بسم الله الرحمن الرحيم
إن من أهم عناصر نجاح الإدارة في الدول المتقدمة هو سياسات الإصلاح الإداري المتطورة، وهي خطط وبرامج تستهدف متابعة الأداء الإداري من فترة زمنية إلى أخرى، وقياس الأداء والإنتاجية وفق ضوابط محددة من خلال أجهزة متخصصة.
وأبرز هذه السياسات هي سياسة اختيار القادة الإداريين على مستوى الإدارة المتوسطة، وهي سياسات وخطط مقننة منضبطة لا تعتمد على عشوائية الاختيار أو انتمائية الاختيار أو إقليمية التوجه أو حزبية التوزيع وإنما تركز على ضوابط محددة، وشروط تحقق متطلبات وشروط الوظائف القيادية في الإدارة المتوسطة، وإن من أهم أسباب تخلف الدول النامية أو دول العالم الثالث - ونحن منهم - هي ضعف سياسات وخطط الإدارة، ويعتقد البعض أن الحلول المناسبة لمعالجة المشاكل والأزمات هي تغيير بعض الوزراء أو نوابهم واستبدالهم بآخرين، وهو إجراء قد يكون مناسباً إذا كان ضمن خطة متكاملة للتطوير الشامل، إلا أنه حتى اختيار الوزراء أو نوابهم في العالم الثالث لا يعتمد على أسس علمية، وإنما هو اختيار عشوائي يعتمد على أسس في كثير من الأحيان لا صلة لها بالأسس العلمية والعملية في اختيار القيادات الإدارية أو السياسية، حيث يعتمد الاختيار في معظم الدول العربية على العلاقات الشخصية، والارتباطات العائلية، والقبلية، والانتمائية، وارتباطات المصالح الخاصة والعامة.
ومن هنا تبدأ معاناة الإدارة، وضعف الإنتاجية، وتأخر تنفيذ سياسات الإصلاح الإداري.
وإذا اعتبرنا أن اختيار القيادات الإدارية العليا (الوزراء ونوابهم والمستشارين) يدخل في إطار السياسة العليا للقيادة العليا، ولا ترتبط بأي أسس علمية في الاختيار (وإن كنت أتحفظ على هذا الرأي)، إلا أنه قد يكون وراء ذلك أسباب نجهلها، وما أستهدفه في مقالتي هذه سياسة الإصلاح الإداري للقيادات الإدارية المتوسطة، وهي سياسة اختيار وكلاء الوزارات، والمدراء العموم، ومدراء الفروع، ومن هم في مستواها، وهي سياسة لا تعتمد أحياناً على أسس وخطط وضوابط محددة ومنضبطة وغير معلنة، وتعود إلى أهواء الوزراء ونوابهم، أو تعود إلى ضغوط خارجية من أشخاص آخرين في الإدارة العليا، ومن هنا تبدأ مشكلة أو مشاكل الإدارة، حيث يصعب توقع نجاح أي إصلاح إداري ما لم يتم إصلاح القيادة الإدارية وطرق وأسلوب اختيارها.
وإذا لم يكن هناك نظام منضبط لاختيار القيادة الإدارية في الإدارة المتوسطة فسوف لن يكون هناك فعالية لسياسة الإصلاح الإداري بصفة عامة، والحقيقة تكمن في أن معظم المشاكل الإدارية في الإدارة المتوسطة هي في غياب القيادة الإدارية المؤهلة تأهيلاً ليس علمياً فقط وإنما مهنياً وسلوكياً، وغياب برامج التأهيل الجيدة والمتخصصة والمستمرة لإعداد القادة الإداريين عملياً وسلوكياً، ومن أهم أسباب نجاح القادة الإداريين هو (تميز سلوكياتهم)، ومن أهم ما يعانيه أو تعانيه الإدارة هو ضعف سياسات إعداد القادة الإداريين، وضعف برامج التأهيل لهم بل عدم تواجدها في الكثير من التخصصات. ولهذا تعاني الإدارة ويعاني العديد من الإداريين التنفيذيين ويعاني العديد من المراجعيين والمواطنين من سلوكيات بعض القادة الإدرايين، فبعض القادة الإداريين يظهرون قمة التميز والسلوكيات المثالية قبل تعيينهم في مراكز قيادية، وبعد تعينهم وتثبيتهم على وظائف قيادية ينكشف القناع عنهم وتظهر صورهم الثانية وهي صور لا تشرف الإدارة أو القيادة الإدارية.
ونتيجة هذه المعاناة وضعت بعض الدول المتقدمة وبعض الشركات الكبيرة سياسات وخطط مثالية لاختيار القيادات الإدارية، وكان من أهمها سلسة من الشروط والاختيارات والفحوصات العملية والطبية والسلوكية، يتم بعد تجاوزها اتخاذ القرار النهائي، وكان البعض ينتقد بعض الشركات الكبرى في وضع شروط تعجيزية منها:
الاختبارات النفسية والسلوكية عند اختيار القيادات الإدارية، حتى أن بعض الشركات ترسل بعض المرشحين للوظائف القيادية لبعض الشركات والمكاتب المتخصصة في هذا في بعض الدول الأوروبية أو الولايات المتحدة على حساب الشركات الراغبة في التعيين لإجراء الفحوص والاختبارات على المرشحين، وهو إجراء في ظاهره غريب، ولكن في مضمونه إجراء علمي وعملي وصحيح وله عوائد اقتصادية كبيرة، ويسهم في تخفيف أو منع حدوث بعض القرارات الخاطئة في الاستثمار، أو في معالجة بعض المواقف الصعبة التي تواجه الشركة.
والحقيقة أن سر تراجع تميز الإدارة في بلادنا هو عدم وجود تطبيق متميز لسياسة الإصلاح الإداري، وعدم وجود أسس علمية وعملية في اختيار القيادات الإدارية، وعدم وجود أجهزة رقابية جيدة تتابع الأداء الإداري على مستوى القيادات الإدارية المتوسطة، وعدم وجود نظام منضبط لدورية القيادات الإدارية في الإدارة المتوسطة حتى شعر بعض القياديين الإداريين في الإدارة المتوسطة بأنهم ملكوا الكراسي التي يقبعون عليها منذ أكثر من عشرين عاماً، واستمرار سياسة اختيار القيادات الإدارية في الإدارة المتوسطة إذا أستمر على نفس طريقة وأسلوب الاختيار الحالي متجاهلاً الكفاءات المهنية والتخصصية والخبرات المكتسبة فستكون آمالنا المستقبلية في تطوير الإدارة عبارة عن خطط على ورق، ولن تتطور الإدارة التنفيذية ولن نواكب التطور الحديث والتقني في الإدارة ما لم نبدأ بتطوير القيادة الإدارية.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد