن وجهة نظره في القضايا المطروحة، وحتى يتاح للمجتمعين هذا الأمر لابد من التركيز على الجوانب الإنسانية في الاجتماعات، وعدم الوقوف عند الجوانب الشكلية في الاجتماع، ومن ثم كان جواز المرور لأي مدير فعال في إدارة اجتماعاته هو أن يدع كل فرد يعبر عما يؤرقه، وأن يجمع الآخرين حوله، ولا ينحاز لأحد داخل الاجتماعº بل يسعى جاهداً في أن يجعل مجموعته صفًا واحداً.
والمتأمل في مواقف النبي - صلى الله عليه وسلم - في إدارته لاجتماعاته يلمح هذا الأمر جلياًº فقد كان الرسول في اجتماعاته ومجالسه \"لا يجلس ولا يقوم إلا على ذكر ولا يوطن الأماكن وينهى عن إيطانها (أي اختصاص كل واحد بمجلس معين في المسجد أو غيره) وإذا انتهى إلى قوم جلس حيث ينتهي به المجلس ويأمر بذلك ويعطي كل جلسائه نصيبه، لا يحسب جليسه أن أحدا أكرم عليه منه، من جالسه أو قاومه (وقف معه قائمًا) في حاجة صابَره حتى يكون هو المنصرف عنه، ومن سأله حاجة لم يرد إلا بها أو بميسور من القول \".
أما عن سيرته في جلسائه: فقد \" كان الرسول دائم البِشر، سهل الخلق، لين الجانب، ليس بفظ (سيئ الخلق)، ولا غليظ، ولا سخاب (صياح)، ولا فحاش ولا عياب، ولا مزّاح.. يتغافل عما لا يشتهي، ولا يؤيس منه راجيه ولا يخيب فيه.. \".
فقد ترك نفسه من ثلاث: المراء (الجدل)، والإكثار، وما لا يعنيه.
وترك الناس من ثلاث: كان لا يذم أحداً ولا يعيره، ولا يطلب عورته، ولا يتكلم إلا فيما يرجو ثوابه.
إذا تكلم أطرق جلساؤه كأنما على رؤوسهم الطير فإذا تكلم سكتوا، وإذا سكت تكلموا، ولا يتنازعون عنده (أي لا يتكلمون سوياً)، ومن تكلم عنده أنصتوا له حتى يفرغ.
مهارة المتابعة وتقويم الأداء:
إن وجود هدف مخطط له في أية مؤسسة أو في أي عمل من أعمال الفريق لا يعني أن الهدف قد تحقق.
ومن ثم كان على المدير أو المشرف أن يقوم بمجموعة من الأساليب والإجراءات لكي يتأكد من أن ما تم إنجازه مطابق لما يجب أن يكون، ومحققا له، ولك أن تتخيل ماذا يحدث لو تركنا كل شئ يجري دون أن نتأكد من أن ما يتحقق أو ما تحقق مطابق للأهداف.
فالمدير الناجح أو المشرف الناجح مثل قائد السفينة، لا يمكن ولا يصح أن يترك عملية الرقابة حتى يكتشف أنه ضاع أو تاهº بل يجب عليه أن يتأكد أن سفينته في طريقها للهدف المحدد لها بالكفاءة المحددة مقدماً.
وقد تواترت المواقف النبوية التي تشير إلى أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قد أولى المتابعة أهمية خاصة، وصحح من خلالها كثيراً من الأخطاء التي وقع فيها الصحابة -رضوان الله عليهم-، وتعددت مناهج هذه المتابعةº فتارة نجدها قبل العمل، وتارة أثناء العمل، وتارة أخرى بعد انتهاء العمل.
