بسم الله الرحمن الرحيم
دعوني أطوف بكم في بعض الأمثلة الإيجابية لموضوع اتخاذ القرار، ففي إحدى المؤسسات يسمح لرجل المبيعات أن يتخذ أي قرار من شأنه أن يخدم الزبائن والعملاء وأن يصرف ما مقداره 3000 دولار في خدمة العملاء دون أن يسأله أحد عن سبب صرف هذا المبلغ، وهذا ما يجعل الزبائن عملاء دائمين مخلصين لهذه المؤسسة التي تخدمهم وتقدم مصالحهم على مصالحها.
المثال الثاني لسلسلة فنادق عالمية مشهورة، تعطي الحرية الكاملة لطقم الخدمة لاتخاذ قراراتهم الخاصة التي يرون أنها ستخدم النزيل في الفندق، ولهم مطلق الحرية في صرف ما مقداره 2000 دولار بدون أي مسائلة وبدون الحصول على مقابل من جهة الزبون، البعض سيقول: المؤسسة ستخسر بهذا التصرف، وأقول بأن النتيجة المترتبة على هذه الثقة الممنوحة للموظفين أن هذه السلسلة من الفنادق تربعت لفترة طويلة على عرش الفنادق، والآن هي من ضمن الفنادق الأكثر نمواً وربحية.
مثال من شركة صناعية معروفة، تسمح هذه المؤسسة للموظفين أن يستغلوا ساعات من الدوام الرسمي في مشاريع فردية إبداعية ولهم الحق في إنفاق ما مقداره 300 دولار في المشروع حتى يخرجوا بمنتجات إبداعية جديدة، وإن لم يقم العامل بإبداع منتج جديد فإنه لن يعاقب أو يحاسب، وإن نجح في إبداع منتج جديد فإنه يكافئ ويسمح له بإدارة عمليات إنتاج وتوزيع منتجه الذي ابتكره.
الأمثلة السابقة تتناول مؤسسات متنوعة، فالمثال الأول يمثل مؤسسة خدمات وسلع وهي عبارة عن سلسلة محلات البيع بالتجزئة، والمثال الثاني لسلسلة الفنادق تمثل قطاع الخدمات، والمثال الثالث يمثل الشركات الصناعية، ونستطيع أن نطبق هذه الأمثلة بشكل أو بآخر في مؤسساتنا الحكومية.
والواقع في مؤسساتنا الحكومية مختلف تماماً، مثال على ذلك ما كتب في جريدة الاتحاد في يوم السبت الموافق 23 يونيو 2001م، في رسالة دكتوراه قدمها الدكتور بدر عبد الله الجابري حول بحثه الذي يتناول وزارة التربية من الناحية الإدارية، ومن ضمن المشاكل والسلبيات التي تناولها البحث ظاهرة تركز حق اتخاذ القرار في المستويات العليا من الإدارة والموظفين أدوات للتنفيذ فقط لا غير، مما يحد من قدرة الموظفين على الابتكار وعلى الأخذ بزمام المبادرة، مما يزرع في نفوس الموظفين السلبية وانتظار الأوامر دون التحرك التلقائي.
ولا يخفى عليكم ما يعانيه المراجعين في المؤسسات المختلفة مع الموظفين المساكين! فالموظف لا يملك حق التصرف في الكثير من الأمور، وما هو - أي الموظف - إلا أداة لتنفيذ القرارات المتخذة من مديره، والذي بدوره اتخذ القرارات بشكل عشوائي وبدون أساس علمي أو واقعي يستند عليه في اتخاذه للقرار.
وكم رأينا وسمعنا عن لجان وفرق عمل تجتمع لكي تحل مشكلة أو تضع نظاماً جديداً وتتخذ قرارات لصالح المؤسسة، وتبقى لأيام في عملها هذا، ثم تخرج بتوصيات واقتراحات لا ينفذ منها شيء لأن اللجنة مجرد لجنة استشارية لا تنفيذية ولا تملك الحق في فرض توصياتها.
لماذا لا يثق المسؤولون والمدراء بالموظفين؟ لماذا لا يستطيع الموظف أن يتخذ القرار وينفذه؟ أليس الموظف هو الأقرب للواقع ولبيئة العمل ولما يحدث فعلياً في العمل؟ وبالتالي هو الأجدر باتخاذ القرار لأنه يعرف الواقع جيداً، لكن القرارات تأتيه من المدير مخالفة ومعاكسة للواقع فتحدث أمور عدة:
منها الإحباط الذي يصيب الموظف نفسه،
ومنها تأخير وعرقلة سير العمل، وبالتالي تخفيض إنتاجية الموظف وربما تعدم في أحيان بسبب عدم استطاعته فعل شيء وبسبب عدم قدرته على اتخاذ القرار بنفسه.
ما الحل لهذه المشكلة؟
الحل يبدأ من عقلية المدراء ومسؤولية الموظفين، كيف؟ على المدراء أن يفتحوا المجال أمام الموظف لكي يتخذ القرار المناسب للمشكلة التي تواجهه، وعلى المدراء أيضاً أن ينزلوا إلى ميدان العمل لكي يدركوا حجم العمل ومشكلاته بواقعية وبعيداً عن التقارير، وعندها يجب أن يتعاون المدير مع الموظف لكي يضعوا الحل المناسب الواقعي.
والموظفين عليهم استشعار المسؤولية إن أعطيت لهم، فلا يستغلوها استغلالاً سيئ، فيوظفوا هذه المسؤولية لتطوير العمل وتسيير الخدمات للمراجعين، وكما ترون فهذا التزام أخلاقي، وكما قلت في مقالة سابقة: ضياع الأخلاق سبب كل مشكلة نراها.
واسمحوا لي أن أذكركم بما دار في المقالات الثلاث حول بيئة العمل، فالمقال الأول تناولت فيه فن تقييم الموظفين، والثاني تناولت فيه أهمية التواصل المباشر بين المدراء والموظفين، وفي هذه المقالة تناولت أهمية الثقة بالموظفين وإتاحة المجال لهم لاتخاذ القرارات المناسبة لإنتاجية وتطور المؤسسة، ولو قمنا بعمل رؤية شاملة لهذه الأمور الثلاث لوجدنا أهميتها البالغة في تطوير أي مؤسسة، وهي أمور مترابطة متصلة لا يمكن تطبيق إحداهن دون الأخريات.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد