عولمة الإدارة

بسم الله الرحمن الرحيم

من لزوميات الثقافة وتمشياً مع التيار الذي يتحدث عن العولمة، أجد نفسي اليوم في سبيل الكتابة عن عولمة الإدارة. سواء كانت العولمة بدعة ثقافية أو (وسيلة) سياسية أو فكرة أمبريالية فأنها في كل الأحوال حقيقة مادية ملموسة خاصة في الجانب التقني و قوة مؤثرة علي المستويين الاقتصادي و الإداري. لذلك تصبح عولمة الإدارة موضوعاً جديراً بالطرح. قد يكون من نافلة القول أن الإدارة وخاصة إدارة الأعمال تتأثر بالمتغيرات و التقلبات المحيطة بما في ذلك تيار العولمة و ما أندرج تحتها من مصطلحات و تقنيات و مفاهيم. و يتبلور هذا التأثير على المستويين النظري والتطبيقي.

في المجال النظري ستنقشع مع العولمة الحدود الجغرافية وهي (أي الحدود) التي ولدت النظرية الموقفية في فكر ما يسمى بالاستراتيجية الدولية للمنشآت متعددة الجنسيات أو شركات التصدير. فعلي سبيل المثال يقال أنه في نظرية التسويق الدولي لا بد أن يحاكي المسوق الدول والمجتمعات بمزيج تسويقي (متكيف) و لكنه مع العولمة يصبح أمام عالم واحد في قرية صغيرة ليس بين شوارعها وأزقتها فواصل و فوارق لغوية أو حضارية ذات قيمة تذكر.

من ناحية أخري ستنقشع من أمام نظريات السلوك التنظيمي الفروقات التي خلقت مفهوم\"الإدارة حسب المواقف\"حيث أن الإدارة التي بنيت على أساسيات من الاختلاف في البيئة ومناخ العمل ونفسيات الأفراد عبر الدول والمناطق أصبحت الآن قائمة على قواعد هشة، أوهى من خيوط العنكبوت. والسبب الظاهر يشير بالأصابع العشر إلى الإنترنت و اللغة العالمية و قدرات و تقنيات الاتصال و المواصلات التي جعلت من التفاهم والتقارب بين غرباء ألامس حقيقة ممكنة فلم تعد تستدعي تكوين نظريات مختلفة و متفاوتة لتفسير هموم إدارية أصبحت بقدرة قادر مشتركة ومشتركة بشكل حميمي وعالمية بحكم عولمة التقارب لا بحكم عولمة التفاوت والاختلاف.

نظريات الإدارة التي تقدس الهيكلة الحرفية (بمعنى حرف و مهني ألي) وتصميم العمل كتابة والدوافع المادية والأسلوب العلمي الفيزيائي و البقرطة وغيرها سوف تتـنحى لتبرز نظريات عولمية جديدة تنظر بتركيز شديد إلى أثر المعلومات والاتصال والاتصالات و العمل من بعد و المرونة المبنية علي التقنية. وبدلاً من المصطلحات الجامدة مثل الإدارة العليا والمركزية و الأوامر و التقارير و التحكم و المراقبة سوف تطغى على علم الإدارة مفاهيم عولمية من شاكلة التجارة الإلكترونية والمعلوماتية و\"المنظمة الافتراضية\"virtual organization، والاتصال الديناميكي والوب والشبكة و المواقع وغيرها من خصوصيات الثقافة الإنترنتية.

في الجانب التطبيقي، المسألة ادهي و أمر، فالمدير (نفسه، بلحمة و دمه و بشته الأنيق) أصبح مهدداً بالإحلال ليس بالرجل الآلي ولكن بتقنيات معلوماتية مدهشة تتيح جمع المعلومات وتحليل كم هائل من البيانات بضغطة زر وعرضها بأسلوب تشكيلي ممتع وربما (اتخاذ القرار) المناسب آلياً وهنا مربط المدير!! وينبع سؤال محرج جداً يقول.. هل تتمكن التقنية و خاصة الذكاء الاصطناعي و نظم الخبرة من إحلال عقل ومزاج ونفسية المدير إضافة إلي القدارت الابتكارية والخيالية لدي القائد وهي أمور يستخدمها المديرون عادة عند اتخاذ القرارات؟! إذا تم هذا (خلاص) أصبحت الإدارة عالمية لأنها تتم بأسلوب علمي وتقني موحد، وليحال المديرون على التقاعد المبكر مثلهم مثل الآلة الكاتبة و مطاعم البخاري بعد هجمة المثلوثة!

يقال أن العولمة ابتدأت بأطروحة\"موت التاريخ\"فهل تنتهي بـ\"موت المدير\"؟