في قصة \"كعب بن مالك\" وتخلفه عن غزوة تبوك قدوة ومثلº فقد جاء كعب بن مالك فلما سلم عليه تبسم تبسم المغضب، ثم قال له: تعال قال فجئت أمشي حتى جلست بين يديهº فقال لي \" ما خلّفك؟ ألم تكن قد ابتعت ظهرك؟ \" فقلت: بلى، إني والله لو جلست عند غيرك من أهل الدنيا لرأيت إني سأخرج من سخطه بعذر، ولقد أعطيت جدلاً، ولكني والله لقد علمت إن حدثتك اليوم حديث كذب ترضى به ليوشكن الله أن يسخطك عليّ ولئن حدثتك حديث صدق تجد عليّ فيه إني لأرجو فيه عفو الله عني، والله ما كان لي من عذر، والله ما كنت قط أقوى ولا أيسر مني حين تخلفت عنكº فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: \"أما هذا فقد صدق فقم حتى يقضي الله فيك\" فقمت.
كان من نهج النبي- صلى الله عليه وسلم - في تعامله مع صحابته المتابعة وتقويم الأداء، فهو يسأل \" كعب بن مالك \" عن سبب تخلفه في الغزوة \"ألم تكن قد ابتعت ظهرك؟ \" فما كان رسول -الله - صلى الله عليه وسلم - يترك كل فرد يتصرف من تلقاء نفسه، وإنما كان يتابع ويُسائل وإن كانت هناك فكان يحاسب.
ومن ثم كان على المدير أن يتابع وأن يقوّم أداء فريقهº لأنه إذا تُركت الأمور بغير متابعة فسوف تختلط الأمور، ويضيع جهد العاملين..، غير أن هذه المتابعة لا ينبغي أن تكون في كل دقائق أمورهمº فإن ذلك يبعث على النفور، ويشعرهم بأنهم في حصار مستمر، ومن ثم يضطرون لإخفاء الحقائق أو التورية، فيها ويفقده ذلك ثقته بنفسه.
فلا ينبغي للمشرف أن يجعل فريقه يصل إلى هذه الحال حرصاً على سلامة قلوبهم وصدق حديثهم وتحرر أفئدتهم ووجدانهم، وقد عزل النبي \"العلاء بن الحضرمي\" عمله في البحرينº لأن وفد عبد القيس شكاه وولى إبان بن سعيد، وقال له: \"استوص بعبد القيس خيراً، وأكرم سراتهم \".
وكان - صلى الله عليه وسلم - يستوفي الحساب على العمال، ويحاسبهم على المستخرج والمصروف، وقد استعمل - صلى الله عليه وسلم - مرة رجلاً على الصدقات، فلما رجع حاسبه.
وعن عروة بن الزبير عن أبي حميد الساعدي أن رسول الله استعمل رجلاً من الأزد على صدقات بني سليم، فلما جاء بالمال حاسبه فقال الرجل هذا لكم وهذا هدية أُهدي إليّº فقال النبي: \"فهلا جلست في بيت أبيك وأمك حتى تأتيك هديتك إن كنت صادقاً! \" ثم قام - صلى الله عليه وسلم - خطيباً فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: \" ما بال الرجل نستعمله على العمل مما ولانا الله فيقول: هذا لكم وهذا أهدي إلي، أفلا جلس في بيت أبيه وأمه حتى تأتيه هديته؟ والذي نفس محمد بيده لا نستعمل رجلاً على العمل بما ولانا الله فيغفل منه شيئاً إلا جـاء يـوم القيامة يحمله على عنقه \".
فهذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحاسب عماله، ويناقشهم من أين لهم ما يملكون؟ ومن أي طريق وصل إليهم؟
كما سار على هذا النهج عمر ـ رضي الله عنه ـ، أخرج البيقهي وابن عساكر عن طاووس أن عمر -رضي الله عنه- قال: أرأيتم إن استعملت عليكم خير من أعلم ثم أمر بالعدل أقضيت ما عليّ؟ قالوا: نعم! قال لا حتى أنظر في عمله أعمِل بما أمرته أم لا؟..فهذه كانت بعض من تعاليم المدرسة النبوية في فن قيادة الآخرين..
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد